كعبلون سعيد صالح.. الحوار المستقيم وفاروق وندا

عادل إمام وسعيد صالح

ما بين مشاهدة المشهد الأول لمسرحية الكوميديان المصري سعيد صالح كعبلون التي قدمها عام 1985 على مسرحه من تأليف محمد شرشر وإخراج حسن عبد السلام، والمشهد الأخير في المسرحية التي استمرت قرابة ثلاث ساعات أحداث مسرحية وواقعية كثيرة.

ممنوع من الكلام

بينما كان المشهد الأول يبدأ على شاشتي الخاصة بالبحث عن عريس لابنة ملك كعبلون (اسم الدولة في المسرحية) بين الوزراء وطبقة الحكم، في جلسة اختيار العريس يدخل في طابور المتقدمين سعدون السايح مواطن كعبلوني يؤلف ويلحن ويغني أغاني معارضة للحاكم الهباش -اسم الحاكم ـ الذي استولى على حكم ملك كعبلون، وهو ضابط حراسة في القصر الملكي بمؤامرة مع زوجته التي أحبته فقتلوا الملك وتزوج الملكة، وفي الوقت ذاته هو يريد الزواج من ابنة الملك والخلاص من أمها.

في هذه اللحظة يأتي سعدون ليحصل على خاتم الخروج من كعبلون بعد أن تعب من كثرة السجن، فقد أمضى ثلثي عمره (33) عامًا في سجون الهباش المستولي على العرش بالمؤامرة والخداع، يقع حمدون في غرام الأميرة (الابنة).

ويتعجب الملك والحاشية الفاسدة من دخوله طابور المتقدمين للزواج، لكنه يقنعهم أنه الطابور الأقل عددًا، فالطوابير الأخرى الخاصة بالمحاكمات وطلبات الخروج من البلاد طويلة، ويخضع حمدون للتحقيق بسؤاله عما يجعله يطلب الرحيل، ويسأله الهباش عن الممنوعات فيغني حمدون قائمة الممنوعات:

ممنوع من السفر.. ممنوع الكلام

ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء

ممنوع من الابتسام.

بينما استمتع بكلمات أحمد فؤاد نجم وغناء وألحان سعيد صالح والنص المسرحي المكتوب بعناية شديدة، في ظل غياب مسرحي كامل عن الساحة المسرحية المصري، واختفى الجميع، في أثناء المشاهدة واستعادة ذكريات المسرح وخاصة ما عرف بالمسرح السياسي جاءت رسالتان على الهاتف.

رسالة عبد الخالق فاروق وأيمن ندا

انقطع خيال سعيد صالح ومحمد شرشر وأحمد نجم وفؤاد حداد ولم أستكمل الفصل الأول برسالة الدكتور عبد الخالق فاروق وهي فيديو عن أول لقاء له مع برنامج المسائية على قناة الجزيرة مباشر بعد سنوات طويلة، أما محور الحوار فكان عن الديون المصرية وهل هناك احتمال لتعثر مصر عن سداد ديونها، شاهدت الحوار وأمسكت عن التعليق أرسلت له رسالة صغير “ربنا يسترها عليك”.

انتقلت إلى رسالة الدكتور أيمن منصور ندا رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بجامعة القاهرة وهي المقال الثالث في سلسلة من 5 مقالات أعلن عنها الأستاذ الجامعي أنها مشاركته في الحوار الوطني الذي دعا إليه النظام المصري.

تلقى ندا دعوة الأمانة العامة للمشاركة فيه، وكان نشر على صفحته الشخصية على فيسبوك مقاليه الأول والثاني والثالث، بينما كنت أقرأ نص المقال الثالث وقلبي يرتجف عليه، فقد كان ندا يقوم بنقد السياسات التي تمت في السنوات الثماني الماضية في 16 محورًا، ولم أجد سوى الكلمة نفسها التي قلتها للدكتور عبد الخالق فاروق “ربنا يستر دكتور أيمن” واتفقنا على إرسال المقالين الأخيرين احتفظ بهما.

سعيد صالح والمسرح السياسي

كثيرًا ما تساءل الجمهور والمشاهدون عن سر عدم نجومية سعيد صالح بالمقارنة بنجومية عادل إمام وهو الثنائي الذي حقق نجاحًا صاخبًا في المسرحية الشهيرة مدرسة المشاغبين، ويذهب الكثير من المهتمين بالمسرح أن صالحًا أكثر موهبة من إمام، بل إن نجاح المشاغبين كان بوجود صالح (مرسي الزناتي).

لماذا حاز إمام كل النجاح والشهرة والدعم من كل جهات الدولة والإعلام ولم يحظ صالح بالقدر نفسه؟ بل بالعودة إلى سنوات مبكرة في منتصف الثمانينات نجد أن صالحًا تعرض لهجوم شديد من نقاد كثيرين منذ أن بدأ أعماله المسرحية السياسية، صالح الذي بدأها مبكرًا في مسرحية عودة الروح عن نص توفيق الحكيم عام 1960، وقدم للمسرح 47 عملًا مسرحيًا، والسينما طوال مشواره ما يقارب 500 فيلم.

تعرض لهجوم نتيجة أعماله المسرحية السياسية، بل وصل الأمر لتعرضه للسجن مرتين، 21 مسرحية سياسية قدمها صالح للمسرح السياسي بدأها بمسرحية أولادنا في لندن عام 1971، وكانت آخرها قاعدين ليه عام 2005.

إجابة سؤال العقل

عدت استكمل مسرحية كعبلون بعد يوم من مشاهدة أول فصول العرض، كانت الأميرة قد وقعت في غرام المغني صديق السجن والزنزانة، وكان عليه الإجابة عن سؤالها الذي بمقتضاه يتم الزواج، وكان السؤال ما العقل؟ أما الإجابة استلزمت رحلة مدتها 90 يومًا، حتى يصل للإجابة.

يعود حمدون بينما الهباش ورجاله قد وقعوا في مطب كبير حيث الخزانة خاوية من الأموال، وقد باعوا البلاد كلها، ولم يبق سوى العاصمة، ولم يعد هناك شيء يمكن بيعه بل إنهم باعوا الخزانة.

الدعوة إلى الحوار المستقيم

يحاول الهباش الخلاص من حمدون والملكة الأم، ويقوم بعمل تقويم جديد للبلاد، حتى ينهي مهلة الـ 90 يومًا لحمدون للإجابة عن سؤال العقل، لكن حمدون يعود ويحرر المساجين، ويبدأوا في التظاهر، وهنا يلقى الهباش الملك بيانًا للشعب هذا جزء منه:

“أهلا بيكم في المناقشة والحوار، النهارده في بلدنا أي واحد عنده حق يبدي رأيه في أي حاجة إلا في السياسة لاء.

إحنا آه ديمقراطية بس في حدود الحدود في كلام عن مشكلات!! أنتم ما لكم بالبلد؟ حد جاع؟ حد مات؟ كل مولود ولد، أما شغل التنظيمات واللي دايرين يلطموا، يبعتوا لي وفد منهم، إن ما اقتنعش..  ها أقنعه! فامشوا أحسن من سكات على الحوار المستقيم”.

نهاية كعبلون

بينما يدخل المتظاهرون قصر الهباش ويقبضون عليه لمحاكمته وحاشيته، يعرض على حمدون أن يكون معه ويخدمه، بينما ترفع الحاشية مبدأ “عاش الملك مات الملك” ويعرضون خدماتهم في سن القوانين وعمل الأفراح والمهرجانات له، يرفض حمدون ويحيلهم إلى المحاكمة العادلة!!

وفي نهاية العرض المسرحي يغني سعيد صالح من كلمات أحمد فؤاد نجم (أسمع كلامي وحلله):

اسمع كلامي وحلله.. تلقاه بسيط من أوله

تعمل حويط وتأوله.. تطلع غشيم

قال الحكيم: العمر ماشي.. وكل ماشي وله مداه

وكل فرد له بدايته ومنتهاه.. الشعب هو الباقي.

عودة إلى الواقع

ما أن انتهى بيان الهباش بالحوار المستقيم.. في العرض المسرحي الذي امتد إلى يومين كانت رسائل أخرى قد وصلتني عبر الهاتف من الأصدقاء عبد الخالق فاروق وأيمن منصور ندا فقد تعرض منزل الأول لسرقة كل مؤلفاته الاقتصادية التي بمنزله كل النسخ، ونشر خبر السرقة على صفحته على فيسبوك ولم يبق من الكتب نسخة واحدة.

أما أيمن ندا فقد تم رفع مقالاته الثلاث من على صفحته في فيسبوك، وتمت دعوته لزيارة قصيرة عاد بعدها متوقفًا عن استكمال باقي مقالاته الخمس جول مشاركته في الحوار الوطني الذي تم دعوته له مكتفيًا بما نشر.

أشعار وموسيقى كعبلون

استعان سعيد صالح بثلاثة شعراء كبار من شعراء العامية المصرية الأول بيرم التونسي، فؤاد حداد الشاعر الأسطورة في شعر العامية وفي هذه المسرحية كتب أغنيتين، أما بيرم فكانت له أغنية، والثالث كان أحمد فؤاد نجم قدم نجم في كعبلون خمس أغنيات أما الألحان فكانت لسعيد صالح الذي قدم ألحان ثلاث مسرحيات من مسرحياته السياسية هي قاعدين ليه والبعبع وكعبلون، كما قدم ألحان فيلم أولاد حظ والمزيكاتي.

ختام

كان مشوار المسرح السياسي الذي قدم له سعيد صالح 20 عملًا وكذلك ارتباطه بأسماء كتاب مسرح سياسي وشعراء لهم تاريخ سياسي، وارتباط صالح بصداقة مثقفين وسياسيين مصريين سببا في تجاهله الفني، بل وصل إلى تشويه سمعته واتهامه بتعاطي المخدرات، لقد دفع صالح ثمنًا غاليًا لمواقفه السياسية، ولكن في النهاية تبقي جملته الأخيرة في عرضه الممتع كعبلون “الشعب هو الباقي”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان