وداعا أحمد عبد العزيز “عاشق القدس”

الراحل أحمد عبد العزيز يضيء شمعة ويحمل علم فلسطين في وقفة تأبين الزميلة شيرين أبو عاقلة بنقابة الصحفيين المصريين

ربما يكون توقيت كتابة هذا المقال قد تأخّر قليلا، وعذرنا كان في الأحداث المتلاحقة فيما يحدث في غزة من مجازر ومذابح قاربت على الـ 40 يوما تحت سمع وبصر المجتمع الدولي والعربي والإسلامي.

ولكن ما دعاني لكتابة هذا المقال هو الوفاء لأحد محبي الأقصى، ومن أكثر الداعمين والمناصرين للقضية الفلسطينية من الزملاء الصحفيين المصريين؛ إنه الزميل الصحفي أحمد عبد العزيز، أحد الزملاء الكتاب هنا في موقع “الجزيرة مباشر” والذي وافته المنيّة ورحل عن دنيانا بعد بدء معركة “طوفان الأقصى” بعشرة أيام.

صديق الجميع

لا أجيد الرثاء ولا أعرف كلماته، حتى عندما فقدت والدتي وبعدها والدي لم أستطع كتابة كلمات تعبّر عن شعوري وقتها، وكل ما كتبته أنهما رحلَا إلى ذمة الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فقط هذا ما كتبته، لذا لم أستطع كتابة رثاء في الصديق أحمد عبد العزيز وقتها، كما أن معركة “طوفان الأقصى” كانت هي الأولى في الفترة الحالية.

وقد رحل أحمد عبد العزيز في 17 من أكتوبر/ تشرين الأول بعد معاناة شديدة مع مرض السرطان؛ هذا المرض الذي أصبح كالوباء ينهش أجساد المصريين، وربما كان السبب هو المبيدات والكيماويات التي استُخدمت بعد التطبيع مع الكيان المحتل في عهد المخلوع “مبارك”، وعلى يدي وزير الزراعة الأسبق يوسف والي الذي كان يعارضه الراحل.

ولم يكن من المستغرب أن يكون حفل تأبين الزميل الراحل الذي عقده محبوه في نقابة الصحفيين المصريين تحت عنوان “وداعا عاشق القدس الشريف أحمد عبد العزيز”، والذي حضره بعض أعضاء مجلس النقابة، وزملاؤه، حتى الذين كانوا مختلفين معه في بعض مواقفه السياسية، ولكن حبه وحّد الجميع خلفه في أثناء مرضه ووفاته.

اعتقاله بسبب القدس

يذكّرني أحمد عبد العزيز بالراحل الصديق الصحفي محمد منير الذي كان يجتمع على حبه الجميع رغم يساريته، فعلاقته كانت ممتدة مع جميع الزملاء في كل التيارات، وكان له موقف ثابت مات عليه، ودفع فاتورة موقفه قبل رحيله.

وهكذا أيضا دفع أحمد عبد العزيز ثمن مواقفه؛ حيث اعتُقل لمدة تجاوزت عاما ونصف العام؛ بسبب وقوفه في مظاهرة على سلالم نقابة الصحفيين لرفض تهويد القدس عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق ترمب نقل السفارة الأمريكية للقدس، واعتبار القدس عاصمة لـ “إسرائيل”، وذلك في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وخرج من المعتقل تحت تدابير احترازية لمدة أخرى.

صداقتي بأحمد عبد العزيز بدأت بمشادة في بهو نقابة الصحفيين، وكنت أعتقد (لأنه كان يعمل في صحيفتي العربي الناصري المصرية، والموقف العربي) أنه ناصري الهَوى، ولكن عندما تصادقنا عرفت أنه عروبي إسلامي ومهتم جدا بالقضية الفلسطينية، ورغم أنه شخص هادئ بطبعه إلا أنه تغلبه أحيانا عصبية أهل الصعيد الذي ينتمي إليه.

البطل أحمد عبد العزيز

أحمد كان منظما جدا حتى وهو في مرضه، فكنا نتناقش دائما في الحلول، وكيفية تدبير النفقات وتكاليف العملية، وغيرها، وكان يرتب الخطوات، وكيفية التواصل مع النقابة لتدبير تكاليف العملية، وبعدها كذا ثم كذا، وعندما عرضت عليه أن نحاول تدبير مبلغ العملية لإجرائها بسرعة من خلال جمع تكاليفها من الزملاء؛ رفض بشدة، وطالبنا بعدم أخذ خطوة إلا بعد مشورته.

وعندما علمنا بنبأ الوفاة ذهبنا للمستشفى في شارع البطل أحمد عبد العزيز، ولفت نظري صديق لنا عن تشابه الأسماء بين الزميل أحمد عبد العزيز والبطل المصري أحمد عبد العزيز الذي يعدّ من رموز الجيش المصري؛ والذي قاد مجموعة من المتطوعين المصريين لمحاربة الصهاينة في عام 1948 بعد ارتكاب الصهاينة المجازر ضد الفلسطينيين، واستشهد البطل أحمد عبد العزيز بنيران صديقة بعد أن كبّد الصهاينة كثيرا من الخسائر.

لفتت نظري هذه المفارقة ونحن نسير في شارع البطل أحمد عبد العزيز خلف سيارة نقل الموتى التي تحمل جثمان الزميل أحمد عبد العزيز، والذي كان مقررا دفنه في مسقط رأسه بمحافظة المنيا؛ فقد كنت أفكر في هذه المفارقة العجيبة، وفي تشابه الاسمين، وفي نفس الوقت تشابه المواقف ضد الكيان المحتل الغاصب، ولكن تشاء الظروف أن يُدفن على بُعد أمتار قليلة من مسجد عمرو بن العاص قريبا من مدافن الصحابة الفاتحين، والمسلمين الأوائل، وهذا أفضل ترتيب أعدّه القدر لأحمد عبد العزيز.

رحل الجسد النحيف

رحل أحمد عبد العزيز بعد أن ترك تاريخا مشرفا في العمل النقابي، من خلال مشاركته في كل الفاعليات التي تخصّ الحريات والمعتقلين من الصحفيين، ومن خلال مناصرة القضية الفلسطينية، ورفضه التطبيع مع الصهاينة، فقد كان هذا الجسد النحيف يحمل في داخله قوة وعزيمة جبارة في المواقف، والقضايا الكبرى.

ولفت نظري أيضا أن صديقا مشتركا نشر على صفحته على موقع التواصل “فيس بوك” أنه رأى أحمد عبد العزيز في رؤيا يقول له إنه لم يمت، وإنه حي، ويتحدث معه في أمور تخص ترتيبات في النقابة، نعم، فأحمد نعدّه شهيدا، فقد مات مبطونا، والشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون.

وعزاؤنا الوحيد في أحمد عبد العزيز أنه رأى انتصار المقاومة في معركة “طوفان الأقصى” في الـ 7 من أكتوبر/ تشرين الأول، وكان وهو في قمة مرضه سعيدا جدا عندما شاهد فيديوهات المقاومة، وانتصارها على الكيان المحتل، وربما تكون هذه هي البِشارة لنا وله.

رحم الله الزميل أحمد عبد العزيز، وألهمنا الصبر والسلوان.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان