لماذا لا تقف ألمانيا على الحياد في حرب غزة؟

المستشار الألماني أولاف شولتس

 

السياسة الألمانية الخارجية كانت ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية والدمار الذي خلفته في أوروبا، هي سياسة إطفاء الحرائق، ولم تنحز ألمانيا إلى طرف على حساب طرف آخر في النزاعات الدولية، بل لعبت أدوارا إيجابية في التوفيق بين أطراف متصارعة، ولها دور في عملية تبادل أسرى ناجحة بين حزب الله وإسرائيل في عامي 2004 و2008، أما اليوم وفي رد الفعل بعد طوفان الأقصى فإن ألمانيا انحازت بشدة إلى إسرائيل دون اللجوء إلى دبلوماسية إطفاء الحرائق التي تنتهجها فما السبب في ذلك؟

تصريحات منحازة

يمكن تفنيد ووضع ذلك في إطار عقدة الذنب التي لاحقت ألمانيا بسبب إرثها النازي المروع، والذي ما زالت تشهد عليه المتاحف ومعسكرات الاعتقال النازي في “داخاو”  أو”اوسشفيتز”، لذلك فإن خطابها السياسي وكل ردود أفعالها فيما يخص إسرائيل يبقي دائما حساسا ومنحازا لها، ولا تريد أن تترك بصمة أو أثر في قرارت تخص أي إنتقاد لإسرائيل خاصة بعد الصدمة التي أحدثتها طوفان الأقصي.

إن الذي حدث لم يشكل صدمة في إسرائيل وحدها بل شكل صدمة في كل أنحاء العالم، ومنها ألمانيا بالطبع.. فجاءت ردودها قوية ومتضامنة مع إسرائيل إلى أبعد الحدود، دون الأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني، فأعلن المستشار الألماني اولاف شولتز على الفور عزم حكومته حظر نشاطات حركة حماس، وكل المجموعات الأخرى من المتعاطفين معها، فيما قالت وزيرة الداخلية نانسي فايزر إنها تعتزم ترحيل من يتورطون بجرائم كراهية.

منع المظاهرات المؤيدة للفلسطينين

تدك إسرائيل غزة بأطنان من القنابل يوميا، يظهر ويلاتها الإعلام العربي في حين لا يتطرق الإعلام الغربي  لها، فهو منحاز بشكل كامل إلى جانب إسرائيل، بينما لا أحد يتحدث عن الحل، والعدالة، والدولتين، والحقوق الفلسطينية، فيما عاد اللغط يدور مرة ثانية حول طرد سكان غزة إلى سيناء.

لم يتم الاكتفاء بذلك الانحياز الأعمى، بل يتم الآن تحريم المظاهرات المناهضة لقصف غزة في دول أوروبا المختلفة، ومنع التلويح بالأعلام الفلسطينية ومصادرتها. ففي فرنسا منعت شرطة باريس مسيرتين للتضامن مع أهل غزة تحت مبرر خطر الإخلال بالنظام العام، بينما كانت في الماضي  تسمح بالمظاهرات المسيئة إلى الرسول محمد تحت مسمى حرية الرأي وضاربة بعرض الحائط مشاعر ملايين المسلمين حول العالم، والآن تمنع كل من يريد أن يتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والمعرض لإبادة جماعية، بل أكثر من ذلك يتعرض المتعاطفون مع حقوق الشعب الفلسطيني إلى التنكيل والمساءلة القانونية،  وفي السياق نفسه أطلقت الداخلية الفرنسية حملة اعتقالات في صفوف المتضامنين مع القضية الفلسطينية، وبلغ عدد المعتقلين 20 شخصا منذ بداية الأحداث الأخيرة. وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إنه أمر بترحيل ثلاثة أجانب كانوا ضمن المعتقلين.

حظر الترويج لحماس في ألمانيا

وتسير ألمانيا على نفس الخط الآن، فهناك اتجاه يتبناه سياسيون في الحكومة.. يريدون من خلاله  ترحيل كل من يتورط بمساندة حركة حماس، أو يقوم بالترويج لها، وبينما خرجت مظاهرات يوم العملية تؤيد المقاومة الفلسطينية، صرح المستشار الألماني بأن ألمانيا لا تقبل أن يتم الاحتفال بالهجمات الشنيعة ضد إسرائيل في شوارعنا، وأعلن فرض الحظر على أنشطة حماس في ألمانيا، وقال إن كل من يثبت أنه يدعم حماس أو أي منظمات إرهابية سيكون بمثابة من ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون!

ويعني الحظر عدم السماح بعقد أي تجمعات أو أنشطة أو جمع تبرعات، ووفق وزيرة الداخلية نانسي فايزر فإن دراسة إمكانية طرد مقيمين يشتبه بقيامهم بأنشطة إعلامية تدعم الفصائل المسلحة الإسلامية يبقي أمرا واردا.

وتشير التقديرات في ألمانيا إلى أن هناك حوالي 450 شخصا من المؤيدين لحركة حماس، منهم مواطنون ألمان، وليس للحركة أي فرع أو ممثل أو أي مكتب تمثيل، أما المتعاطفون مع حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة وطن له فهم بالآلاف، ولا يمكن تقدير عددهم بدقة، وهم في الغالب ليس لهم أي نشاط يذكر، ومعروف أنه في سنة 2020 تم حظر حزب الله في ألمانيا من قبل وزير الداخلية الألمانية أنذالك.

مراقبة المراكز الإسلامية

تشتبه ألمانيا في وقوف المراكز الإسلامية التي تتلقى دعما من دول معينة كإيران وراء المظاهرات ودعمها، لهذا تضع المراكز الإسلامية تحت المراقبة، وفي سنة 2022 طردت السلطات الألمانية نائب رئيس المركز الإسلامي في هامبورغ واتهمته بتلقي الدعم من إيران.

بغض النظر عن الانحياز الأوروبي والأمريكي الشديد، إلا أن قراءة المشهد تقول: إن الصدمة التي أحدثها طوفان الأقصي قد حركت كثيرا جدا من المياه الراكدة في بحر القضية الفلسطيينية، وإن كل الدمار الخارج عن نطاق العقل في قصف غزة وتحويل حياة السكان الي جحيم، لن يأتي بجديد، إنما الجديد هو أن أمر وحق الفلسطينيين في وطن لهم بدأت بشائره تظهر إلى العلن!

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان