هل كان يجب أن يحارب العرب في غزة؟!

غزة فلسطينية شهيد طفل
فلسطينية في خان يونس تحمل جثمان طفل شهيد (رويترز)

نعم، كان يجب أن يحاربوا، هذا ليس واجبًا فقط، بل هو فرض عليهم، هم -إذا حاربوا- ينحازون إلى صاحب الحق، يواجهون الظالم، يدافعون عن المظلوم، وهو دفاع عن المقهور المسروقة أرضه الذي يتعرض لما هو أبشع من المحارق على أيدي من يبتز العالم بما تعرض له خلال فترة مضت.

إذا كانت مأساة المحرقة جرت أثناء الحرب العالمية الثانية، خلال أربعينيات القرن الماضي، فنحن أمام محارق ممتدة في حق الشعب الفلسطيني منذ 75 عاما، وليس محرقة واحدة، منذ أن ارتكبت القوى الاستعمارية؛ القديمة والجديدة، جريمة تقسيم أرض فلسطين التاريخية، ومنحت أكثر من نصفها لمن ليسوا أصحاب الأرض، للقادمين من شتات العالم لاغتصاب التراب الذي لم يُولدوا عليه، ولم يُدفن آباؤهم وأجدادهم فيه.

هل يجب أن يحارب العربي إلى جانب الفلسطيني الذي يتعرض لما لا يمكن تصوره من فظاعات منذ 7 أكتوبر الماضي؟ نعم، وهذا سؤال لا يجب أن يُطرح، فهو من البديهيات، ولكن لماذا يتدخل العرب بكافة السبل لإنقاذ غزة؟

لنرَ أولًا خريطة الدول الداعمة للكيان الإرهابي، سنجد أن أمريكا وأوروبا وبلدانا من قارات أخرى تدور في فلك واشنطن وتدعم إسرائيل بشكل مطلق دعما سياسيا من الجميع، ودعما عسكريا وماليا وماديا من بعضهم، هم يصطفون بثبات إلى جانب الصهيوني، يساندونه بكل قوتهم ومواردهم علنًا دون قلق أو خجل أو تحري العدالة، وضد شرائح في شعوبهم، هم الذين يخططون للعدوان ويسلحون العدوان، ولو أرادوا لكانوا هم الذين يشنون غارات العدوان الذي يقصف بتعمد وكراهية المستشفيات والمدارس والمخابز والمساكن ومحطات المياه والكهرباء وأطقم الإسعاف والدفاع المدني وكل البنية الأساسية وكل أشكال الحياة في غزة.

وهؤلاء هم من يصمتون عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويصل الأمر إلى قتل الأطفال الخدج داخل حضانات المستشفيات التي تُضرب بالقنابل ويُمنع عنها الوقود ويجري سحقها كما يتم سحق كل المدنيين في غزة، كلهم دون استثناء، فلا أحد يشعر بالحد الأدنى من الأمان، عائلات بأكملها يتم شطبها من الوجود بقنبلة مجرمة، عائلات كثيرة تتعرض لهذا المصير، وكل عائلات وسكان غزة ينتظرون نفس المصير، ينتظرون الموت القاسي في كل لحظة.

شراسة القتل

في تاريخ العدوان الصهيوني على الفلسطينيين والعرب لم تكن هناك شراسة للقتل الشنيع كما هي في العدوان الحالي الذي اتخذ قرار القتل من أجل القتل والتدمير وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة لإزالة غزة من خريطة فلسطين بدعم صريح وكامل ومطلق من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وحكومات أخرى من التي نسميها ديمقراطية وترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان ونعتبرها النموذج في الحكم الرشيد وكرامة الإنسان.

هذه هي حكومات العالم الحر، وهؤلاء هم قادة الديمقراطيات، وتلك هي دول حقوق الإنسان، وكل هؤلاء هم أصحاب دولة القانون والدستور، وهم من يتفاخرون بقيم العدالة والأخلاق والضمير والإنسانية.

كل هذا كان كذبًا، خداعًا، زيفًا، مكياجًا سياسيًّا وديمقراطيًّا، تجارة رخيصة فاسدة، وكل هذا لا يُشرعن الاستبداد في منطقتنا، فمهما كان تساقط العالم الحر، كما كنا نصفه ونتمنى أن نقترب من نهجه، فإنه لا يجوز منح صك براءة وصلاحية للعالم المستبد فكلاهما وجهان قبيحان؛ خيانة الديمقراطية، وقمع الديمقراطية.

إسرائيل ليست واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط، كما تزعم وتتفاخر، والنظام الرسمي العربي الذي هو في قلب الشرق الأوسط ليس ديمقراطيًّا أصلًا، وهنا معضلة ملوك الطوائف في القرن الحادي والعشرين، لأن النظام العربي لو كان ديمقراطيًّا وحكوماته تعبر عن إرادة شعبية حقيقية صادقة لأنصت إلى هدير غضب شعوبه من مجازر غزة، ولم يتخاذل عن مساعدتها بشكل عملي مثلما يدعم الغرب الكيان الصهيوني بالباطل، والفارق أن العرب سيدعمون الفلسطيني بالحق الذي لا جدال فيه، فهو صاحب أعدل قضية في أظلم عالم.

الدعم السياسي القوي

إذا كان الغرب ومن لفّ لفّه يساند الصهيوني بكل الوسائل وبقدراته الهائلة وبنفوذه الطاغي، فماذا يمنع أن تدعم الحكومات العربية غزة والضفة والقدس بشرف وشهامة، وهى تمتلك قدرات وموارد وأوراق ضغط متعددة وقوية ونافذة، ليس بالضرورة أن يكون الدعم عسكريًّا بالحرب، إذا كان هذا الأمر لا طاقة للعرب به، فهم قادرون على الدعم السياسي، بشرط أن يكون بإرادة حاسمة قوية مخلصة، فهل يُعقل ألا تكون لـ22 دولة عربية، أو 57 دولة عربية وإسلامية، قدرة في التأثير في القرار الأمريكي لجعله يعيد التفكير بجدية في تصريحه لخادمه ووكيله الصهيوني بدكّ غزة دكًّا وشنّ حرب إبادة ضد السكان والتفنن في ارتكاب كل الشناعات والأعمال الوحشية.

قمة هزيلة قراراتها بلا أثر

كيف يكون هذا الوضع المزري هو حال 57 حكومة عربية وإسلامية؟ وماذا يقول قادتها بينهم وبين أنفسهم عن المذابح؟ وهل يليق أن تنعقد قمة عربية إسلامية طارئة في اليوم الـ 36 لجريمة العصر؟ وإذا كانت قمة غير طارئة، فمتى كانت تنعقد إذن؟

ثم نجد قرارات القمة بلا أثر في إيقاف آلة الحرب الصهيونية، أو التفات الأمريكي إليها، بل إن الصهيوني رفع وتيرة القصف الإجرامي لغزة عشية وأثناء وبعد انتهاء القمة ردًّا على القادة المجتمعين، وإمعانًا في إهانة المطبعين علنًا معه، والمتعاملين مع كيانه سرًّا، والمتصهينين أكثر منه الذين يلومون المقاومة على دفاعها الشرعي الحقيقي عن النفس والشعب والأرض والوطن والوجود والتاريخ.

لا نطلب الحرب، ولا نريد الحرب عمومًا، وإنما السلام والاستقرار، لكن نطلب السياسة القوية النافذة، وتوظيف كل القدرات والموارد والأوراق العربية لنصرة المظلوم كما يفعل الغرب في حمايته لإسرائيل الظالمة التي بإجرامها ودمويتها واحتلالها لا أمن أو مستقبل لها في منطقتنا.

المصدر : الجزيرة مباشر