شفيقة ومتولي.. قناة السويس وعبيد السخرة ودماء شفيقة

حفر قناة السويس

كان على أحمد الطرابيشي الباشا المتورط في الاتجار بالعبيد مع يسري أفندينا أحد رجال والي مصر سعيد باشا بن محمد علي أثناء حفر قناة السويس أن يجد ضحية يقدمه للجنة الدولية التي شكلتها إنجلترا للتحقيق في واقعة موت 50 ألفا من المصريين -كانوا في طريقهم للبيع في سوق العبيد- في الصحراء بسبب العطش.

لم يجد الباشا سوى أحد خدمه المطيعين ليقدمه للمجتمع الدولي على أنه الجاني الذي تاجر بالعبيد المصريين وتسبب في موتهم، وعلى الطرف الآخر كانت شفيقة التي تعرف عنهم الكثير من المعلومات وفضحتهم في وسط العوام من الذين يتاجرون بأجساد المصريين.

وعرفنا سيد الرجالة .. عرفنا عين الأعيان

من بره شهامة وأصالة .. تشوفه تقول أعظم إنسان

إنما من جوه يا عيني عليه .. بياع ويبيع حتى والديه

واهو اللي اتعلمنا على أيديه .. القهر وقوة غليانه.

لذا كان على أحمد الطرابيشي وأفندينا أن يتخلصا من شفيقة التي تعرف أسرارهم، والتي سقطت في البغاء بعد تجنيد متولي شقيقها وحاميها ليكون أحد الذين يحفرون في قناة السويس، حين جُنّد آلاف من المصريين لحفرها.

ثم يعود متولي من التجنيد بعد أن عرف حقيقة شقيقته ليقتلها ثمنا لسقوطها، ولكن سبقه تجار العبيد والشرف، لتسقط فتلوث دماؤها الثوب الأبيض وغطاء رأسها الأسود، بعد عودتها إلى قريتها، وجلوسها في منزلها تنتظر مصيرها على يد متولي، الذي يحملها بين ذراعيه جثة لا يدري من قتلتها ولماذا؟

كانت تلك نهاية فيلم شفيقة ومتولي الذي أنتجته الشركة العالمية للسينما 1978 يوسف شاهين، عن قصة للكاتب شوقي عبد الحكيم أحد كبار كتاب السيرة الشعبية، وسيناريو وحوار صلاح جاهين، وإخراج علي بدرخان، أما أبطال العمل فكانوا سعاد حسني وأحمد زكي في أول بطولة سينمائية له وأحمد مظهر وجميل راتب ومحمود عبد العزيز.

الخطوط المتوازية للفيلم

استطاع صلاح جاهين أن يأخذ القصة الشعبية الأسطورية إلى منحى آخر، حيث اضاف أبعادًا سياسية إلى القصة الأصلية من خلال الموزاة بين الخط الرئيسي في الحكاية الشعبية وحفر قناة السويس، والصراع بين إنجلترا وفرنسا على مصر، إنجلترا تريد وضع قدم لها في أرض مصر في حين تحفر فرنسا القناة لتقيم لها دولة داخل الدولة المصرية بسخرة المصريين واستعبادهم في القناة.

خط متواز بين تجنيد متولي رجل شفيقة وحاميها وذهابه إلى حفر القناة، وسقوط شفيقة في البغاء، فهذا العمدة رجل القرية يأخذ متولي مع رجال القرية، في حين يدور ولده دياب حول شفيقة ليوقعها في فخ الدعارة، وبمساعدة إحدى نساء الغجر تسقط، وفي مشهد غواية شفيقة بالمال والذهب بعد أن تضورت جوعا هي وجدّها العجوز.

لا ينسي جاهين أن يقدم لنا المولد الشعبي في رواية غنائية موازية لعرضه الغنائي الليلة الكبيرة.

تنتقل شفيقة من دياب المدلل من أبيه بعد أن اكتشفت خداعه إلى عالم السقوط على يد الغجرية التي تدير بيوت البغاء، وفي كل لحظة سقوط لشفيقة كانت ترى نفسها غارقة في الدماء على يد شقيقها، وتصل شفيقة إلى أحمد الطرابيشي الباشا الذي يخدم القصر والإنجليز والفرنسيين في حفر القناة، فهو يتاجر بكل شيء حتى البشر كما يقول خادمه المطيع.

في حفر القناة

الباش متولي جرجاوي وقف ديدبان .. على خلق تحفر وخلق تعبي بالغلاقان

ألوفات وألوفات كمثل النمل شغالة .. بيشقوا بحر القنال والشمس قيالة

بيشقوا بحر القنال والشمس تلفحهم .. ما يرتاحوش إلا لما الموت يريحهم

أو النفر من العطش يحصل في عقله جنان..

على أبيات الشعر الشعبي تتم رواية حكاية حفر القناة، ويرقَّى متولي الذي يتسم بالشجاعة وكفاءة التنشين للمراقبة على من يحفرون القناة، الذي يئنون من الجوع، والعطش، والموت في صحراء لا ترحم أحدا، ويصرخ أحدهم عطشا فلا يجد إلا رصاصة في صدره، ويقوم متولي بقتل الشاويش الذي قتل المصري.

الشاب داخ من التعب ..الشاب ما هربش

سحب الأفندي الطبنجة .. وطخ في المليان

مات الجدع واستريح .. بس كان عطشان

بينما تسير الأوضاع هكذا يأتي وباء الكوليرا ليحصد الآلاف من المصريين الذين يحفرون القناة، وفي لعبة من الباشوات يأخذون غيرهم من المصريين ولكن بدلا من ذهابهم إلى القناة ليلاقوا الموت سخرة وعطشا، يذهبون بهم إلى تجارة العبيد ليموتوا في الصحراء.

لا يجد أحمد الطرابيشي ما يقدمه هدية لأفندينا يسري سوى شفيقة ليمرر معه تقديم ضحية للجنة التي تحقق في موت المصريين من ضحايا تجارة العبيد، حتى تصمت إنجلترا عن المطالبة بمحاكمة المتورطين.

ثنائيات شفيقة ومتولى

فيلم شفيقة ومتولي واحد من عشرة أفلام قدمها المخرج الكبير علي بدرخان للسينما المصرية وهو عدد قليل جدا بالنسبة لمخرج في موهبة بدرخان الذي قدم أول أفلامه الحب اللي كان عام 1973، أما آخر الأفلام فكان الرغبة في 2002.

منذ هذا التاريخ لم يقدم بدرخان أي إنتاج آخر، إذ توقف منذ عشرين عاما لتخسر السينما المصرية واحدا من أفضل مخرجيها، ستة أفلام من إخراج علي بدرخان كانت بطولة سعاد حسني بالإضافة إلى فيلمه الأول وشفيقة متولي قدما معا الكرنك، أهل القمة، الراعي والنساء، والجوع.

أحمد زكي وسعاد حسني هما الثنائي الثاني في فيلم شفيقة ومتولي فقد قدما معًا ثلاثة أفلام آخرين هما موعد على العشاء، الدرجة الثالثة، والراعي والنساء آخر الأفلام التي قدمتها سعاد حسني للسينما، بالإضافة إلى المسلسل التلفزيوني الوحيد لها هو وهي الذي قدم حكايات منفصلة عن علاقة الرجل والمرآة، وهو سيناريو وحوار صلاح جاهين.

صلاح جاهين وسعاد حسني هما ثالث ثنائي في فيلم شفيقة ومتولي، فقد قدما معًا أفلاما حققت نجاحا كبيرا في السينما، وكان صلاح جاهين من أقرب أصدقاء سعاد حسني، وأيضا أحمد زكي الذي تبناه جاهين منذ بداياته، قدم الثنائي جاهين وحسني أفلام خلي بالك من زوزو، المتوحشة، أميرة حبي أنا، بالإضافة إلى مسلسل هو وهي، والعشرات من الأغاني الدرامية، بل إن سعاد حسني قدمت العديد من قصائد جاهين بصوتها، والعديد من رباعياته.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان