مساعي تركيا لحل الأزمة السورية
من الواضح أن المباحثات بين أنقرة ودمشق في موسكو كان لها تأثير مفاجئ على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك بسبب طول أمد الأزمة التي يعانيها الشعب السوري الشقيق على مدار 12 عاما حتى الآن.
الحروب والأزمات أحداث استثنائية في حياة البشر، أو كذلك يجب أن تكون، لكن عندما يطول أمد الحرب، وتزداد الأزمة تعقدا، عندها تصير مشاهد الدمار طبيعية، وتتحول أعداد القتلى والنازحين -للأسف- مجرد أرقام، يعتاد الناس سماعها في نشرات الأخبار!
في هذه الحالة تصبح الحياة هي الأسوأ للبشر، لأن الدمار والعنف والشر وانتهاكات حقوق الإنسان، كل هذا بات شيئا اعتياديا، بالنسبة للقاتل وللمقتول، ولمن يتابع عملية القتل عبر الشاشات، وعلى صفحات الإنترنت.
وبينما يردد العالم بأسره إدانة الانتهاكات، بات يفقد الآن الحس الإنساني تجاه مشاهد الدمار التي باتت شيئا اعتياديا، فتتحول عمليات الشجب والإدانة وإطلاق التحذيرات إلى مجرد عبارات جوفاء لا تغيّر شيئا من الواقع الذي يعانيه الضحايا والمكلومون.
مأساة متواصلة
وقد باتت الأزمة السورية واحدة من المآسي الإنسانية التي طال على البشرية أمدها، ولم تجد تحركا جادا لوقف هذا النزيف في الدماء، وإيقاف عمليات التهجير والتشريد، وإعادة السوريين إلى أوطانهم سالمين آمنين.
فلا تزال مأساة الشعب السوري متواصلة منذ 12 عاما لم يتغير شيء، فالنظام السوري يفعل ما يحلو له، بل ويلقى دعما إقليميا ودوليا، ولا يزال الشعب يعاني في داخل سوريا وخارجها.
وتُعَد المحادثات بين تركيا وسوريا مفاجئةً لأنها تُعطّل هذا الروتين الذي طال أمده بشكل كبير وأعمى الضمير الإنساني، هذه المحادثات تقول إن ثمة شيئا يلوح في الأفق، يحمل بادرة أمل حقيقي لحل هذه الأزمة.
وكان لهذه المباحثات وقع مفاجئ ما زال صداه يتردد بشكل كبير بين الكثيرين، لأن الجميع يدرك ثقل الدولة التركية ليس في هذا الملف فقط، بل في ملفات أخرى كثيرة ومعقدة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، وما أزمة الحرب الروسية الأوكرانية منا ببعيد، بل لا تزال مشتعلة والجميع يرى ويراقب الدور التركي في محاولة حل كثير من الملفات المعقدة والمستعصية في هذه الحرب الدائرة.
إذَن، الجميع يتحسب للدور التركي في السعي لحل الأزمة السورية، ليس لثقل تركيا السياسي والعسكري والشعبي في المنطقة، بل لعلم الجميع أن أنقرة إذا دخلت في إدارة أزمة فإنها تسعى بكل جد ودأب في العمل على تفكيكها وحلها بطرق تحفظ لكل ذي حق حقه.
مصلحة الشعب السوري
السوريون عانوا من هذه الأحداث، وما زالوا يعانون منها مباشرة، أو من خلال معاناة أقربائهم وأصدقائهم، فالنظام السوري لا يزال يعتقل الناس من منازلهم، ويلقي بهم في السجون ويلقون أشد أنواع التعذيب، غير عمليات القتل والتهجير، وهؤلاء المعتقلون والمهجرون والضحايا لا يجدون من يسأل عنهم أو يتكلم عن قضيتهم، فإذا ما أُبرِم أي اتفاق بين تركيا والنظام السوري، فهل يعتقد أحد أن السوريين سيظلون في هذه المعاناة نفسها؟!
بلا شك، فإن أي اتفاق تعقده أنقرة مع دمشق سيكون هدفه مصلحة الشعب السوري وتخفيف معاناته. ومنذ اللحظة التي سمعت فيها خبر هذا التقارب بين تركيا والنظام السوري، وأنا استمع لمشكلات ومطالب كثير من أشقائنا السوريين ممن أعرفهم، وأرى أن الغالبية العظمى منهم تعرب عن ثقتها بتركيا، وبأي مباحثات تدخلها من أجل الشعب السوري.
وبحماس وثقة كبيرين، رحّب العديد من السوريين الذين قابلتهم بهذه المبادرة التي بدأتها تركيا في هذه المرحلة من الأزمة الطويلة.
وقد شاركت في لقاءات واجتماعات مع عدد من الأشقاء السوريين في مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط، برئاسة الأستاذ الدكتور أحمد أويصال، وكانت اجتماعات مثمرة، حيث التقينا مجموعة من السياسيين والصحفيين وممثلي المجتمع المدني من المعارضة السورية، وتحدثنا بالتفصيل، واستمعت لآرائهم، وتخوفاتهم، وما يتطلعون إليه.
ومع أن هناك حالة من التخوف -المفهوم والمقدَّر- من قِبل المعارضة السورية نتيجة هذا النوع من التقارب بين أنقرة ودمشق، فإنه كان هناك انطباع عام يحمل قدرا كبيرا من الأمل والثقة في الدولة التركية بقيادة الرئيس أردوغان.
وكلنا جميعا لدينا أمل في أن يسفر هذا التقارب عن خطوات عملية وإيجابية تنعكس مباشرة على الشعب السوري الشقيق، بما يحفظ أمنه، ويعيد إليه قدرا من الاستقرار، فالقيادة التركية لم تتخل عن الأشقاء السوريين في أصعب الأوقات، ولن تتخلى عنهم في قابل الأيام.