هل سقطت أسطورة جيش الدفاع؟
منذ فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والسؤال الذي يلح على الجميع: كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية بفصائلها حماس والجهاد الإسلامي، وكتائب عز الدين القسام وأبو علي مصطفى، وكل من شارك في العملية الأولى، اختراق المستوطنات والجدار العازل والوصول إلى وحدات جيش الدفاع للكيان الصهيوني، والسيطرة على العديد من المستوطنات وتحريرها لعدة ساعات أو أيام؟ كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية اختراق أحدث الأجهزة التجسسية في العالم وتعرية الجندي الإسرائيلي وأسر أعداد من الجنود والقادة الصهاينة، وقتل ما لا يقل عن 250 من جنود جيش الاحتلال؟
السؤال الذي يتردد في الأذهان ولا يخرج إلى النور انتظارا لمجريات الأحداث هو: هل سقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر على أيدي المقاومة الفلسطينية الباسلة؟ الجيش الذي يُعَد من أقوى جيوش العالم وصاحب أكبر دعم عسكري من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وألمانيا.
الجيش الذي تصل إليه أحدث الأسلحة وتكنولوجيا التجسس، صاحب أقوى جهاز مخابرات في العالم، والذي لا تتوقف دفعات الدعم المالي والعسكري له، الجيش الذي يخيف كل الأنظمة العربية وتلهث من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني لأنها لا قبل لها بحروب مع جيش الدفاع الأقوى في المنطقة!! كما يدّعون، إذَن كيف تستطيع حركة مقاومة شعبية لا تمتلك جيشا نظاميا، لا طائرات ولا دبابات ولا أجهزة دفاع جوي، أن تخترق كل دفاعاته وتُلحق به هزيمة نكراء، متغلبة على كل قواه العسكرية والاستخباراتية؟
بالأمس فقط، وفي اليوم التاسع والثلاثين لطوفان الأقصى، استطاعت المقاومة في غزة تدمير 22 دبابة وآلية عسكرية مدرعة كليا وجزئيا حسب تصريح كتائب القسام، ليقترب عدد الدبابات والآليات المجنزرة التي تم تحطيمها وخروجها من الخدمة منذ بداية الحرب من 200 دبابة وآلية، بما يعادل على الأقل ثلاث وحدات للمدرعات انتهت.
بحثت قيادة الكيان عن دبابات خرجت من الخدمة سابقا (ميركافا 3) لتعويض الخسائر لديها، وتتناثر الأنباء عن مقتل الكثير من قوات النخبة التي يعُدها الجيش الصهيوني الأكفأ والأكثر جاهزية في صفوفه، وأيضا ما يقال عن مقتل بعض الضباط والجنود الأمريكيين القادمين من الولايات المتحدة في مهام عسكرية من أجل الرهائن والأسرى الصهاينة لدى المقاومة، بل أمس فقط أعلنت كتائب القسام مقتل 9 جنود من جيش الدفاع، نعم الكيان يعترف بمقتل جندي واحد ولكن هذا الإعلان معروف حتى لا تنهار جبهته الداخلية وينهار جيش الدفاع الذي يطلق على نفسه الأسطورة.
الشركاء يعلنون السقوط
الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الرئيسي في الحرب على غزة هي أول من أعلنت عدم ثقتها بالجيش المدلل لديها، فهي أول من فتحت مخازن سلاحها للكيان الصهيوني مع بدايات طوفان الأقصى، وحركت حاملات الطائرات إلى البحر الأبيض والبحر الأحمر، وتوجد تلك الحاملات أمام سواحل فلسطين ولبنان.
بل إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتوانى عن اعتبار نفسها تحارب هذه الحرب، وتردد قياداتها برئيسها بايدن وبيتها الأبيض ادعاءات المتحدث الرسمي للكيان وقياداته، وبالأمس ردد البيت الأبيض ادعاءات الكيان عن استخدام المقاومة مجمع الشفاء الطبي مركزا وقيادة للمقاومة، وهو الادعاء الذي نفته قطعيا حماس وقياداتها، بل إن حماس منذ بدء الحرب على المستشفيات بمرضاها واللاجئين إليها من القصف الإبادي التي تمارسه قوات الاحتلال، طالبت بحضور لجان دولية لتتفقد المستشفيات وتكشف كذب الادعاء الصهيوني والأمريكي، فلماذا اتخذت الولايات المتحدة من نفسها طرفا رئيسا وشريكا في الحرب على غزة والمقاومة الفلسطينية؟
هل فقدت أمريكا ثقتها الكاملة بالجيش الأسطوري الذي لا يُقهر، فراحت تعلن بنفسها أنه قُهر وتم إذلاله بأيدي المقاومة الفلسطينية في غزة وفي جنين والخليل ولبنان؟ يوما بعد آخر، يتأكد للولايات المتحدة ترهل الجيش الصهيوني الذي فقد حتى الآن حسب إعلان المتحدث الرسمي له 363 عسكريا منذ بدء الحرب، وهذا رقم كبير جدا بالنسبة للكيان الصهيوني وجيشه، رقم يقلق المجتمع الصهيوني كله ويفقده أمانه الذي ادعاه طول فترة احتلاله لفلسطين، ولم تعد فلسطين أرض الأمان ولا جيش الدفاع حصن أمان الصهاينة المغتصبين.
لم تكن أمريكا فقط من أعلنت انهيار وسقوط جيش الدفاع (الأسطوري) كما يدّعون في الحرب على غزة، بل إن شركاء أمريكا الكبار، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، راحوا يؤكدون السقوط بما أرسلوه من معدات عسكرية ومساعدات مادية وعسكرية إلى الكيان الصهيوني، فقد أرسلت بريطانيا بارجتين عسكريتين، وطائرات مقاتلة بطياريها.
فرنسا أرسلت أسلحة وطائرات مسيّرة، ألمانيا أرسلت أسلحة وقدّمت دعما سياسيا، إضافة إلى كل أجهزة المخابرات في هذه الدول التي تعمل وكأنها إحدى أدوات الكيان وجيش الدفاع.
هذا كله يضاف إليه أكثر من ألفي مقاتل من قوات النخبة الأمريكية، بل إن جيش الدفاع الذي لا يُقهر قام بتجميع الكثير من الجنود المرتزقة من أنحاء العالم مقابل رواتب ضخمة، هذه القوات كلها والمرتزقة جاؤوا ليساعدوا الجيش الذي لا يُقهر، السؤال الذي يطرح ذاته مع هذه المساعدات وأنواع الدعم لجيش الدفاع: هل جاؤوا ليساعدوا جيش الدفاع أم ليؤكدوا سقوط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر؟
وحل حرب الشوارع
لقد سقط جيش الدفاع الصهيوني منذ بداية عملية طوفان الأقصى سقوطا مدويا، وأُلحقت به هزيمة لن يمحوها أي صور زائفة تُلتقط سريعا في شوارع غزة شمالا أو حتى جنوبا، سقطت الأسطورة، أسقطها في البداية اعتبار كل العالم الغربي بقيادة أمريكا أنهم أصحاب الحرب بل هي حربهم في الأصل، وتأكيدهم عدم الثقة بجيشهم المدلل وابنهم المرفه.
ولا أستطيع المرور على تلك الكلمات دون تذكّر مشهد لذلك الممثل المجهول صاحب الجسد المترهل بالسمنة في أحد أفلام الممثل المصري الكوميدي فؤاد المهندس، وهو يصرخ في ليلة زفافه قائلا (الحقيني يا ماما.. الحقيني يا ماما)، فجيش الدفاع المترهل صرخ في فجر السابع من أكتوبر (الحقيني يا ماما.. الحقيني يا ماما)، ولأنه مجهول النسب ولا يعرف له أبا من أم، جاءته كل أمهاته اللاتي زرعنه في مكان لا جذور له فيها.
السقوط الأكبر الذي سيُنهي تلك الأسطورة المزعومة لجيش الدفاع الصهيوني ستكون شوارع غزة والضفة الغربية، ففي كل يوم يتأكد للعالم أن حرب المدن والشوارع، والمواجهة مع المقاتلين وجها لوجه، ليست حرب الفتيان والفتيات المدلالات في جيش الصهاينة.
ها هي المقاومة الفلسطينية تدك دبابات الجيش الصهيوني وآلياته على مدار الساعة، ويواجه أبطال المقاومة هؤلاء المرتزقة الصهاينة ببسالة وقوة، ويقتلونهم من المسافة صفر، كما حدث أمس مع الجنود العشرة الذين قُتلوا في غزة، وكما أعلن القيادي بحماس أسامة حمدان أنهم ما زال لديهم الكثير ويملكون الكثير ويديرون المعركة بثبات، وأن ما لاقاه الجيش الأسطورة المزعوم لا يزال في بداياته.
لا يقاتل الجيش الصهيوني إلا خلف الدبابات والآليات، وعلى بُعد كبير من المقاومة والجنود، فكلما اقترب منهم المقاومون الأبطال سقطوا وهربوا منهم، وقد شاهدنا الكثير من الفيديوهات الموثقة التي بثتها كتائب المقاومة تؤكد ذلك.
لا يذهب جنود الأسطورة التي سقطت إلا في طائرات وحاملات جند، فإذا خرجوا منها انتهت بهم الأقدار إلى أكياس سوداء، ترسلهم فيها المقاومة الفلسطينية إلى عائلاتهم في الأراضي المحتلة أو في عواصم بلادهم الذين جاؤوا منها مرتزقة. وفي معارك غزة ستنتهي أسطورة الكيان الصهيوني وجيشه، وكما كانت فيتنام وكوبا مقبرة للشريك الأمريكي في حربه، ستكون غزة العزة مقبرة ونهاية للكيان وجيش الدفاع الصهيوني، وإنه لصبر ساعة، إلا إن نصر الله قريب.