عندما يُولد الفلسطيني مقاوما.. فهل يكون بمقدور الصهيوني القضاء على حماس؟!

اثنان من أقرباء الأسرى الإسرائيليين لدى حماس (وكالات)

 

في كل زمان ومكان طوال التاريخ البشري، أي احتلال يكون رد الفعل الطبيعي عليه نشوء مقاومة له.

لم يمر احتلال من دون مواجهة ومقاومة شعبية ضده، وقد تتحول إلى مقاومة مسلحة تمارس استنزاف المحتل وإنهاكه، وجعل وجوده في أرض غريبة عليه مُكلفا ومُرهقا له لدفعه إلى الرحيل.

هذا حصل في جميع الاحتلالات، القديمة والحديثة، وكانت النتيجة أن المستعمرين رحلوا وغادروا واستعادت البلدان المغتصبة استقلالها وسيادتها وحريتها وكرامتها بعد تضحيات جسام، والمحتل طالته الخسائر أيضا وإلا ما كان قد انزاح.

وفي فلسطين -من النهر إلى البحر- نحن أمام احتلال من نوع آخر، مختلف عن كل استعمار طوال تاريخ الإنسانية، احتلال استيطاني استئصالي إحلالي، جاء أفرادا ومجموعات بترتيب وتخطيط وتمويل من المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية ليحتل أرضا ليست أرضه، ويطرد شعبها ليحل محله الشتات القادم من مختلف البلدان.

أساطير كاذبة

هذا الاحتلال اعتمد الأساطير الكاذبة ليخدع شعوب العالم ويسيطر عليها بروايته المزيفة المضللة، ذلك أن حكومات أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفيتي، ودول أخرى غربية وشرقية، لم تنخدع، فهي التي دعمت وسهّلت قيام إسرائيل على حساب فلسطين وشعبها وحقوقه ووجوده، والمجازر الوحشية التي ترتكبها ضد غزة منذ 46 يوما دون توقف أو هُدن إنسانية نتاج الدعم والتدليل والتحالف الشيطاني بين هذه الحكومات وإسرائيل، وخاصة أمريكا المسؤول الأول والحقيقي عن محرقة غزة القرن الحادي والعشرين.

المقاومة حق أصيل

مقاومة المحتل هو الحق الطبيعي والأصيل والمشروع للشعب الفلسطيني الذي يقدّم أعظم التضحيات، ويواجه ببسالة أشرس احتلال في التاريخ، وهو الشعب الذي يقاوم كله دون استثناء من خلال تمسُّكه بأرضه واستمراره قابضا على الحياة فيها رغم الأهوال التي يتعرض لها من المحتل، وهذا الشعب يقاوم على مستوى آخر أساسي عبر فصائل المقاومة المنظمة التي نذرت نفسها للدفاع عن شعبها ووطنها مهما كان سقف التضحيات التي تقدمها.

كتائب عز الدين القسام، سرايا القدس، كتائب شهداء الأقصى، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب أبو علي مصطفى، كتائب المقاومة الوطنية، كتائب الأنصار، كتائب أحمد أبو الريش، كتائب جهاد جبريل، كتائب عبد القادر الحسيني، كتائب المجاهدين، هذه وغيرها أذرع عسكرية لتنظيمات سياسية وطنية فلسطينية، وأقواها كتائب القسام التابعة لحركة حماس، وتليها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد، وشهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح.

القوة الهمجية لا تجلب الأمن

وبغضّ النظر عن أسماء فصائل المقاومة وأوزانها العسكرية وقوتها الضاربة وعملياتها الموجعة للاحتلال، فإنها تتحرك بتناغم وتنسيق لجعله لا ينعم بالأمن ولا يوما واحدا، وهو لن ينعم به أبدا ما دام يمارس الفظاعات ضد الشعب الفلسطيني، وهو يتوهم أن باستطاعته جلب الأمن بالقوة العسكرية الهمجية كما يحدث في غزة طوال 46 يوما من القصف والقتل والتدمير المجنون، ورغم ذلك فإن الفلسطيني البطل متشبث بالبقاء في أرضه، ينتظر الشهادة في أي لحظة وليس الفرار إلى نكبة جديدة.

لم تصمد جيوش نظامية ذات تدريب وتسليح وإنفاق ضخم عليها خلال الاعتداءات الصهيونية على بلدانها، أما المقاومة، وهي فصائل لا تقارَن بقدرات الجيوش العربية، ولا بترسانات إسرائيل العسكرية الهائلة، فإنها تضرب وتتلقى الضربات المضادة، وتواجه وتصمد وتؤلم كما تتألم، وغزة تتلقى آلاف الأطنان من المتفجرات بما يعادل قنابل نووية، ومع هذا فإن شعبها يقاوم بصموده وتحمُّله الأهوال، وكتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى تخوض حربا برية بطولية، تُكبد العدو خسائر قاسية فيها، مما لم يعتد عليه في حروبه مع الأنظمة العربية.

ألف “حماس” جديدة

الهدف الرئيس للمذبحة الصهيوأمريكية المتصاعدة بإجرام شنيع هو القضاء على حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام، فهل هذا ممكن؟ أعتقد أن هذا الأمر ليس سهلا كما يرسم ويخطط بايدن ونتنياهو، إلا إذا تم تسوية قطاع غزة بأكمله بالأرض، ذلك أن “حماس” بمنزلة الجلد من جسد غزة، فلا يمكن نزعه ببساطة كما يرغبون.

وبافتراض أن هذا الجنون في ارتكاب المجازر، وانتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتدمير كل القيم والأخلاقيات في الحروب، ودفن الإنسانية في الأرض الدامية، أسهم في تعجيز أو كسر “حماس” وفصائل المقاومة في غزة بكلفة بشرية فلسطينية مهولة، فإن هناك ألف “حماس” أخرى ستُولد من رحم المجزرة والمذبحة والمحرقة.

رضاعة المقاومة دون فطام

العيون العمياء لا ترى أن أفراد المقاومة الذين هاجموا الكيان الصهيوني بجرأة مذهلة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وزلزلوا أركانه وكشفوا إمكانية إزالته، هم شبان لم يعاصروا نكبة 1948، ولا نضالات آبائهم وأجدادهم في ثورة البراق 1929، ولا الثورة العربية الكبرى (1936- 1939)، ولا المواجهات مع العصابات الصهيونية، ولا مقاومات ما بعد النكبة، ومع هذا فإنهم اليوم حلقة في سلسلة المقاومة التي يرضعونها منذ ولادتهم دون فطام، وتبقى في جيناتهم حيث تنتقل من الأب إلى الابن.

والذين يعيشون دموية المحتل في غزة الشهيدة اليوم، وكذلك في الضفة والقدس، أطفالا وفتيانا وشبانا، هم “حماس”، وهم فصائل المقاومة القادمة، وهم المخزون الذي لا ينضب من الرجال العظام للتصدي للعدو.

والذين قاموا بانتفاضة الحجارة عام 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، ومن يواجهون اعتداءات الصهيوني منذ 2008 حتى 2023، كانوا أطفالا وشبانا صغار السن، كبارا في الهمة، فالفلسطيني يُولد مقاوما مقاتلا باذلا نفسه برضا كامل لأجل حرّية شعبه ووطنه.

فرصة إسرائيل الوحيدة في التعايش والأمن هو السلام العادل، وبغير ذلك لن تعيش في أمن وسلام أبدا، وهي من تُدمر السلام عمدا، ومقتلها في المقاومة العظيمة التي تنتقل بالوراثة الطبيعية من جيل إلى آخر حتى تحرير التراب الفلسطيني من السلب الصهيوني.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان