الملثم.. حسب التوقيت المحلي لأبي عبيدة

لا يتوقف تدفق الأخبار القادمة من غزة وفلسطين وساحات المقاومة والحرب على مدار الساعة، لا نستطيع أن نغمض أعيننا إلا إجهادا من الألم والتعب في ظل تدفق الأخبار عن تلك المجازر التي تقوم بها قوات الكيان الصهيوني على غزة وفي مخيماتها وبعض مناطق الضفة الغربية في محاولة مسعورة للحصول على صورة انتصار يمحي ما حدث فجر اليوم السابع من أكتوبر/تشرين الماضي، هذا الانتصار الذي سيكون له ما بعده في تاريخ المقاومة الفلسطينية، ولن يستطيع الكيان الصهيوني أن يمحو آثاره طويلا إن بقي له عمر “طويل”.
وتأتينا أخبار المقاومة في غزة مدققة ومصورة لتثلج قلوبا أرهقها الألم والحزن، وحسنا تفعل كتيبة الإعلام في كتائب القسام وحماس حينما تستخدم كل وسائل التوثيق الحديثة فيما تعلنه من معارك وبطولات، وها هو فيديو (المسافة صفر) يصبح عنوانا للبطولة والتخطيط والتدريب وأيضا التوثيق الإعلامي الذي ينهي كل محاولات النفي أو التكذيب لدرجة أن أصبح عنوانا في كثير من وسائل الإعلام العالمية.
أصبح من الضروري في مواجهة آلة إعلامية عالمية ضخمة ألا تدع فرصة للتشكيك فيما تقوله وتنشره، ومن هنا تأتي مصداقية المقاومة وكسبها للرأي العام كل يوم وكل لحظة. ففي مواجهة الكذب الصهيوني الذي ملأ الأرجاء في الأيام الأولى للحرب المسعورة، يأتي صدق إعلام المقاومة وتوثيقه لكل جرائم الكيان الغاصب، وبطولات وصمود أبطاله وشعبه، ويأتي صوت الملثم أبي عبيدة.
صوت الحق ولسان صدق
كلما أعلن عن بيان للمتحدث الرسمي للمقاومة الفلسطينية في غزة حماس توقفت ساعات العالم في انتظار ما يقوله أبو عبيدة: هذا الصوت الذي تحمل نبرته الصدق بقدر ما يصل إلى عقل المستمع. هذا الصوت الذي تحمل نبرته الصدق بقدر يصل إلى عقل المستمع وقلوب المشتاقين من الجماهير العربية وفي العالم كله والذين يتطلعون إلى من يطمئن القلوب أن هناك رجالا وأبطالا يحملون الحق ويملأ الإيمان قلوبهم بعدالة قضيتهم.
الملثم هادئ النبرة والصوت فيما يقدمه من معلومات دقيقة، أفكاره مرتبة في تدفقها فلا يدع لك في دقائقه القليلة مجالا للبحث وراء صدق ما يقوله. لغته العربية سليمة كعادة أغلب أهل فلسطين، يدرك أن لكل كلمة معناها ويقصد الغرض منها. وإضافة إلى ذلك صوت شاب يصل إليك دون صعوبة، لذا أصبح المشاركون له في قضيته من خارج فلسطين يقولون: فلينتظرنا العدو حسب التوقيت المحلي لأبي عبيدة.
هذا الصوت القادم من قلب البطولات والصمود الفريد لشعبنا في فلسطين بصورته الملثمة أصبح مثلا لأطفال عرب وفي العالم.
هذا الملثم التي لا تستطيع كل أجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية الوصول إلى صاحبه ولكنه أصبح ملء السمع منذ سنوات، وقد استطاعت بيانات أبي عبيدة أن تهزم كل وسائل الكذب الصهيونية. وحتى سيطرة الكيانات الصهيونية والأمريكية على وسائل التواصل مثل: فيس بوك واليوتيوب لم تستطع أن توقف زحف بياناته وتداولها بين الشعوب، وكذلك من المؤكد أن كل أدوات آلة الإعلام الصهيوني لا تستطيع أن تقف أمام صدق ما يقوله.
الملثم هو النموذج الذي يمحي كل آلات الكذب على مدار التاريخ، فهو يدرك صدق قضيته وصدق مقاتليه وما يفعلوه فتجيء بيانات صادقة، فهو لا يشبه أحدا ممن سبقوه من المتحدثين الرسميين أثناء المعارك. لا تهويل في البيانات، لا أصوات زاعقة، لا تهديد بمحو العدو، بل حقائق وبيانات ورسائل، لقد شاهدنا على مدار التاريخ في كل مكان نماذج لمثل هؤلاء ولكن لأن القضية عادلة والمقاومة قادرة وتجيد إدارتها التخطيط والعمل فقد اختارت صوت الحق صادقا، هادئا يصل إلى عقل وقلب من يسمعه.
بين بيان الملثم وخطاب الساسة
قد تختلط بعض الأمور لدى البعض حينما يسمعون لأحد السياسيين من قادة المقاومة سواء في حماس أو في لبنان، وتذكر لبنان هنا لأنها طرف في معركة طوفان الأقصى منذ أيامها الأولى حسب تصريحاتها، وهناك عشرات الشهداء في صفوفها، وقد كان لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في عدة قنوات تليفزيونية، وكذلك كان خطاب السيد حسن نصر الله الموجه إلى العالم منذ يومين.
في الحالتين كانت التوقعات كثيرة وكبيرة من الجماهير العربية والإسلامية ولهم بعض الحق فما يحدث في غزة وفلسطين تعدى مراحل السياسة إلى مناطق القتال. وبينما تقاتل كتائب القسام وحماس في فلسطين بقوة وشراسة وتمنع الكيان الصهيوني من تحقيق أي انتصار ولو زائف خلال 28 يوما فإن الأمل في المقاومة في جنوب لبنان ليس على قدر توقع الجماهير العربية.
من يدقق في لقاءات هنية وفي خطاب السيد حسن نصر الله بمنطق بعيد عن حالة التعبئة الحماسية سيجد أن الرجلين يقدمان رسائل سياسية هامة وذات معنى وقيمة للمعركة وللسياسة، فليس لهما أن يعلنا كل ما يفكران به للعامة.
لذا تجيء خطابات الساسة مختلفة عن بيان المتحدث العسكري أبي عبيدة، فلكل وظيفته التي يؤديها في إطار معركة طويلة النفس.
أبو عبيدة يدرك وتعي قيادته أن صدق بياناته ودقة رسائله من خلال موقعه هي أداة وصوله لجماهيره وشعبه، وهم أيضا يدركون تأثير القيادات السياسية على تلك الجماهير، لذا تأتي خطابات ولقاءات الساسة لتلائم عالم متسع وتتعارض فيها المواقف وتختلف من دولة إلى أخرى ومن شعوب إلى غيرها، والوصول إلى تلك الجماهير يتطلب جهدا كبيرا من الساسة لأجل كسب المعركة.
نستطيع أن نقول إن قيادة معركة طوفان الأقصى الدائرة حتى الآن وتحقق فيها انتصارا سيكتب في تاريخ المقاومة وفلسطين والأمة العربية تدرك أهمية كل كلمة وكل بيان يخرج من طرفها، وتدير معركة الكلمة كما تدير القتال بمهارة كبيرة وإبداع عسكري دقيق، وعلينا أن ندرك أنها خطوة كبيرة في سبيل التحرير الكامل لأرض فلسطين من البحر إلى النهر، ولكن على الجماهير العربية أن تكون صاحبة نفس طويل الآن وفي الغد للوصول إلى النصر الكامل.