صاحبة السلطان والابن المدلل..!

(صاحبة السلطان) هي وزيرة الصحة المصرية السابقة د. هالة زايد، و(الابن المدلل) هو المدعو سيف، نجلها الأكبر من زوجها السابق محمد الأشهب الذي يقبع في السجن المشدد الآن لقضاء عقوبة 10 سنوات، وغرامة 500 ألف جنيه، لإدانته بتهمة استغلال نفوذه فيما يُعرف بقضية رشوة وزارة الصحة.
وهذا الوصف؛ (صاحبة السلطان)، و(الابن المدلل)، ليس من عندي، بل هو مكتوب بمداد قلم المستشار أسامة الرشيدي رئيس محكمة جنايات القاهرة التي تولت القضية وحكمت فيها، وأودعت المحكمة حيثيات حكمها قبل أيام، وهي تعرض ملخصًا شارحًا للقضية التي تضيف حجرًا جديدًا في هرم الفساد المالي والشخصي، الذي لا حل له إلا بالاستئصال من الجذور.
مواجهة جادة للفساد
وضمن حلول مواجهة الفساد بجدية ينبغي ألا يتم التماس العذر لأي متورط فيه خاصة من كبار المسؤولين أو من الشخصيات ذات المكانة، ولا يُستثنى أحدٌ مارس الفساد مهما كانت درجته الوظيفية متدنية أو من عموم الناس، فلا تبرير للفساد ولا لتمريره مهما كان محدودًا، ولا تغطية عليه أو تعاطف معه ولا اعتبار لقيمة الشخص غير المستقيم أخلاقيًّا وقانونيًّا، بل هو عار وانحطاط.
تكلفة الفساد ضخمة خاصة في البلدان التي تنعدم أو تقل فيها درجة الرقابة ومستوى الشفافية وتختفي المساءلة داخل البرلمانات والهيئات المنتخبة، والفساد يتغلغل في أنظمة حكم الفرد أو الحزب الواحد، بينما تتراجع مستوياته في الأنظمة التي يتم تداول السلطة فيها وتتغير الأنظمة في انتخابات حرة، حيث تكون الرقابة الرسمية والشعبية يقظة ومسؤولة، وتتحقق دولة القانون قولًا وفعلًا.
إدانة سياسية للوزيرة السابقة
القاضي في الحيثيات لا يدين فقط المتهم الأول محمد الأشهب طليق الوزيرة والمتورط مباشرة في طلب رشوة مقابل استغلال نفوذه بوزارة الصحة، حيث كانت زوجته السابقة تجلس على عرشها، ويستغل ابنه الأكبر في تسهيل ما يريده بالوزارة. وإنما تشمل الإدانة كل أطراف القضية حتى من حصلوا على البراءة أو تم إعفاؤهم من العقوبة وفقًا لقانون الشهادة في قضايا الرشوة، كما يدين كل من له صلة بأطراف في القضية ولو لم يكونوا متهمين مباشرة مثل ابن الوزيرة، وهي نفسها تلحقها إدانة سياسية على الأقل.
والحيثيات تضع هالة زايد في مأزق بشكل صريح حيث تؤكد وجود تعليمات لمدير مكتبها بألا يرد لابنها طلبًا، وأن الأشهب صاحب سطوة ونفوذ في وزارة الصحة لكونه زوج الوزيرة، وقد اعتاد على إنجاز مثل هذه الأعمال (استغلال النفوذ) تارة بمعرفته وتارات أخرى بواسطة ابنه الذي لا يرفض له العاملون بالوزارة طلبا خشية غضب والدته الوزيرة، كما أن المسؤولين بالوزارة ينفذون توجيهات الابن المدلل للوزيرة، خشية أن ينزل بهم غضب صاحبة السلطان.
بأي مبرر سياسي وقانوني وأخلاقي يتدخل الابن والأب في وزارة عامة لأن من تحمل حقيبتها هي الأم والزوجة؟
والسؤال هنا، أليس من حق القاضي ضم من يراه منتهكًا للقانون إلى القضية واعتباره متورطًا في استغلال النفوذ والاتجار به؟
وزيرة من البيت.. لماذا؟
المتهم الرئيسي في القضية طليق الوزيرة تم القبض عليه في أكتوبر 2021، وفي نفس الوقت داهمت هيئة الرقابة الإدارية وزارة الصحة وتحفظت على أوراق تخص القضية تتعلق بقضية استغلال نفوذه لصالح أصحاب مستشفى مخالف صدر قرار بإغلاقه، وسعى ملاك المستشفى لاستصدار قرار جديد مزوّر بأنه مطابق للمواصفات ويصلح للعمل وفي اليوم ذاته قيل إن الوزيرة أصيبت بأزمة صحية وتم نقلها للمستشفى وبقيت في بيتها في إجازة مفتوحة وتولى وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار وزارة الصحة بالإنابة.
وظلت الوزيرة، وزيرة رغم وجود قضية رشوة واستغلال نفوذ تتعلق بزوجها السابق وقيام ابنها بتسهيل مهمة والده المشينة، إذ اتفق مع أصحاب المستشفى على دفع 5 ملايين جنيه له مقابل إيقاف إغلاقه وإصدار التراخيص اللازمة له رغم كل ما يتضمنه من مخالفات جسيمة.
منذ نهاية أكتوبر 2021 وحتى منتصف أغسطس 2022 عندما جرى تعديل وزاري في حكومة مصطفى مدبولي ظلت هالة زايد وزيرة رغم أنها لم تكن تمارس عملًا ولم تذهب إلى الوزارة وهذا أمر جديد، وما كان ينبغي أن تظل نحو عشرة أشهر على ذمة الوزارة، وغالبًا أنها كانت تحصل على راتبها وكل مخصصاتها، فبأي منطق يحدث ذلك، وما هو تفسيره المقنع؟
هذا مشهد من اللامعقول، ولكنه في الواقع معقول في ظل غياب المحاسبة وتغليب الخواطر على فرض القانون بصرامة.
مع هذا، نقول حسنًا أنه تمت إقالتها ولو متأخرة، فهذا أفضل من استمرارها، والخلاص منها عقاب سياسي لها، وفقدان للثقة فيها.
خلل في العلاج الخاص
القضية كاشفة عن خلل في القطاع الطبي الخاص، فالمستشفى المخالف ظل يعمل سنوات في أحد أرقى المناطق السكنية بمصر من دون ترخيص، وغرف الرعاية المركزة كانت في بدروم المبنى (طابق أسفل الأرضي)، ولم ينفضح المستشفى إلا بعد وفاة مريض وإبلاغ عائلته للجهات المعنية.
ومن أسف أن الوسطاء في الرشوة أستاذ بكلية الطب وصاحب مستشفى ومن عائلة سياسية ونائب سابق في البرلمان قبل ثورة يناير، ومعه ضابط سابق.
وصاحبا المستشفى وجدا نفسيهما في مأزق عندما تحدثا مع الأشهب للتدخل وإلغاء قرار الإغلاق والحصول على التراخيص، حيث طلب منهما 5 ملايين جنيه وكانا يظنان أنه سيطلب مبلغًا معقولًا، ولأنه فوق القدرة وإذا لم يدفعا فسيكون قد اطلع على المشكلة وبمقدوره تعقيدها أكثر فقد اتجها إلى هيئة الرقابة الإدارية لإبلاغها بالرشوة وتفاصيل القضية.
والمعنى هنا أن مبلغ الرشوة لو كان في طاقة مالكي المستشفى، أو قاما بدفعه، لما كانت هناك قضية ولكان المستشفى لا يزال يعمل الآن من البدروم، ولكانت وزيرة الصحة مستمرة، ولكان طليقها يواصل الاتجار بنفوذه باسمها، ولكان ابنها يواصل التدخل في الوزارة لصالح والده ومن يشاء.