نقص الدولار يسبب تراجع الصادرات المصرية في الشهور الأخيرة

حسب بيانات جهاز الإحصاء الحكومي فقد زادت قيمة الصادرات السلعية المصرية خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 36%، كما زادت قيمة الواردات السلعية بنسبة 10%، لترتفع قيمة التجارة الخارجية بنسبة 19% مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي.
وهو ما يتسق مع سعي الحكومة لزيادة الصادرات لجلب عملات أجنبية، تعوض جزءا من مشكلة نقص العملات الأجنبية التي تعاني منها البنوك المصرية منذ يوليو/ تموز الماضي وحتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار أن جانبا كبيرا من تلك الزيادة في قيمة الصادرات، يعود إلى ارتفاع أسعار السلع عالميا في العام الحالي، ولا يمكن تحييد أثر الارتفاع السعري فيها، نظرًا لعدم إصدار جهاز الإحصاء بيانات عن كميات السلع المُصدرة والاكتفاء بالقيمة فقط.
كما جاءت زيادة الواردات مخالفة للإجراءات الحكومية المتعددة من قبل كل من وزارة التجارة ووزارة المالية والبنك المركزي، لخفض الواردات لتخفيف الضغط على الدولار، بعد عودة السوق السوداء للتعامل به، وتباطؤ البنوك في فتح الاعتمادات المستندية للمستوردين لتقليل الواردات. وبالطبع هناك جانب من تلك الزيادة جاء نتيجة لزيادة الأسعار العالمية، لكننا لا نستطيع تحديده حتى تمكن معرفة مدى انخفاض كميات السلع المستوردة بفعل إجراءات الترشيد.
لكن تلك الأرقام السابقة لنمو كل من الصادرات والواردات خلال النصف الأول من العام الحالي التي تسبب ارتفاع الأسعار في نموها، استفادت كثيرا من نمو كل من الصادرات والواردات بالربع الأول من العام. وقد تغيرت الصورة خلال الربع الثاني من العام الحالي تماما في كليهما، بعد صدور قرار البنك المركزي في فبراير/ شباط بإلغاء الاستيراد بواسطة مستندات التحصيل، التي كان بموجبها يدفع المستورد جزءا من ثمن البضاعة للمورد، ويدفع له الباقي بعد عدة أشهر يكون خلالها قد باع جانبا منها.
تراجع الصادرات 4 أشهر متتالية
وساهم في ذلك أيضا قصر العمليات الاستيرادية عبر الاعتمادات المستندية، التي تتطلب إيداع قيمة البضائع المطلوب استيرادها كاملة بالبنوك أولا، وانتظار قيام البنك بتحويلها إلى المورد وهو ما يتطلب عدة أسابيع وربما يستغرق شهورا، الأمر الذي تسبب في تكدس البضائع بالموانئ، ودفع أرضيات ورسوم يومية عليها بسبب تأخر البنوك في إصدار استمارة 4، التي تؤكد تعهده بتسديد قيمتها للمورد الأجنبي، وذلك بسبب نقص العملات الأجنبية لدى البنوك.
والنتيجة نقص العديد من السلع المستوردة بالأسواق ومنها السيارات وخامات الأدوية والبنج المستخدم في عيادات الأسنان، ومكونات مشروعات الطاقة الشمسية وقطع الغيار لكافة الصناعات، وخامات البليت والخردة اللازمة لصناعة حديد التسليح، والأجهزة الكهربائية والتلفونات المحمولة حتى البيتومين الخاص برصف الطرق وغيرها.
ورغم إصدار رئاسة الجمهورية قرارا فى مايو/ أيار باستثناء مستلزمات الإنتاج والخامات، من قرار الاعتمادات المستندية واستمرار استيرادها من خلال مستندات التحصيل، فقد التفّ البنك المركزي على تلك التوجيهات بجعل كل بنك يدبر العملات الأجنبية للاستيراد لعملائه، وهو يعلم أنها تعاني من نقص العملات الأجنبية مما أفقد التوجيهات معناها.
ومن ثم استمرت البضائع مكدسة عدة شهور بالموانئ، ولأن الصناعة المصرية تعتمد بنسبة 60% على مكونات مستوردة، فقد تأثرت الطاقات الإنتاجية بالعديد من الصناعات، الأمر الذي انعكس على تراجع قيمة الصادرات، فبعد أن بلغت قيمة الصادرات خلال مارس/ آذار 5.5 مليارات دولار، انخفضت في الشهر التالي إلى 4.9 مليارات دولار، وواصلت الانخفاض في مايو/ أيار إلى 4 مليارات دولار، ثم إلى 3.7 مليارات في الشهر التالي ثم إلى 3.1 مليارات دولار في يوليو/ تموز.
انخفاض واردات السلع الاستثمارية يضر الإنتاج
وهكذا بدأت أرقام الصادرات خلال يونيو/ حزيران البالغة 3.7 مليارات دولار، تقل عما كانت عليه في نفس الشهر من العام الماضي حين بلغت 3.9 مليارات دولار، فخلال هذا الشهر انخفضت قيمة صادرات القطن الخام بنسبة 28% وكذلك البرتقال الطازج والفول السوداني والطماطم الطازجة والبقول الجافة والبهارات والنباتات العطرية.
وانخفضت صادرات السلع نصف المصنعة بنسبة 20% ومنها حديد السليكون والمولاس والزيوت العطرية، ومن السلع التامة الصنع التي انخفضت قيمتها الإجمالية بنسبة 6% البصل المجفف والمحضرات الغذائية والأدوية والمستحضرات الطبية والأسمدة والسجاد والكليم والبلاط والأدوات الصحية الخزفية والأثاث والمنتجات المسطحة الحديدية والمصنوعات البلاستيكية.
ونفس التراجع وقد في قيمة الواردات التي كانت قد بلغت 7.7 مليارات دولار في مارس/ آذار لتنخفض خلال الشهور التالية حتى بلغت 5.8 مليارات دولار في يوليو/ تموز، وخلال يونيو/ حزيران انخفضت قيمتها بنسبة 8% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، ووصلت نسبة الانخفاض إلى 12% للسلع الوسيطة بما يعني عدم تحقق التعليمات الرئاسية باستثناء مستلزمات الإنتاج من الاعتمادات المستندية، وبتراجع 33% للسلع الاستثمارية وبتراجع 71% للسلع الاستهلاكية المُعمرة، وبتراجع 18% للسلع الاستهلاكية غير المعمرة.
ورغم زيادة القيمة الكلية للواردات خلال النصف الأول من العام، فقد انخفضت خلال تلك الفترة قيمة واردات العديد من السلع. وإذا كان مفهوما أن تنخفض السلع الاستهلاكية المُعمرة بنسبة 35% مثل الثلاجات والغسالات والتلفزيونات وسيارات الركوب وأجهزة التلفون، وكذلك انخفاض واردات السلع الاستهلاكية غير المعمرة بنسبة 13%، مثل الأبقار والجواميس الحية ومستحضرات التنظيف والمبيدات الحشرية وعلف الحيوان والأحذية ولعب الأطفال؛ فإن انخفاض قيمة واردات السلع الاستثمارية الإجمالية بنسبة 8%، ومنها المحركات والمضخات والمراوح وأجهزة معالجة المعلومات، والمحركات والمولدات الكهربائية والجرارات وسيارات نقل البضائع والأجهزة الطبية، يفسر تأثر قيمة الصادرات خاصة مع تراجع واردات العديد من السلع الوسيطة خلال النصف الأول، ومنها الزيوت النباتية وإطارات السيارات والتبغ المفروم وأسلاك الكهرباء وخلاصات الدباغة والصباغة وغيرها.
وذلك لأن تلك السلع تمثل أهمية لعمليات الإنتاج الصناعي والزراعي، وكان يجب معاملتها معاملة خاصة حسب التدخل الرئاسي بنهاية مايو/ أيار، حرصا على استمرار التشغيل للمصانع وللحفاظ على العمالة بها، لكن إجراءات الترشيد للواردات طالت الكل.
تكدس البضائع المستوردة بالموانئ يحتاج إلى شهور
وحتى عندما قام وزير المالية آخر الشهر الماضي بالإعلان عن بعض الإجراءات لتخفيف تكدس البضائع بالموانئ، ومنها رفع الغرامات المفروضة من قبل وزارة المالية وزيادة الفترات المسموح بها قبل تحويل تلك البضائع إلى بضائع مُهملة، والسماح بنقل تلك البضائع إلى مستودعات خارج الموانئ، فقد ذكر وقتها أن الرسوم المفروضة على الحاويات المنتظرة بالموانئ تخص وزارة النقل ولا تخصه، ولم نسمع شيئا من وزارة النقل بعدها.
كذلك فإن الإفراج عن تلك البضائع مرهون بإصدار البنوك ما يفيد بتعهدها بسداد القيمة إلى الموردين لها، مما يعني عمليا إطالة مدة الإفراج عن تلك البضائع من الموانئ لثلاثة أشهر على أفضل تقدير، لأن البنوك تتباطأ في إصدار التعهدات بسداد قيمة البضائع لأن لديها عجزا دولاريا ضخما.
فحتى يوليو/ تموز الماضي ورغم بلوغ ما لدى البنوك العاملة بمصر البالغ عددها 38 بنكا، حوالي 16 مليار دولار فإن التزاماتها للعالم الخارجي بلغت حوالي 26 مليار دولار، أي أن لديها عجزا بأكثر من 10 مليارات دولار.
ونفس الأمر لما صدر مؤخرا من تيسيرات من قبل البنك المركزي قبل أيام قليلة، تسمح باستخدام الشركة المستوردة لقرض من الشركة الأم الموجودة بالخارج التي تتبعها بالداخل، على أن تقوم باستخدام ذلك القرض للاستيراد بما يخفف الأعباء عن البنوك، وكذلك السماح للشركات التي صدرت بضائع إلى دول عربية مجاورة باستخدام حصيلة تلك الصادرات في استيراد سلع بنفس القيمة، وهو ما يعني أيضا عدم تحمل البنوك تدبير تمويل ذلك الاستيراد.
والمفروض في الأحوال العادية أن البنك المركزي يمثل المنقذ والمسعف للبنوك عند احتياجها إلى السيولة، لكن البنك المركزي نفسه يعاني من نقص في العملات الأجنبية، فحتى يوليو/ تموز الماضي ورغم ما لديه من أصول أجنبية تمثل قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية البالغة 33 مليار دولار، فإن ما عليه من التزامات للخارج يزيد بنحو 9.3 مليارات دولار، الأمر الذي يبطئ تدخله للإفراج عن البضائع بالموانئ ولعمليات الاستيراد الجديدة رغما عنه.
وهكذا تبدو الصورة داخل الأسواق المصرية والأوساط التجارية والصناعية، شكوى عامة من نقص الدولار والمواد الخام ومستلزمات التصنيع، وصيحات تنذر بنفاد المخزون وتراجع جزئي للطاقات الإنتاجية وتأثر جزئي للعمالة بها، وهو جو مماثل للحالة التي كانت عليها البلاد عام 2016، مما يعني تبخر آثار الإصلاح الاقتصادي الذي رافق قرض صندوق النقد الدولي أواخر عام 2016، مما يعطي صورة سلبية عن مناخ الأعمال للاستثمار المحلي والأجنبي الحالي والمتوقع.