هل تقتفي تركيا أثر لبنان وتقوم بترحيل اللاجئين السوريين؟!

يعيش اللاجئون السوريون بتركيا حالة من القلق والترقب في أعقاب قيام الحكومة اللبنانية مؤخرا بإعلان تفاصيل خطتها الهادفة لترحيل اللاجئين السوريين عن أراضيها، وإعادتهم إلى مدنهم وقراهم وفق برنامج زمني محدد، مع تجاهل تام للتحذيرات التي أطلقتها المنظمات الحقوقية والإنسانية من خطورة هذا التوجه على حياة الملايين من المدنيين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الحرب الدائرة ببلادهم.
مخاوف السوريين في تركيا تعود في المقام الأول إلى ارتفاع وتيرة التوجه السياسي التركي صوب البحث عن حل سريع لهذه المعضلة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة منتصف العام المقبل، إذ أصبح هذا الملف مصدر أرق وصداع دائمين للمسؤولين الأتراك نتيجة توظيف أحزاب المعارضة له لتأجيج غضب الشارع التركي وشحنه ضد الحزب الحاكم، مما جعله يخشى خسارته لهذه الانتخابات المهمة بالنسبة له، وهو أمر يزيد من احتمالات قيام الحكومة التركية بالسير فعليا على خطى لبنان، لسد الذرائع أمام المعارضة وإفشال مخططها.
وفي هذا الإطار اتخذت الحكومة التركية عددا من الخطوات التي تشير إلى رغبتها في طي صفحة الماضي مع النظام السوري، وبدء مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، مبنية على المصالح المشتركة التي تخدم كلا البلدين، وهو التوجه الذي تدعمه كل من روسيا وإيران حليفتي الأسد وأكبر داعميه.
تحركات سياسية ودبلوماسية متلاحقة للمصالحة مع نظام بشار الأسد
فالرئيس أردوغان أعلن خلال قمة شنغهاي التي عقدت مؤخرا في سمرقند أنه كان مستعدا للقاء الأسد لو حضر هذا الاجتماع، ورغم توجيهه اللوم إلى السياسات التي اتبعها بشار الأسد في تعاطيه مع المعارضة السورية، فإن الحديث عن الاستعداد للقاء به والاجتماع معه من جانب أردوغان إشارة إلى حدوث تغييرات فعلية في السياسة التركية تجاه الوضع في سوريا. وتبدو احتمالات حدوث مثل هذا اللقاء أقرب مما يتصور البعض، فما كان يعد أمرا مرفوضا منذ أشهر قليلة، لم يعد كذلك الآن.
تصريح أردوغان سبقته مجموعة من الأخبار تحدثت عن اجتماع هام جمع رئيسَي استخبارات البلدين في دمشق، وهو اللقاء الذي وصفته وسائل إعلام سورية وتركية بأنه إيجابي نتيجة ما قيل عن إحرازه تقدما ملموسا يمهد الطريق لعقد اجتماعات على مستوى أعلى، في تلميح إلى احتمالات عقد لقاء بين مولود شاووش أوغلو وزير الخارجية التركي، ونظيره السوري فيصل المقداد.
فقد ناقش الجانبان القضايا الخلافية التي تعيق تحسين علاقات البلدين، مثل ضرورة وقف نظام الأسد دعمه العسكري والسياسي للتنظيمات المسلحة التي تصنفها تركيا تنظيمات إرهابية، كما سعيا إلى وضع خارطة طريق تضمن عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي.
ولتحقيق هذا الهدف طلبت تركيا من دمشق التعهد بعدم إصدار أحكام على العائدين، وتهيئة ظروف مناسبة للعمل والإقامة، وإعادة العقارات المصادرة إلى أصحابها، كما طالبت إلغاء القانون رقم 10 الصادر عام 2018 الذي ينص على نزع ملكية العقارات من المواطنين المقيمين بالخارج ما لم يقدموا إثباتات الملكية في غضون 30 يوما، وهو ما اعتبر آنذاك عقابا جماعيا من جانب النظام لهؤلاء الذين غادروا البلاد نتيجة الحرب الدائرة هناك.
أما الجانب السوري فقد طالب بانسحاب القوات التركية من جميع الأراضي السورية، وهو ما تعهد الأتراك به شريطة استكمال العملية الدستورية، وإجراء انتخابات حرة تضمن اندماج فصائل المعارضة في المنظومة السياسية الحاكمة للبلاد، وتجديد اتفاقية أضنة الموقعة بين البلدين عام 1998 لمكافحة الإرهاب، مؤكدين التزامهم بالوحدة الجغرافية للأراضي السورية.
الرغبة التركية في عقد مؤتمر دولي لبحث العودة الطوعية للاجئين
وعقب هذا أعادت وزارة الخارجية التركية الحديث عن نيتها عقد مؤتمر حول سبل العودة الطوعية للاجئين السوريين، خلال المباحثات التي جمعت وزير الخارجية التركي بنظيره الأردني في أنقرة مؤخرا، وذلك بمشاركة كل من العراق ولبنان والأردن بالتعاون مع الأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين.
وهو ما تزامن مع تواتر أخبار من سوريا وروسيا تتحدث عن قيام الحكومة التركية بالتضييق على فصائل المعارضة السورية، والحد من حجم الدعم المالي الذي تقدمه لها، وإعلان بعض عناصر النظام السوري أن إغلاق تركيا الفضائيات السورية التي تبث من الأراضي التركية أسوة بما حدث لقنوات الإخوان المصريين، سيكون بادرة حسن نية يمكن أن تبني عليها القيادة السورية خطواتها المقبلة في طريق التقارب والمصالحة التي تخدم مصالح البلدين سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
تصاعد حدة العداء في المجتمع التركي
أما على الصعيد الداخلي فيبدو أن عمليات التضييق على السوريين التي بدأت منذ عامين ستزداد خلال المرحلة المقبلة، إذ أعلنت الداخلية التركية منع تسجيل النفوس، وفق ما تنص عليه القوانين التركية، للأجانب عموما وللسوريين خصوصا حاملي إقامات الحماية المؤقتة في 18 محافظة تركية، وأكثر من 800 حي في 52 محافظة، منها 81 حيا في مدينة إسطنبول وحدها.
يأتي ذلك متزامنا مع استمرار حالة العداء المتصاعدة بين الأتراك لكل ما يمت للسوريين بصلة، وقد وصل الأمر إلى اعتداءات جسدية على أشخاص من جنسيات مختلفة في الشوارع والطرق وداخل وسائل النقل لمجرد الاشتباه في أنهم سوريون.
وقد زادت هذه الإجراءات من معاناة اللاجئين بعد وضع عراقيل أمام حرية التنقل بين المحافظات التركية لحاملي هوية لاجئ بحثا عن العمل وتحسين مستوى المعيشة، ومنع وضع لافتات على المحال السورية باللغة العربية، ووضع شرط تعيين 5 أتراك أمام كل موظف أجنبي بالشركات، كما تم إغلاق الكثير من المناطق السكنية في وجه الأجانب حفاظا على ديمغرافيتها السكانية.
مخاوف منطقية مع خطط المجتمع الدولي لمنح الشرعية لنظام الأسد
وتبدو مخاوف السوريين أكثر منطقية في ظل التطورات السياسية المتلاحقة المرتبطة بملف الأزمة السورية عموما، وقيام المجتمع الدولي نفسه بطرح رؤيته للحل، وخططه الرامية لإنهاء الأزمة، التي تصب في مجملها في عودة التعاطي مع نظام بشار الأسد، ومنحه الشرعية الدولية التي طالما سعى لاستعادتها منذ اندلاع الثورة السورية، وهو أمر سينعكس سلبا على وضعية اللاجئين في الدول المضيفة لهم، ويزيد من معاناتهم، ويسد في وجوههم الكثير من الأبواب.
فهل تقتفي تركيا أثر لبنان، وتبدأ العمل على ترحيل اللاجئين السوريين لديها تحقيقا لمصالحها الخاصة، أم أنها ستسعى من خلال توجهها صوب المصالحة مع نظام الأسد إلى ضمان سلامتهم وتوفيرعودة آمنة لهم، وانتزاع بعض المكاسب التي سعوا لتحقيقها بالثورة على النظام وخروجهم من ديارهم؟!