أفغانستان كما رأيت 4/1 “شروط تعليم البنات”
قرار إيقاف تعليم البنات مؤقتا في أفغانستان، كان من الأسباب التي عجلت بسفر أول وفد من علماء المسلمين يمثل عدة روابط وهيئات علمائية من دول عربية مختلفة، منها الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، ورابطة علماء المسلمين، وهيئة علماء فلسطين، ورابطة علماء المغرب العربي، ودار الإفتاء الليبية. ولقي الوفد حفاوة بالغة واهتماما كبيرا من كل مؤسسات الإمارة الإسلامية في أفغانستان، تَمثّل في لقاء نواب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادر، والمولوي عبد السلام حنفي الذي استقبلنا في أحد القصور الأثرية القديمة التي فيها فخامة المُلك وعبق التاريخ، كذلك التقينا عشرة وزراء في مقدمتهم وزير الخارجية أمير خان متقي، ووزير الداخلية سراج الدين حقاني، وكانت قضية تعليم البنات محورا أساسيا في كل هذه اللقاءات، ولمسنا حرص الوزراء على شرحها، وبيان وجهة نظرهم فيها، ولعل كلام وزراء التعليم يلخص المشهد ويختصر كلام باقي المسؤولين.
أسباب قرار الايقاف
والبداية كانت مع المولوي حبيب الله أغا وزير التعليم أو المعارف، وهي مرحلة ما قبل الجامعة، حيث قال “إن نظام الإمارة الإسلامية يقدّم الأعلم في اختياراته، ولا يمكن لنظام يقوده العلماء أن يمنع التعليم، ولا فرق عندنا في هذا الحق بين الذكر والأنثى، وإن القرار المؤقت اقتضته ظروف خاصة”. وعند زيارتنا لوزير التعليم العالي المولوي ندا محمد نديم، وهو المعني تحديدا بالقرار، ذكر لنا هذه الظروف وفصّل المسألة، وكان خارجا للتو من لقاء وفد الأمم المتحدة واليونسكو، حيث استهل حديثه معنا بأننا قد نختلف في حكم تعليم البنات بين الواجب والمستحب، وفي نوع التخصص بين فرض العين وفرض الكفاية، لكن لا يقول أحد بجواز منع البنات من التعليم، وقرار الإيقاف المؤقت جاء لأسباب عدة:
منع الاختلاط الحاصل بين الجنسين، وتنقية المناهج من بصمات الاحتلال السابق، ومن الدخيل الذي فرضه على الثقافة الأفغانية، وتوفير معلمات لتدريس البنات، ومراعاة التوزيع الجغرافي في الجامعات، حتى لا تغترب البنت عن أهلها بدون محرم.
كما أكد الوزير أن قيادة الإمارة الإسلامية شكلت لجنة من عدة وزارت لبحث القضية، ووضع الحلول المناسبة، وفق قوانين الشريعة الإسلامية، وضربت لها أجلا محددا بثلاثة أشهر، وختم حديثه بقوله “إن رأيتم خيرا فأعينونا، وإن رأيتم غير ذلك فانصحونا لنعود إلى الحق”. وأكد غير واحد من المسؤولين أنه لو توافر لهم الدعم المباشر لتعليم البنات من الدول الصديقة، فإنهم يرحبون بذلك وسيسهم في تقصير مدة العلاج. وبعد هذا البيان، اتفقت كلمة الجميع على أن وزير التعليم العالي يُمثّل الصقور في مسألة تعليم البنات، وهو من كبار القادة الميدانيين، وهذا خلاصة ما صرّح به، أما الكلام المنسوب إليه “إننا لن نرجع عن إيقاف تعليم البنات حتى لو ضربونا بالقنابل” فتأكدنا من عدم صحته، وأنه من جنس الفبركات الإعلامية التي تسعى إلى تشويه صورتهم.
وتتمة للصورة العامة لقضية تعليم البنات في أفغانستان، فإن البعد القبلي والعادات الموروثة لها تأثير كبير على نظرة الأفغان إلى تعليم بناتهم، كشأن كل المجتمعات البدوية أو الريفية، قبل أن تغزوها موجة الحداثة، ومنهم من لا يرى تعليم الذكور أيضا لحاجته إلى مساعدتهم، كما أن الفقر الذي خلفته عقود الحرب الأربعة، جعلت التعليم من الرفاهية عند من لا يجد قوت يومه.
لم يغيّروا حرفا
استمرت زيارتنا لأفغانستان أسبوعا كاملا، عقدنا في آخر أيامه مؤتمرا صحفيا مشتركا، حضره المراسلون ووسائل الإعلام كافة، وتلوت عليهم البيان الذي فيه ملخص الزيارة، وكنا قد تشاورنا بشأنه مع قادة الإمارة، فلم يغيّروا أو يضيفوا حرفا واحدا، وسأضعه مختصرا بين أيديكم:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، وبعد:
فقد قام وفد من علماء المسلمين بزيارة للإمارة الإسلامية بأفغانستان، في الفترة من 12/6/1444 إلى 18/6/1444
ونجمل خلاصتها في الآتي:
أولا: أكد العلماء أن انتصار أهل أفغانستان يمثل انتصارا للمسلمين جميعا، وأن المجاهدين الأفغان جددوا الأمل في قلوب المؤمنين، وضربوا أروع الأمثلة في الفداء والتضحية، والبسالة والصبر، ثم حققوا نصرا ثانيا بتساميهم على الجراح، وإعلان العفو العام بغية أن يجنبوا البلاد والعباد مخاطر الحرب الأهلية، فأحيوا بهذا سُنة نبوية، أطلقها رسول الله ﷺ بقوله لأهل مكة: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
ثانيا: هذا الفتح الذي تحقق لا بد من المحافظة عليه بوحدة الصف، وتوحيد الكلمة والثبات على الحق، والحذر من مكايد الأعداء، مع السعي الدؤوب لتحقيق العيش الكريم لشعب أفغانستان بمختلف فئاته وطوائفه.
ثالثا: أكد قادة الإمارة وعلماؤها حرصهم على التواصل مع علماء الأمة، واستقبال وفودهم، وأنهم بالناصحين مرحبون، وأنهم يرجون من علماء الأمة تأييدهم في الحق ومناصحتهم في ما يرونه مخالفا له.
رابعا: أكد قادة الإمارة التزامهم بتعليم كافة فئات المجتمع الأفغاني ذكورا وإناثا، إذ لا يُتصور من دولة يقودها العلماء أن تمنع التعليم، لكن ثمة إشكالات لوجستية ينبغي وضع حلول لها، من أجل أن يكون الوضع موافقا للأحكام الشرعية، وقد شكلوا لجنة لإنجاز ذلك.
خامسا: مما نشكر الله عليه ما رأيناه من أمن وأمان واستقرار، حيث صارت للبلاد حكومة مركزية واحدة لأول مرة منذ ثلاث وأربعين سنة، وكذلك ما قامت به الإمارة من منع زراعة المخدرات والاتجار فيها، والاجتهاد في محاربة التنظيمات الغالية وعلى رأسها (داعش).
سادسا: تتعرض الإمارة الإسلامية لحصار خانق من دول العالم؛ بعدما استولت أمريكا على تسعة مليارات من الدولارات من أموال هذه البلاد، وفي الوقت الذي خلّفت فيه الحرب الظالمة التي استمرت أربعين سنة نصف مليون يتيم، وثمانين ألفا من الأرامل، ومئة وخمسة وخمسين ألفا من المعوقين، أما المهاجرون فيبلغ عددهم نحو عشرة ملايين، وثلاثة ملايين مدمن.
سابعا: ندعو الدول الإسلامية للتواصل مع الإمارة والاعتراف بنظمها، وبسط اليد لها؛ تعاونا على البر والتقوى.
ثامنا: كما ندعو أهل السعة من المسلمين إلى إغاثة إخوانهم في الإمارة، وألا يتركوهم فريسة للمنظمات الأجنبية التي تستهدف دينهم وتساومهم على معتقدهم، وندعو رجال الأعمال للمجيء إلى هذه البلاد والاستثمار فيها، كما ندعو الخبراء في المجالات كافة إلى زيارة هذه البلاد لمساعدتهم في النهوض بها، وإنجاح تجربتهم في إقامة حكم راشد ونموذج صالح.