الأكراد فرس الرهان في الانتخابات التركية.. التغريد منفردا
وكأن المعارضة التركية كانت بحاجة إلى مزيد من العراقيل والتحديات التي تعيق اتفاقها حتى تظهر أمامها فجأة مشكلة كبيرة يبدو من الصعوبة بمكان التوصل إلى حل توافقي حولها، وهي موقفهم من حزب الشعوب الديمقراطي ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان بعد حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وما يتعرض له نتيجة الدعوى القضائية إلى إغلاقه المرفوعة من جانب المدعي العام التركي.
حيث تجاهل الجميع الإجراءات التي تُتخذ معه، ولم يتم التعامل مع الأمر بحكمة، على الأقل للاستفادة مما يملكه من كتلة تصويتية ضخمة تضم الناخبين الأكراد في مختلف المحافظات التركية، في حال إغلاقه ومنع قياداته وأعضائه المؤثرين من ممارسة العمل السياسي.
شريحة تصويتية لا ينبغي التفريط فيها، أو الاستهانة بتأثيرها في نتائج أي انتخابات، إذ بمقدورها تحديد من الفائز، ومن الخاسر في الانتخابات المقبلة.
وفي أول ردّ لحزب الشعوب الديمقراطي على صمت أحزاب المعارضة التركية اتجاه الإجراءات التي اتُّخذت ضده مؤخرا، أعلنت رئيسة الحزب بيرفين بولدان أن حزبهم سيدخل الانتخابات الرئاسية مع مرشحه الخاص، في إشارة إلى أنهم لن يتعاونوا مع أيّ من الجبهتين المتحالفتين، سواء جبهة العدالة والتنمية والحركة القومية، أو جبهة أحزاب الطاولة الستة.
وأنهم قرروا العمل بمفردهم عقب تخلي الجميع عنهم في أزمتهم التي يمرون بها حاليا، بعد أن تم تجميد الدعم المالي الذي يحصل عليه الحزب من الدولة إلى حين الانتهاء من النظر في قضية إغلاقه المرفوعة إلى المحكمة.
وفي هذه القضية يتهمهم المدعي العام بالتعاون مع منظمة حزب العمال الكردستاني، معتبرا حزب الشعوب الديمقراطي هو الجناح السياسي للعمال الكردستاني في الداخل التركي، وهو الاتهام الذي تم التيقّن منه بعد العثور على مجموعة من الصور لإحدى نائباته في هاتف محمول لأحد عناصر العمال الكردستاني، الذين يخوضون حربا ضد الدولة التركية، وهي صور التُقطت لهما معًا في جبال قنديل بشمال العراق، وتحمل النائبة في بعضها السلاح، مرتدية الزي الخاص بمسلحي حزب العمال الكردستاني.
الشعوب الديمقراطي يثأر لنفسه
وكأن الشعوب الديمقراطي أراد بهذه الخطوة الثأر لنفسه، ومعاقبة جميع المعارضة التركية على تجاهل وجوده، وهو يدرك جيدا أن هذا التصرف يعني أن مرشح أحزاب الطاولة الستة التوافقي لن يستطيع إحراز فوز ساحق من الجولة الأولى لهذه الانتخابات، وربما يتمكن فقط من المنافسة في الجولة الأولى، لكنه لن ينجح في حسمها لصالحه، وبالتالي ستؤول الأمور إلى جولة ثانية، ووقتها سيكون لكل حادث حديث، بعد أن يضطر الجميع إلى الهرولة لكسب رضا الحزب الذي تم التخلي عنه عمدًا، ونأى الجميع بنفسه عن الدفاع عنه أو إدانة ما يتعرض له ولو ببيان شجب فقط.
تهديدات ميرال أكشنار
صمت أحزاب الطاولة الستة لم يكن في حقيقته تلبية لرغبة زعماء الأحزاب المتحالفة، بل جاء رضوخًا لتهديدات ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد، التي أعلنت أن حزبها سيخرج من التحالف في حال انضمام حزب الشعوب الديمقراطي إليه، الأمر الذي وضعهم في موقف صعب، فهم من ناحية يريدون الكتلة التصويتية التي يمتلكها الحزب، ومن ناحية أخرى لا يرغبون في دخول دائرة التخوين والعمل ضد مصلحة الأمن القومي للبلاد.
فرئيس حزب الشعب الديمقراطي كمال كيليشدار أوغلو كان قد بذل جهودا جبارة من أجل التوصل إلى تكوين علاقات صداقة متينة مع حزب الشعوب الديمقراطي، مبنية على المصالح المشتركة لكل منهما، وهي العلاقة التي أثمرت فوز مرشحيه في الانتخابات البلدية عام 2019 برئاسة بلديتي أنقرة وإسطنبول، ولولا هذا التعاون لم يكن بمقدور حزب الشعب الجمهوري ومرشحيه تحقيق هذه الانتصارات التي جاءت مفاجئة للشارع التركي.
لماذا رفض الشعوب الديمقراطي سرية علاقته بالمعارضة؟
ولنفس الهدف كان كيليشدار أوغلو ولا يزال يسعى لضمان أصوات الناخبين من ذوي الأصول الكردية، حتى إنه ألمح في أكثر من تصريح له إلى استعداده عند وصول حزبه إلى السلطة لأن يمنح الشعوب الديمقراطي إحدى الحقائب الوزارية مكافأة له على تعاونه ودعمه.
وفي نفس المضمار تأتي مواقف أحزاب المستقبل، والسعادة، والتقدم والديمقراطية، والديمقراطي، التي ترى في التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي مكاسب حقيقية تصب ليس فقط في صالح نتائج الانتخابات المقبلة، بل في السياسة التي يمكن اتباعها لاحقا بعد فوزهم في الانتخابات لحل هذه المسألة التي تؤرق الحكومات التركية المتعاقبة منذ عقود، إلا أن تهديدات أكشنار دفعتهم إلى محاولة تبني التعاون سرًّا مع الشعوب الديمقراطي، وهو ما لم يوافق عليه الحزب الذي يمثل الأكراد، والذي يرغب في أن تكون له نفس مكانة الأحزاب على الساحة السياسية، والوقوف على قدم المساواة معها، وأن يتم تقديره ومنحه المكانة التي يستحقها حتى يمكن التعاون على أسس واضحة المعالم تحقق مصالح الجميع، لا مصلحة طرف على حساب آخر.
يرفض حزب الشعوب الديمقراطي إذن، أن ترتبط علاقاته بأحزاب المعارضة الأخرى على الساحة التركية بالاستحقاقات الانتخابية فقط، وما يمكن أن يحرزه لهم التعاون معه من انتصارات، ويتيح لهم من فرص تمكنهم من الفوز على حزب العدالة والتنمية كما حدث في انتخابات 2019، ويسعى الحزب إلى تأكيد وجوده باعتباره أحد الأحزاب التركية الحقيقية، التي ينبغي الأخذ برأيها فيما تتعرض له البلاد والعباد من مشاكل وقضايا، وأن يكون له رأي مقدر في أطروحات حل المسألة الكردية بصفته الممثل الشرعي لها على الساحة السياسية، وهو ما لم تستطع المعارضة التركية فهمه واستيعابه.
عواقب وخيمة ونتائج مخيبة للآمال في انتظار المعارضة
حالة الضبابية التي تعيشها أحزاب المعارضة التركية المسماة “أحزاب الطاولة الستة” نتيجة عدم التوافق على مرشح محدد لخوض الانتخابات الرئاسية، والخلاف في وجهات النظر حول التقسيم الأنسب والأنجح للدوائر الانتخابية، وتحديد حصص كل حزب وعدد مرشحيه للانتخابات البرلمانية رغم بدء العد التنازلي لدخول تركيا مرحلة الاستعدادات الفعلية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي من الممكن أن تتم في الشهر الرابع أو الخامس من العام الجاري، وذلك قبل موعدها المحدد بفترة وجيزة، إلى جانب خسارتهم التي أصبحت مؤكدة لدعم الكتلة التصويتية للأكراد، كلها عوامل تنذر بعواقب وخيمة، ونتائج قد تكون مخيبة لآمالهم إذا ما أُجريت الانتخابات.