بعد رفضه الزواج والإنجاب.. شباب الصين: نحن الجيل الأخير!
أحدث إعلان الصين، الثلاثاء الماضي، انخفاض معدلات نمو السكان إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، ضجة عالمية ومحلية غير مسبوقة. نقص عدد السكان في دولة تمثل خمس تعداد العالم، أطلق إنذار أزمة ديموغرافية. بلغ عدد السكان وفقا للمكتب الوطني للإحصاء مليارا و411 مليون و800 ألف نسمة.
أثار التراجع، بارتفاع عدد الوفيات عن المواليد بنحو 560 ألف نسمة، مخاوف لدى الرئيس شي جين بينغ الذي يسعى منذ عام 2015 إلى إيقاف نظام فرضه الحزب الشيوعي بقسوة، عبر الإجهاض والتعقيم القسري، وسجن وحرمان المخالفين من الوظائف، بمنع سياسة الطفل الواحد عام 2016. سمح “شي” بولادة ثلاثة أطفال لكل أسرة، ومنحت مقاطعات 10 آلاف يوان مكافأة للمواليد، وإجازات ولادة للأب وزيادتها للأم، لتشجيع الأسر على الانجاب.
سنوات القمع
أيقن النظام بعد 40 عاما من القمع، أنه يتجه بدولته إلى الشيخوخة المبكرة، والتفرقة النوعية القائمة على تفضيل الأسر لولادة الذكر بما يقوض صعودها إلى قمة العالم، مع فقدان دورها بوصفها مصنعا للإنتاج الرخيص، مع انكماش عدد البالغين في سن العمل، وانقراض الفئة العمرية التي يجندون العمال منها، وأفراد جيش التحرير البالغ تعداده مليوني شخص.
قدّرت الأمم المتحدة منع بيجين ولادة 400 مليون طفل بالتعقيم القسري، وتوقعت وصول تعداد سكان الصين عام 2050 إلى مليار و411 مليون نسمة، وتصاعد تعداد الهند إلى التعادل عند تلك النقطة. مع بلوغ سكان العالم 8 مليارات نسمة في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أظهرت الأرقام أن الهند ستكون الأولى، خلال أسابيع من العام الحالي، ليتراجع سكان الصين من 1.426 مليار عام 2025 إلى 1.313 مليار، في حين ستصعد غريمتها الهند من 1.412 إلى 1.668 مليار، وسيزيد تعداد سكان الولايات المتحدة نحو 40 مليونا، وفقا لتوقعات الأمم المتحدة.
ضحايا المجاعات
تناقص الصينيين لم يأت مصادفة، إذ تُبيّن الإحصاءات الرسمية أن تعداد السكان انخفض بالسالب نحو 6.7 ملايين نسمة عام 1960، عندما توفي نحو 30 مليون شخص بسبب المجاعات التي انتشرت مع تطبيق سياسات ماو تسي دونغ الكارثية في الصناعة والزراعة، أعقبها زيادة تعداد السكان بنحو 23.2 مليون نسمة عام 1970، وعاد التراجع عام 1980 تدريجيا بسبب سياسة الطفل الواحد. لم يستطع “شي” أن يوقف التناقص الشديد، الذي زاد سنويا في عهده، حتى بلغ ذروته عام 2022.
ظل اهتمام “شي” بمعالجة الظاهرة محصورا في إطار تشجيع الشباب على الزواج، ليقينه أن الأمر في النهاية يعكس عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، في مستقبل يعد به الناس “أن يعيشوا في رخاء الاشتراكية”. يخشى “شي” أن يؤدي تباطؤ النمو والتراجع الاقتصادي المتصاعد منذ سنوات، وظهر جليا العام الحالي، إلى هروب الاستثمارات من الداخل إلى منافسيه الجدد، مثل الهند وفيتنام وإندونيسيا وماليزيا التي ستتزايد بها قوة العمل، ويعدّها اقتصاديون محركات النمو بآسيا في المستقبل.
احتجاج الشباب
وجهت نظرة النظام المادية للأزمة إلى دراسة العرض دون أسباب المرض. تُظهر الأرقام وجود 280 مليون نسمة فوق سن الستين، يمثلون 20% من تعداد السكان حاليا، سيرتفعون إلى 30% عام 2035، لتختفي شجرة العائلة خلال جيل، فلن يكون لدى الكثيرين أقرباء، بما ينهي مشروع “شي” لـ”التجديد الوطني للقومية الصينية”، بركود اقتصادي مخيف.
لم يكترث “شي” لما يكتبه الشباب على موقع Weibo للدردشة، وبخاصة جيل الألفية الجديدة (Gen Z) عن عزوفه عن الزواج، لشعوره باليأس “لعدم وجود مستقبل مرغوب فيه قد يجلبون إليه ذرية” مع ارتفاع تكلفة المعيشة، خاصة في المدن التي يعيش بها 62% من السكان، وزيادة معدلات البطالة إلى 16.7% بين الفئة الداخلة إلى سوق العمل من 16 إلى 24 عاما. أطلق الشباب على أنفسهم أنهم “الجيل الأخير”، عقب إعلان إحصاءات السكان، الأسبوع الماضي، لأن تعدادهم سيتقلص إلى الثلث مع نهاية القرن مقابل المُسنين.
أظهر مسح أجرته وزارة الشؤون المدنية، ونشرته جريدة Jing Daily الشهر الماضي، أن عدد المتقدمين للزواج بلغ 5 ملايين و445 ألفا خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2022، لينخفض إلى أدنى مستوى بنسبة 7.49% عن أقل معدلات للزواج منذ بدء سجلات التوثيق الرسمي عام 1986. تقدّم للطلاق مليون و643 ألفا، بزيادة 3.72% عن الفترة المماثلة، وباتجاه مستمر للعام الثامن على التوالي، رغم ارتفاع أعمار المتزوجين، وزيادة أعداد العزاب، وصعوبة اللقاءات الحميمية لملايين الأزواج المغتربين خلال فترة وباء كورونا التي استمرت 3 أعوام.
أصوات المثلية والعزاب
شعرنا بمأساة “الجيل الأخير” خلال اجتماع منذ أعوام، على عشاء عمل بأحد مطاعم بيجين، بفتيات حصلن على قدر عال من التعليم والثراء الوظيفي والمادي، دفعت إحداهن إلى البوح لزميلة إيطالية برفقتنا، بأنها تشعر بالتعاسة لعدم قدرتها على الإقدام على الزواج، مع بحثها الدائم عن المتعة حتى ملت! تنحيت عن الحوار النسوي المفاجئ، فإذا بهما يناقشان أمرا لم أستوعبه في حينه، إذ علمت أن هناك نسبة عالية من الشباب تغيرت مواقفهم، ليس للتخلي عن فكرة الإنجاب أو تجاه ممارسة الجنس قبل الزواج بالمخالفة لعادات مجتمع تقليدي محافظ فحسب، بل يتجه كثيرون إلى المثلية الجنسية.
أظهرت دراسة استقصائية وطنية استمرت 3 سنوات، نشرها “نخبة من علماء السكان والاجتماع من أفضل الجامعات بالبلاد” في أغسطس/آب 2022، حسب ما ذكر موقع SIXTONE.COM، “قبولا متزايدا للمثلية الجنسية والجنس قبل الزواج لدى الأصغر سنا، رغم كونها موضوعات محظورة بين العديد من الصينيين”. وفقا للتقرير، فإن “جيل الألفية الجديدة Z منخفض الخصوبة، يمارس الجنس أقل من جيلهم السابق، وأن الشباب في عمومهم أقل اهتماما بالجنس مقارنة بوالديهم، وتزداد نسبتهم في الحاصلين على التعليم العالي عمن حصلوا على تعليم أقل”.
تُبيّن الدراسة أن الانتشار المتزايد للألعاب عبر الإنترنت وتربية الحيوانات الأليفة، بغرض تلبية الاحتياجات النفسية بدلا من الإنجاب، ومصادر الترفيه الأخرى، ودفعهم إلى الإنجاب قسرا وسط ضغوط العمل المكثفة، ربما أثرت على الرغبات الجنسية لدى “الجيل الأخير”.