ممدوح عبد العليم.. فنان صنعته السياسة تلفزيونيا وهزمته في السينما

كان علي البدري هو بطل المسلسل التليفزيوني الشهير ليالي الحلمية الذي ظهر في الجزء الثاني من الليالي، واستمر حتى نهاية العمل التليفزيوني الذي كتبه أسامة أنور عكاشة، وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ في ستة مواسم تليفزيونية في رصد لأحوال مصر الاجتماعية والسياسية منذ بداية الأربعينيات وحتى منتصف التسعينيات.
علي البدري هو مواليد منتصف الأربعينيات من زواج أحد رجال الصناعة سليم البدري من فتاة من أسرة متوسطة من أسر حي الحلمية التي تدور أحداث المسلسل من خلاله، فيشب علي البدري مع أحداث كبرى شهدتها مصر في أعوام ثورة 23 يوليو، ليصل لمرحلة الشباب مع انكسار الثورة في هزيمة يونيو 1967.
الأحلام الكبرى والانكسار
مع انكسار الأحلام الكبرى وبداية عصر الانفتاح الاقتصادي يدخل علي البدري السجن، يخرج من السجن إنسانًا آخر، يموت فيه الرومانسي والثوري ويتحول إلى شخص مختلف تمامًا، يتماشى مع السوق ويتغير بتغير الأوضاع السياسية والاقتصادية، يتحول إلى أخطبوط اقتصادي بلا معايير ولا مبادئ.
علي البدري هو تعبير عن توهة جيل كامل هزمته الأحلام الكبرى وانكساراتها، وقد كان هذا الدور هو قمة أداء الفنان المصري ممدوح عبد العليم، الذي أفسح لنفسه مقعدًا ضمن كبار الممثلين في مصر وخاصة في الدراما التليفزيونية التي أبدع فيها على مدار مشوار طويل بدأه طفلًا صغيرًا في الرابعة عشرة في عمل تليفزيوني اشتهر كثيرًا في عام 1970 هو القاهرة والناس.
استمرت رحلته حتى آخر أعماله التلفزيونية مسلسل السيدة الأولى، وهو المسلسل الذي تناول الانتخابات الرئاسية الأولى والأخيرة التي شهدها التاريخ المصري التي تمتعت بمساحة كبيرة من الديمقراطية التي جرت بعد ثورة يناير، قدم ممدوح عبد العليم دور مرشح رئاسي في الانتخابات ويفوز فيها، ويواجه الدولة العميقة التي تتآمر عليه ويتعرض لمحاولة اغتيال، وهذا المسلسل الذي كان آخر أعمال عبد العليم، فلم يقدم بعدها عملًا تلفزيونيًا ولا سينمائيًا، وتوفي بعده بعامين عن عمر يقارب الستين عامًا.
السياسة أغلقت السينما أمامه
قدم ممدوح عبد العليم عددًا كبيرًا من الأعمال السينمائية خاصة في بداياته، وفي سنوات شبابه الأولى كان يقدم عددًا كبيرًا من الأعمال في الموسم الواحد، حتى أنه في عام 1987 قدم سبعة أعمال منها ستة أعمال سينمائية، الغريب أنه ورغم هذا التاريخ إلا إن عبد العليم في آخر ستة عشر عامًا من عمره لم يقدم أي أعمال سينمائية رغم أنها سنوات نضجه الحقيقي.
كان هذا العام هو البداية لظهور نجم عبد العليم السينمائي بعد مشاركته في واحد من أفضل أفلام السينما المصرية فيلم البريء لوحيد حامد وعاطف الطيب، والفيلم يناقش قضية السجناء السياسيين والتعذيب في السجون، وفي عام 1989 قدم ممدوح عبد العليم فيلم كتيبة الإعدام الذي تناول قضية الاختراق الصهيوني لمصر منذ عهد الانفتاح الاقتصادي وتوغلهم داخل المؤسسات من تأليف أسامة أنور عكاشة الذي كان ممدوح بطلًا لعدد من أعماله التليفزيونية منها الحب وأشياء أخرى أول بطولة تليفزيونية له، والمصراوية إنتاج 2009، وكتيبة الإعدام من إخراج عاطف الطيب لتكتمل ثلاثيته مع عبد العليم بعد فيلم البدرون.
كان لعبد العليم نصيب كبير مع كبار كتاب الدراما التليفزيونية والسينمائية مثل وحيد حامد، أسامة أنور عكاشة، يسري الجندي، عبد الحي أديب، محمد صفاء عامر، محمد جلال عبد القوي، ومجدي صابر.
فل الفل فيلم النهاية
لعل من العجيب أن ممدوح عبد العليم رغم حضوره السينمائي الكبير في بداياته وعمله في عدد كبير منها، إلا أنه كلما ازداد نضجه قلّت أعماله، وبالرجوع لآخر هذه الأعمال نجد أنه قدم في عام 1996 فيلم رومانتيكا من تأليف وإخراج زكي فطين عبد الوهاب وهو فيلم من الأفلام التجريبية، أما فيلمه الأخير الذي قدمه عام 2000 فكان فيلم فل الفل من تأليف وإخراج مدحت السباعي.
الفيلم يحكي عن سياسي مصري خريج كلية السياسة والاقتصاد ويدرس بالجامعة، يكتب في الصحافة، يدخل السجن بسبب مقالاته الصحفية، يتعرض للتعذيب، يخرج من السجن شخصًا آخر مثل علي البدري تمامًا، ولكن هذه المرة ينزوي داخل ذاته.
يعيش الأستاذ الجامعي في مقبرة والده، يعمل في أعمال بسيطة، لاعب في سيرك، عامل نظافة، وهكذا يعيش داخل “الحيط” كما يقولون، لقد حوله التعذيب إلى إنسان لا يبالي بالحياة ويعيش على الهامش، ولا نكتشف تلك الحقائق عنه إلا في نهاية الفيلم.
يبدو أن هذا الفيلم الذي كان نهاية تجارب سينمائية متميزة لعبد العليم مثل سوبر ماركت، سمع هس، البريء، كتيبة الإعدام، بطل من ورق، كتب نهاية علاقته مع السينما التي بدأها ممثلًا يقدم أكثر من أربعة أعمال سنويًا، ومن هذه الأفلام أنتج عبد العليم فيلمًا واحدًا ألا وهو فيلم سمع هس مع المخرج شريف عرفة، وهو الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة وأفتتح به مهرجان القاهرة السينمائي عام 1990، وقد أدى فيه عبد العليم بعض الأغاني بصوته، وتكرر هذا في فيلمه الأخير فل الفل، ويعتقد الكثيرون أن موضوع الفيلم السياسي كان السبب في نهاية علاقة عبد العليم بالسينما.
أعمال تلفزيونية متميزة
شهد عام 1987 البداية الحقيقية لممدوح عبد العليم نجمًا في عالم الدراما التليفزيونية والرمضانية، فقدم في هذا العام مع المخرجة إنعام محمد علي مسلسل الحب وأشياء أخرى، وبعدها بعامين قدم شخصية علي البدري في ليالي الحلمية، ومنذ ذلك التاريخ صار ممدوح عبد العليم أحد نجوم الدراما الرمضانية.
طوال 20 عامًا حتى قبل رحيله بعامين لم يغب عن الدراما الرمضانية، عوضت الممثل الملتزم عن تجاهل السينما له ومن أعماله المتميزة تلفزيونيًا والتي لا ينساها المشاهد خالتي صفية والدير عن رواية بهاء طاهر وكتابة يسر السيوي وإخراج إسماعيل عبد الحافظ الذي قدم معه أيضًا جمهورية زفتى تأليف يسري الجندي عن استقلال مدينة زفتى في فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر، وكذلك قدم معه الجزء الثاني من مسلسل المصراوية لأسامة أنور عكاشة.
قدم ممدوح عبد العليم مسلسلين عن روايات لنجيب محفوظ هما أهل القمة، وقلب الليل، وهما من الأعمال التي قدمت سينمائيًا من قبل، كما قدم للمسرح أربع مسرحيات، منها إعادة لرواية محفوظ بداية ونهاية التي قدمت أيضًا سينمائيًا، ولخيري شلبي قدم مسلسل الكومي إخراج محمد راضي، ومع يسري الجندي قدم ممدوح عبد العليم من إخراج أحمد صقر واحد من أهم الأعمال التاريخية التليفزيونية وهو مسلسل الطارق، المسلسل يحكي قصة القائد العربي المسلم الذي فتح الأندلس، وهو واحد من أكثر المسلسلات التليفزيونية اتقانًا في الأعمال التاريخية، كما قدم مع عبد السلام أمين قصة ذي النون المصري، وإخراج هاني لاشين.
على مدار 45 عامًا قدم ممدوح عبد العليم للسينما والتليفزيون ما يقارب 70 عملًا استطاع أن يحفر لنفسه اسمًا وتاريخًا في عالم التمثيل، وكان في أعماله كلها مخلصًا لرسالة الفنان منذ أن وضع نفسه على السلم الحقيقي لرسالة الفنان في منتصف الثمانينيات، فلم يجعل من الفن وسيلة للتربح، بل قدّم تجارب متفردة حتى وهو يقدم ما يمكن وصفه بالسينما التجريبية.