كتيبة الإعدام.. فرج الأكتع ملعون في كل كتاب

يتسامح المصريون في كل شيء الفساد، الإهمال، أحيانًا التخريب سواء المتعمد أو من دون قصد، يلتمسون الأعذار لمن يخادعهم ويلعب بعواطفهم.
المصري دائمًا ما يترك باب التوبة للمخطئ كما نشأ دينيًا، فباب التوبة مفتوح للجميع دائمًا عند الله -سبحانه وتعالى- كما يؤمن المصريون بذلك.
باب واحد فقط يغلقه المصريون في وجه كل من يقترب منه إنه باب الخيانة والتعاون مع العدو، ولا يعرف المصري عدوًا له على مدار القرن الماضي إلا العدو الصهيوني، لذا لا يتسامح المصري في كل بقعة على أرض مصرية مع الذين يعترفون بالعدو، يتعاونون معه، أو يسعون للاستسلام له بأي وثيقة أو معاهدة أو اتفاقية.
هكذا يجد نفسه حسن عز الرجال بطل فيلم كتيبة الإعدام قصة وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة وإخراج عاطف الطيب، وإنتاج 1989، فلا أحد يقبله بعد خروجه من السجن حتى المجرمين زملائه في الزنزانة، منهم من قتل ومن سرق، لكنهم لم يخونوا دماء الشهداء ولم يتعاونوا مع الصهاينة، يتحول عز الرجال -المظلوم- بخطة صهيونية مع خائن حقيقي هو فرج الأكتع إلى وباء يتخلص منه المصريون جميعًا.
اتردي يا أبواب البيوت.. وابعديهم
واتسدي يا أبواب القلوب.. واطرديهم
واتفتحي يا أبواب الجحيم .. واورديهم
جزاة ما خانونا وباعونا لعدانا
متى بدأ الاختراق
بدأت الخيوط تتجمع لدى الرباعي أبطال فيلم كتيبة الإعدام حسن عز الرجال المتهم البريء ونعيمة الغريب ابنة شهداء المقاومة في السويس ليلة الثاني من نوفمبر 1973، ويوسف كامل ضابط الأموال العامة المطلوب منه الحصول على الأموال التي سرقها الخائن، وكمال عبد الرافع ضابط المباحث، وما أن تتجمع خيوط براءة عز الرجال لدى الجميع حتى يفاجئ يوسف بنقله شرطة السياحة بالأقصر، أما كمال فيجد نفسه في إجازة مفتوحة من عمله وإحالته للتحقيق.
هذا الإجراء جعلني أتساءل عن جذور اختراق المؤسسات المصرية خاصة أن أحداث الفيلم تعود إلى عام 1989، فكيف في هذا الوقت المبكر من العلاقات مع العدو كان هناك من يعمل على إغلاق ملفات الخيانة والتعاون مع الأعداء -حسب الفيلم-.
المشهد السابق أعاد إلى الذاكرة مشهد بكاء الجنرال المصري محمد عبد الغني الجمسي في يناير 1974 أثناء مفاوضات فض الاشتباك مع العدو الصهيوني، فأثناء المحادثات التي كان يمثل فيها الجنرال النحيف مصر مع الكيان الصهيوني شعر الجمسي أنه يتنازل عن دماء الشهداء ويضحي بالنصر، وهو الرجل الذي عاش عمره العسكري كله يحارب العدو.
لقد بكى الجمسي وأخفى دموعه وهو يجلس مع الأعداء عندما جلس أمامه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ليخبره بموافقة الرئيس السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس، وتخفيض القوات المصرية في سيناء إلى 7000 رجل و30 دبابة!
أبناء الغريب
كأن أسامة أنور عكاشة وعاطف الطيب يشيران إلى دلالة فارقة في التاريخ، فبينما يجلس المفاوض المصري على طاولة المحادثات التي بدأت 24 أكتوبر 1973، تتم الخيانة ويقتل رموز المقاومة في السويس سيد الغريب وابنه محمد، وبعد بأيام يقتل ابن أخيه الضابط في الجيش المصري صلاح الغريب.
إذن ليس جديدًا روائح الاختراق الداخلي من جانب العدو، الذي يصل إلى معاقبة ضباط في مؤسسة الداخلية المصرية حين يتجهون إلى معرفة الخائن الحقيقي وعلاقته بالأعداء جاسوس وعميل لهم.
ما تطلعيش يا شمس ع اللي يخونّا
وما تنطفيش يا نار قلوبنا وعيونّا
وما ترحميش اللي احنا على قلبه هنّا
واكوي بنارنا كل نقطة في دمانا
صاحب أول سوبر ماركت
الأكتع أو عزام أبو خطوة عميل العدو يفخر أنه صاحب أول سوبر ماركت في مصر عام 1974، ولا عجب فالتواريخ تؤكد بدايات الخيانة واستشهاد (اغتيال) المقاومة وأبطال النصر مع بدايات عصر السوبر ماركت في مصر والتي جاء بعدها قرارات الانفتاح الاقتصادي 15 مايو 1974.
الملاحظة الثانية فيما يخص الأكتع أو المهندس عزام أبو خطوة هو اتساع نفوذه داخل الدولة وأنشطته وكذلك ممتلكاته، علاوة على كون نعيمة الغريب الحاصلة على الدكتوراه في برمجة الكومبيوتر عام 1976 تعمل في إحدى مؤسسته المتعددة، فهي تسكن في إحدى عمارته ويضعها تحت عينيه.
هو يصل إلى ضباط الداخلية والمباحث دائمًا، بل يحثهم في بعض الأحيان على قتل عز الرجال للتخلص من كل أثار جريمته، أما الأهم فإنه لا أحد يعرف مكانًا للمهندس صاحب النفوذ، هذا الخائن صار له عشر قصور في أنحاء مصر، ولا يظهر إلا في مناسبات قليلة جدًا.
لا تطهر الخيانة إلا الدم
يحسم عاطف الطيب القضية والحكم في نهاية فيلمه، وقبل أن نصل إلى النهاية كان عزام أبو خطوة أو فرج الأكتع العميل الصهيوني قد قرر أن يتخلص من القضية كلها، وهنا يفكر في الخلاص من أثار جريمته الأولى التي تمت في نوفمبر 1973 بالسويس، فقد قرر اغتيال نعيمة الغريب وحسن عز الرجال، يقوم رجال الأكتع بالهجوم على شقة نعيمة الغريب ومعها حسن ويحاولون خنقهم عن طريق إشعال النار في شقتها بعد فتح أنبوبة الغاز.
الغريب هنا هو أن حادث اغتيال العالم المصري جمال حمدان تم بالطريقة نفسها، فقد تم فتح الغاز في شقته وإشعال النار فيها، ذلك عام 1993، ورغم أن تقارير الطب الشرعي أثبتت أن حمدان لم يمت متأثرًا بالحريق إلا أنه لم يكشف عن سبب الوفاة حتى الآن.
ينتهي فيلم كتيبة الإعدام بأربع رصاصات من أبطال الفيلم الأربعة في صدر وقلب فرج الأكتع الخائن الذي تعامل وعمل وتجسس وقتل لصالح العدو، فلا يمحي الخيانة إلا الدم، وتمتلئ قاعة المحكمة بكل أطياف الشعب المصري تحية وتقديرًا للأبطال الذين طهروا الخيانة برصاصهم.
الحلوة قلب كبير يضم الولاد
وزاد وزوادة وضِلة وسبيل
الموت والاستشهاد عشانها ميلاد
وكلنا عشّاق ترابها النبيل
ملاحظة: الأبيات الشعرية من مقدمة ونهاية الفيلم من أشعار سيد حجاب، وألحان الموسيقار عمار الشريعي.