أمريكا شريك حرب أم راعي سلام؟

(1) لماذا يكرهوننا؟
كل من يتابع مذابح المدنيين في غزة، يستطيع أن يؤكد وبقلب مطمئن أن إسرائيل لم تكن لتفعل ما تفعله دون المساعدات الأمريكية العاجلة وحمايتها المباشرة التي تقدمها لدولة الاحتلال والمتمثلة في حاملتي الطائرات اللتين حركتهما إلى شرق المتوسط تحسبًا لتوسيع رقعة الحرب وتحذيرًا لأي طرف يفكر في استغلال الظروف لإلحاق الضرر بإسرائيل، كما تم وضع مئات من الجنود الأمريكيين على أهبة الاستعداد لدعم جيش الاحتلال، أضف إلى ذلك الحشد الدولي الذي تقوم به أمريكا لدعم إسرائيل باستخدام نفوذها وسطوتها ورفضها لمشروع القرار الروسي بوقف إطلاق النار، يتواكب ذلك مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي لإسرائيل ووزير الخارجية للمنطقة، ولقد بدأ زيارته بإسرائيل على اعتبار أنه يهودي في المقام الأول، والزيارة لها أسباب عدة أولها إظهار الدعم غير المحدود لدولة الاحتلال وبالنسبة للدول العربية ذات التأثير في الصراع محاولة تحييدها إزاء النزاع، انتزاع إدانة لحماس، إيجاد مخرج لأزمة الرهائن لدى حماس بما في ذلك الأمريكيون وهو ملف مهم بالنسبة للإدارة الأمريكية وسيكون له تأثير في الانتخابات الرئاسية المقبلة بالنسبة للديمقراطيين، والرئيس الأمريكي شخصيًا زار إسرائيل بالأمس (الأربعاء) ليعلن تضامنه الكامل مع إسرائيل وقبيل زيارته قامت إسرائيل بقصف مستشفى المعمداني بغزة لتضيف إلى مذابحها مذبحة جديدة ضاربة عرض الحائط بكل القواعد الدولية، فكيف سيبرر بايدن موقف بلاده لحلفائه من الدول العربية في المنطقة؟
تحيز أمريكا السافر لإسرائيل ومعاييرها المزدوجة، أمر تعجز الشعوب العربية عن استيعابه، بل كل إنسان لم يدمر الإعلام الصهيوني وعيه ويسلبه إحساسه بقيم العدل والمساواة، الإعلام الغربي يحاول أن يقلب الحقائق ويظهر إسرائيل بمظهر الدولة المعرضة للفناء من قبل فلسطينيين يريدون أن يقوضوا ديمقراطيتها ويقتلوا شعبها المتمدين!! الفلسطينيون كما تصورهم الآلة الإعلامية الصهيونية مسلمون برابرة يسعون إلى التخريب والعنف لا هدف لهم سوى قتل اليهودي المدني المسالم وبسبب هذا الإلحاح ذبح أمريكي بدم بارد طفلًا فلسطينيًا في السادسة من عمره وطعن أمه. لا يتفوق على الغطرسة الإسرائيلية سوى الغطرسة الأمريكية التي تمنعها من مراجعة مواقفها التي تفقدها شرعيتها ومكانتها كدولة عظمى وتنسيها أهم دروس 11 سبتمبر حين عبّر الأمريكيون بدهشة عن هذا الحدث المهول المؤلم قائلين: لماذا يكرهوننا؟ شعوب العالم، خاصة العالم الثالث، لا تكره الشعب الأمريكي لكن تكره الإدارة الأمريكية التي لا تفكر إلا في مصالحها الفردية وتبسط هيمنتها بالتدخل العسكري تارة وبدعم الانقلابات سيئة السمعة تارة أخرى بالإضافة إلى قائمة طويلة من الاغتيالات والعمليات التخريبية التي تديرها المخابرات الأمريكية.
(2) إسرائيل في حاجة إلى أن تكون أكثر ذكاء
الكاتب الأمريكي توماس فريدمان نشر يوم الثلاثاء 10 أكتوبر الماضي في جريدة “النيويورك تايمز” مقالًا بعنوان: “لم تكن إسرائيل في حاجة إلى أن تكون أكثر ذكاءً مما كانت عليه في هذه اللحظة”، وهو لا يخفي تحيزه الشديد لإسرائيل وعداءه السافر لحماس، لكن في المقال مقتطفات قد تفيد الإدارة الأمريكية لو أرادت مراجعة موقفها بالنسبة للقضية الفلسطينية يقول في المقال: “بذل نتنياهو كل ما في وسعه لتشويه سمعة السلطة الفلسطينية، على الرغم من أنها عملت بشكل وثيق منذ فترة طويلة مع أجهزة الأمن الإسرائيلية لإبقاء الضفة الغربية هادئة، ونتنياهو يعرف ذلك. لم يكن نتنياهو يريد قط أن يصدق العالم أن هناك “فلسطينيين طيبين” مستعدين للعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل في سلام ومحاولة رعايتهم، لسنوات عديدة، كان يريد دائمًا أن يقول لرؤساء الولايات المتحدة: ماذا تريدوا مني؟ ليس لدي من أتحدث معه على الجانب الفلسطيني”.
ويضيف في سياق آخر “لا تستطيع أمريكا أن تحمي إسرائيل على المدى الطويل من التهديدات الحقيقية التي تواجهها ما لم يكن لدى إسرائيل حكومة تعكس أفضل ما في مجتمعها، وليس الأسوأ، وما لم تكن تلك الحكومة مستعدة لمحاولة التوصل إلى تسويات مع الأفضل، وليس مع أسوأ من في المجتمع الفلسطيني (يقصد هنا حماس)”. الكاتب بالتأكيد يهدف إلى مصلحة إسرائيل وأمريكا الشرق الأوسط الذي لن يهدأ ويستقر إلا بعد حل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا وكريمًا بالنسبة للفلسطينيين.
(2) أمريكا يمكنها فرض السلام
في كتاب “إعادة ضبط: إيران، تركيا.. ومستقبل أمريكا” للصحفي الأمريكي ستيفن كينزر، نشر في عام 2010، وينتقد الكاتب فيه السياسة الخارجية الأمريكية، ويقترح “استراتيجية جديدة” للشرق الأوسط، بعيدة عن السياسات والتحالفات والافتراضات القديمة، ويؤكد الكاتب أن نهاية المعضلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين “واضحة للجميع “وهي: إنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها، مثل عاصمة إسرائيل، في القدس، مع حق جميع الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وتعويضهم عن الأرض التي فقدوها، وتعهد جميع دول المنطقة بتسوية النزاعات بالطرق السلمية، والكاتب مقتنع بأن التسوية لا يمكن أن تنبثق من الداخل الفلسطيني ولكنه يحث الولايات المتحدة أن تفرض هذه الخطة على الأطراف المتحاربة، وأنا مقتنعة أن أمريكا يمكنها أن تفرض السلام فرضًا على طرفي النزاع، حين تتأكد إسرائيل أنها ستفقد الدعم الأمريكي تمامًا لو لم تمتثل للأمر فستقبل الأمر صاغرة، أما الطرف الفلسطيني فهو مستعد منذ أوسلو لحل الدولتين، وأعتقد أنه من الأفضل لأمريكا أن تكون راعية سلام بدلًا من دورها الحالي حيث تشتبك بصورة مباشرة في الحرب الدائرة إلى جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين، هذا التحول سيعظم دورها وتأثيرها الإيجابي في المنطقة ويعيد لها المصداقية التي فقدتها في المنطقة. يتهم العرب بأنهم لا يفوتون فرصة لإضاعة الفرص، لكن هذه المرة هذه العبارة الساخرة تنطبق تمامًا على الولايات المتحدة الأمريكية.