هدنة إنسانية.. في سبيل الدولة

كان على المؤسس عثمان بن أرطغول بن سليمان شاه أن يواجه الكثير من المصاعب والمكائد في سبيل بناء أولى محطات دولته الكبيرة التي حكمت العالم أجمع في منتصف القرن الثامن عشر، وما بين البدايات التي خاضها في قبيلة الكايي من حروب ومعارك، خيانات وتطهير، امتدت إلى داخل عائلته واكتشاف علاقات عمه وأخيه مع الدولة البيزنطية في الحدود الغربية لإمارته، والمغول في الشرق، حتى بداية تأسيس الدولة بعد رعاية السلطان السلجوقي مسعود له.

هذا كان محور الدراما التركية المؤسس عثمان التي أنتجتها تركيا وتمتد لخمسة أجزاء في العمل الدرامي بدأ تقديم الجزء الخامس منه مع بداية موسم الشتاء الدرامي، وقدم منه حتى الآن عشر حلقات درامية، ليصل عدد الساعات المقدمة حتى الآن إلى أكثر من 300 ساعة درامية.

الممتع فيما يقدم من خلال المؤسس عثمان أنك لن تشعر بهذا الضيق وهذا الملل أو الزهق من العمل الذي ينساب أمامك في سهولة ويسر، إيقاع شديد السرعة، أحداث لا تنتهي فيها الحبكة الدرامية ولا الصراع بين الشخصيات.

أهم ما يميز العمل الدرامي التركي المؤسس عثمان هو النص الدرامي الذي كتب بدقة شديدة حتى أنك تقف أمام كل مشهد في الحوار الدرامي، ولا تستطيع أن تتغافل عن الحوار في مشهد درامي واحد.

استطاع فريق البحث والإعداد أن يقدم قماشة درامية رائعة لكتاب الحوار والسيناريو فقدموا عملًا تلفزيونيًا مليء بالتشويق والإثارة، وعندما يجد المخرج أمامه مثل هذا النص فإنه يبدع في تقديم عمل درامي مميز.

ينتهي هذا بإيقاع العمل الذي هو أهم مرحلة في مراحل العمل الدرامي، هكذا جعلني فريق العمل في متابعة دقيقة لا تتوقف لأربعة أجزاء من العمل الدرامي، خلال فترة زمنية قصيرة.

حصار الحلم شرقًا وغربًا

كان على عثمان أن يواجه الكثير من الأعداء سواء داخل قبيلته التي تضم بداخلها عمه شقيق الغازي أرطغول الذي يجد فيه البيزنطيون لقمة سائغة بأطماعه في سيادة قبيلة الكابي، والسلطة على قبائل حدود الدولة السلجوقية، والنفوذ من خلال التجارة معهم، فيتعامل مع جواسيس الدولة البيزنطية، الذي يقفون ضد حلم عثمان في بناء دولته على حدود القسطنطينية.

في الوقت ذاته هناك أحد الأسياد الذي هو في الأصل صليبي اندس وسط القبيلة حتى صار أحد الأسياد بعد 20 عامًا من التنكر داخل القبيلة، ثم يواجه عثمان العديد من هؤلاء الذين يدينون بالولاء والإخلاص سواء للصليبين في القسطنطينية، أو المغول في الشرق من أبناء قبائل الحدود التي يتطلع عثمان لتوحيدها في سبيل إقامة دولته.

وكان على عثمان أن يبحث عن هؤلاء داخل قبيلته وفيما حوله من القبائل لكي يستطيع مواجهة الدولة البيزنطية في الغرب، والمغول في الشرق، ففي كل غزوة وحملة من حملاته يجد المعلومات عن الحملة قد سربت، وأوقعت الكثير من الشهداء.

استمرت حلقات الجزء الثاني من العمل ما بين تطهير قبيلته، والقبائل المحيطة من الخونة، ورغم العدد الكبير من الشهداء والضحايا نتيجة الخيانة، إلا أن عثمان استطاع بعد جهود مضنية أن يطهر القبائل التي كونت البذرة لتكوين الدولة العثمانية من مجموعة قبائل الحدود الغربية مع القسطنطينية.

المغول يسيطرون على الشرق

كان المغول يسيطرون على الدولة السلجوقية في قونيا التي يقودها السلطان مسعود آخر سلاطين الدولة السلجوقية، ووصل المغول إلى جعل وزير الدولة أحد عملائهم داخل القصر، وعندما بدأ السلطان يسعى لتحرير رقبة دولته من المغول بمساعدة عثمان يتآمر عليه المغول وزوجة أخيه وابنه ليخلعوه، ويحتجزوه في القصر، ويجعلون ابن أخيه علاء الدين سلطان الدولة السلجوقية، وتقف السلطانة الأم مع المغول ضد حلم الدولة التي يسعى إليها عثمان، ثم تتطور الأحداث ليتحالف المغول والسلطانة الأم مع الصليبين في مواجهة عثمان الذي رأيا خطرًا عليهم جميعًا.

هكذا يواجه عثمان المؤسس الدولة التي ينتمي إليها وهي تتحالف مع المغول الذين لا يتوقفون عن سفك دماء المسلمين، فحصار عثمان من الشرق يأتي من دولته التي تنتمي إليها القبائل الحدودية التركية، وبينما هو يسعى إلى تأمين الحدود مع القسطنطينية، ومد حدود دولته بما يقوم به من فتح القلاع المسيحية في الأراضي التركية تأتيه هجمات المغول من الشرق.

يجد حكام القلاع في السلطانة الأم وقادة المغول القادمين من الشرق بأطماعهم في ثروات القبائل التركية هدفًا سهلًا لمساعدتهم في القضاء على عثمان الباحث عن العدالة ونصرة المظلومين، الذي فتح العديد من قلاعهم وولاياتهم التي يحتلونها في الأراضي التركية.

الغرب الصليبي وعداؤه الممتد

تقف الدولة البيزنطية في الجانب الغربي من الدولة التي يسعى عثمان لتأسيسها محاصرين الحلم واستقلال القبائل الحدودية التركية، وتتعدد المعارك التي يخوضها عثمان مع حكام القلاع ويستطيع بعد معارك عديدة وصعبة الاستيلاء وفتح قلاع عدة.

رغم أن القسطنطينية والدول الصليبية، والكنيسة تحشد القادة الأمهر والجيوش التي تتألف من أقوي جنود الدول المسيحية، ورغم تجذرهم داخل القبائل بعملائهم وجواسيسهم، التي وصلت إلى أهم الرجال سواء بين سادة القبائل، أو بين رجال الدين، بل وصل الأمر إلى أبناء سادة القبائل المرشحين للصعود مكان آبائهم إذا تم التخلص منهم.

مع توالي انتصارات عثمان وفتحه للقلاع الموجودة في الأراضي التركية تبدأ الكنسية في تكوين حملة كبيرة أطلقت عليها الحملة الصليبية للقضاء على عثمان، وتحركت الجيوش تواجه القبائل التركية بعد اتساع جيش عثمان الذي أصبح راية الدفاع عن الإسلام والعدالة، ليتم القضاء على الجيش الصليبي، وتبدأ مرحلة جديدة بإعلان عثمان دولته على الحدود الغربية للدولة السلجوقية بمساعدة السلطان مسعود، لتبدأ أحداث الجزء الخامس بوفاة السلطان مسعود، ليواجه عثمان مأزقًا جديدًا في بناء دولته.

لا يبدو تقديم مثل هذه الأعمال فقط لمجرد الاعتزاز بالتاريخ ولا تخليد هذه الأحداث والشخصيات، ولكن تأثير هذه الأعمال على الأجيال الجديدة في تركيا أو خارجها يبدو واضحًا في توجهات الشباب والأطفال في تركيا، ومن حسن الفأل أن تبدأ مجموعة قنوات “TRT” في منتصف الشهر الماضي عرض مسلسل صلاح الدين الأيوبي وهو العمل الذي بدأ عرضه مع بداية “طوفان الأقصى”.

ألم أقل إن هناك عقلًا حكيمًا فيما تقدمه الدراما التركية؟

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان