الانحياز الأمريكي لإسرائيل هل من سبيل للتصدي له؟

عقب العدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967، كانت هناك عبارات حماسية تُكتب على الحوائط بالشوارع والمدارس المصرية، وكان من بينها شعار متكرر نصه “عدونا أمريكا وإسرائيل”، بسبب الموقف الأمريكي المساند لإسرائيل في عهد الرئيس جونسون، الذي زاد من مبيعات السلاح لها وابتدع في عهده مبدأ التفوق العسكري النوعي لإسرائيل بين جيرانها بالشرق الأوسط.
واستمر ذلك الشعار سائدا حتى حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي قام الرئيس الأمريكي نيكسون خلالها، بعمل جسر جوي منذ الرابع عشر من أكتوبر مدة شهر كامل، جرى خلاله تنفيذ 567 رحلة طيران لنقل المعدات والأسلحة والذخيرة، إلى جانب كميات أخرى نقلتها طائرات شركة العال الإسرائيلية، ووجود جسر بحري أمريكي لنقل المعدات الكبيرة الحجم من الدبابات والمدافع والعربات.
لكن المصريين فوجئوا بعد حوالي سبعة أشهر من الحرب، بالرئيس السادات ينظم حفل استقبال حاشد للرئيس نيكسون عند زيارته لمصر في الثاني عشر من يونيو/حزيران 1974، استخدم خلاله الاتحاد الاشتراكي الحزب الأوحد وقتها، لحشد الجماهير من المحافظات في حافلات، للوقوف على طول الطريق من مطار القاهرة إلى مكان إقامة نيكسون مهللين ومرحبين.
وأكمل السادات تلك الحشود في اليوم التالي على محطات سكة الحديد الرئيسية، خلال رحلة القطار الذي استقله السادات ونيكسون من القاهرة إلى الإسكندرية، حاملين اللافتات ومطلقين لأسراب الحمام الأبيض، سعيًا من السادات لرفع روح نيكسون المعنوية وشعبيته، وأملا في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث كانت شعبيته قد هبطت بعد ضلوعه في فضيحة ووتر غيت بالتجسس على الحزب الديمقراطي المنافس، لكنه بسبب تلك الفضيحة قد غادر منصبه بعد حوالي شهرين من احتفاء السادات به.
الدولة الفلسطينية موعدها 2005
وجاء من بعده جيرالد فورد ليكمل فترة رئاسته، ثم جيمي كارتر عام 1977 الذي في عهده بدأ السادات مشواره للصلح المنفرد مع إسرائيل، بداية بزيارته لإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 1977، وعقد مؤتمر مينا هاوس بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة الذي لم يخرج بنتائج. ورغم عدم حضور السلطة الفلسطينية والسعودية وسوريا والأردن مؤتمر مينا هاوس، فقد سار السادات في مشواره للصلح المنفرد مع إسرائيل، فعقد اتفاقية كامب ديفيد معها برعاية أمريكية عام 1978، وأتبعها بعقد معاهدة للسلام مع إسرائيل في مارس/آذار 1979.
وتلا ذلك صدور مشروعات للسلام بالمنطقة، منها مشروع الرئيس الأمريكي ريغان عام 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش الأب عام 1991 بعد انسحاب العراق من الكويت، ثم كان اتفاق أوسلو الأول عام 1993 في عهد الرئيس كلينتون أو ما يسمى اتفاق غزة أريحا أولا، وما تلا ذلك من اتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ومن تلك الاتفاقيات اتفاقية القاهرة عام 1994، واتفاقية طابا -أوسلو 2- عام 1995، واتفاقية واي ريفر عام 1998، واتفاقية شرم الشيخ عام 1999 بين عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي باراك والرئيس المصري مبارك وملك الأردن، ثم مفاوضات كامب ديفيد منتصف عام 2000 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وما تلاها من مشروع للسلام للرئيس الأمريكي كلينتون قبل انتهاء ولايته بأسابيع قليلة، ثم خريطة الطريق في فترة الرئيس جورج بوش الابن، التي كانت تنص على ثلاث مراحل تنتهي عام 2005 بإقامة الدولة الفلسطينية.
12 رئيسا مساندا لإسرائيل خلال 75 عاما
لكنه رغم تلك المؤتمرات التي عقدت خلال السنوات التالية لم يتم إعلان الدولة الفلسطينية حتى الآن، واقتصر الأمر على سلطة فلسطينية ذات صلاحيات محدودة، ولم يتم حسم ملفات اللاجئين والمستوطنين والقدس والحدود حتى الآن، التي جرت وعود بتحقيق خطوات ملموسة فيها خلال الاتفاقيات، ونفس المآل لما تم الاتفاق عليه من تشغيل ميناء غزة وتشغيل مطارها، بل تم تدمير مطار غزة وتعطيل إنشاء الميناء، وحصار غزة بريا وبحريا وجويا منذ عام 2000 وحتى الآن.
ويرتبط التعنت الإسرائيلي وعدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، وما أسفرت عنه المؤتمرات مع الفلسطينيين، بالانحياز الأمريكي لها وعدم ممارسة دور الوسيط الحقيقي خلال تلك المؤتمرات، وهو ما يدعونا إلى القول إنه منذ الرئيس الأمريكي تورمان الذي سارع إلى الاعتراف بقيام إسرائيل، بعد إعلان قيام الدولة في الرابع عشر من مايو/أيار 1948 بأحد عشرة دقيقة، وحتى الرئيس الحالي بايدن الذي تبنى موقف إسرائيل في عدوانها على غزة وزعمها لقتل الأطفال واغتصاب النساء، وقصفها للمستشفى المعمداني، فكل رؤساء الولايات المتحدة الثلاثة عشر خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تبنوا الموقف الإسرائيلي.
هذا فيما عدا الرئيس أيزنهاور الذي تدخل عام 1956 لوقف العدوان الثلاثي على مصر، من خلال الأمم المتحدة؛ وذلك لعدم تشاور إنجلترا وفرنسا معه قبل بدء الحرب، إلى جانب سعيه لعدم اتجاه مصر إلى الاتحاد السوفيتي حينذاك، الذي قام بمساندة مصر في الحرب وكذلك فعلت الصين.
سلاح الواردات متاح للعرب والمسلمين
ويظل السؤال هو ماذا يمكن للعرب أن يفعلوا مع هذا الانحياز الصارخ للولايات المحتدة إلى جانب إسرائيل، وتسابق الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى اكتساب أصوات اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أن الأوضاع العربية متخمة بالمشاكل، في ظل عدم الاستقرار بالعديد منها في ليبيا والسودان واليمن ولبنان وسوريا والصومال.
وستظل العلاقات التجارية سلاحا متاحا للعرب من خلال الواردات العربية من الولايات المتحدة، التي بلغت قيمتها 58 مليار دولار العام الماضي، وربما يقول البعض إن هذا يمكن أن يؤثر في الصادرات البترولية العربية إلى الولايات المتحدة، وهذا مردود عليه بأن غالب البترول والغاز الطبيعي الخليجي يتجه إلى السوق الآسيوية، بل إن صادرات الولايات المتحدة النفطية والغازية تنافس النفط والغاز العربي بالأسواق الآسيوية والأوربية.
ومن الطبيعي أن يقول البعض ولكن حجم الواردات العربية من الولايات المتحدة قليل بالقياس إلى الحجم الكلي لوارداتها، وهو أمر صحيح لكن الأمر لا يقتصر على الواردات السلعية وإنما يمكن أن يمتد إلى الواردات الخدمية، من سياحة وخدمات نقل وخدمات تعليمية وخدمات صحية وثقافية وترفيهية وغيرها.
وهنا نذكر مثالا عندما انتقدت كندا حالة حقوق الإنسان بالسعودية في أغسطس/آب 2018، استخدمت السعودية سلاح الواردات السلعية والخدمية وسحبت مبعوثيها الدارسين بكندا؛ مما دفع السلطات الكندية إلى التراجع.
وهنا سيقول البعض ولكن الأنظمة العربية تستخدم الواردات وسيلة لإرضاء الأنظمة الغربية كي تتغاضى عن تناول ملفات حقوق الإنسان بها، وتتغاضى عن الانتخابات والبرلمانات الصورية بها، كما تضيف واردات السلاح منها وسيلة إضافية لذلك.
وهنا يصبح الأمل في الشعوب العربية والإسلامية، لاستخدام سلاح الواردات مع الدول الغربية المساندة لإسرائيل سواء الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا وغيرها، من خلال ضغط الشركات المتضررة من المقاطعة على حكوماتها، حيث بلغت قيمة الواردات العربية السلعية العام الماضي تريليون و152 مليار دولار.
وهو رقم يقل عن الحقيقة بسبب ظاهرة خفض قيمة الفواتير لتجنب دفع جمارك أعلى، إلى جانب عمليات التهريب عبر الحدود، كما بلغت قيمة الواردات الخدمية العربية العام الماضي 336 مليار دولار، وهو رقم يقل أيضا عن الرقم الحقيقي لعدم الحصر الدقيق لكافة الخدمات.
فإذا امتد استخدام سلاح الواردات بتغيير جهة الاستيراد السلعي والخدمي، إلى دول العالم الإسلامي فإن الأثر سيكون أعلى، خاصة مع بلوغ قيمة الواردات السلعية لدول منظمة التضامن الإسلامي العام الماضي 2 تريليون و554 مليار دولار.
وإذا انضم إلى ذلك قطاعات من المسلمين المهاجرين إلى دول العالم كان الأثر أكبر، وهي وسيلة عملية ومؤثرة متاحة للجمهور في ضوء انسداد النوافذ الإعلامية وضعف المواقف الرسمية ببعض بلدان العالم العربي الإسلامي، ولعل مشاركة الجمعيات الأهلية والمساجد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام، في هذا التوجه إلى مقاطعة منتجات الدول التي تساند العدوان سيزيد من فعاليتها.