المسافة صفر.. قول الرجال وفعل الأبطال

كتائب عز الدين القسام تتدرب مع الطائرات الشراعية استعدادا لهجوم جوي مسلح (رويترز)

 

الكيان الصهيوني يبدأ كل عدوان بسلاح الجو، ويؤخر التدخل البري، وقد لا يتحرك برياً، أو لا يستكمله، ثم يدّعي أنه حقق أهدافه من الحرب، حدث ذلك في الاعتداءات الخمسة على غزة قبل العدوان الوحشي الحالي.

وفي الاعتداء على لبنان وحزب الله عام 2006 حاول التقدم بقواته في جنوب لبنان بعد القصف المكثف على بيروت، لكنه فشل في الحرب البرية، وبعد شهر من الحرب اضطر للقبول بوقف النار بإيعاز من الأمريكي الذي أيقن أن حليفه مهما فعل لن يُحرز تقدماً على الأرض.

المؤكد أنه لا قدرة للكيان على الحرب البرية الطويلة بسبب تكبده خسائر كبيرة فيها، وهو لا يتحمل ذلك؛ جيشاً وحكومة ومجتمعاً، وإذا تدخل برياً فإن العملية تكون خاطفة وعلى أطراف المنطقة التي يعتدي عليها ويسبق ذلك قصف شديد وإزالة كل ما في طريقه حتى يتحرك في ساحة مكشوفة بغطاء جوي ومدفعي.

والخسائر التي تعرض لها في غزة من المقاومة في الالتحام المباشر على الأرض كانت ضمن أهم عوامل انسحابه منها في 2005، وللسبب نفسه كان قد سبق وانسحب من جنوب لبنان عام 2000.

ومصدر قوة الاحتلال هو سلاح الجو والقصف الأعمى، والمقاومة تفتقد لهذا العنصر في المواجهات، فهى ليست جيشاً نظامياً، وهي تعمل في ظروف غاية في الصعوبة والتضييق والحصار والرقابة المشددة من الصهيوني والمحيط العربي وما يصلها من دعم خارجي محدود جداً ويأتي عبر عمليات وطرق طويلة ومعقدة.

فشل دائم في غزة

العدو يفشل دوماً في اقتحام غزة، أو يقوم بتوغل خاطف ثم ينسحب سريعاً، وهو لم يجرؤ على التوغل البري إلى عمق غزة في الأيام الأولى للعدوان الحالي رغم الدمار الهائل الذي يحدثه بالغارات، والاستئساد لا يكون على مدنيين عزل، إنما بمواجهة المقاتلين الذين أذلوه يوم 7 أكتوبر، وهو في الأسبوع الخامس للعدوان لم يُحرز أي نصر، هل المجازر وقصف البيوت على ساكنيها والمستشفيات والمدارس والمخابز وصهاريج المياه ورجال الإسعاف والدفاع المدني هو النصر عنده؟ هو نصر الجبناء الأنذال.

والصهيوني يختبر قدرته على التوغل البري في غزة منذ عشرة أيام، لكنه يُواجه برد قوي من المقاومة، وهجوم منها كذلك، تجعله يتحرك ببطء، ويتعرض لخسائر كبيرة في الجنود والعتاد، والمقاومة تضربه من المسافة صفر، وتفجر آليات يتفاخر بأنها مُحَصّنة، وهو يقوم بتعويض الإخفاق البري بالقصف الجوي العنيف وبأسلحة مُحَرّمة دولياً.

المسافة صفر

والمسافة أو النقطة صفر مصطلح مُدهش كاشف عن تطور القدرات القتالية للمقاومة، وبسالتها وانقضاضها المفاجئ المباشر على العدو، وإنزال مزيد من الرعب في صفوفه، وتدفيعه خسائر لم يكن يتوقعها، لهذا يصف الحرب البرية بأنها صعبة وقاسية وطويلة، وأن خسائره فيها مأساوية، وأحد وزرائه المتطرفين يدعو لإزالة غزة من الوجود بقنبلة نووية، وهذا الجنون يعكس اليأس الذي يعيشونه من صعوبة تحقيق أهدافهم.

انتصار على أجساد المدنيين

البطولة الحقيقية عندما يكون طرفا المواجهة لديهما نفس القدرات العسكرية، وليس أن تكون الموازين غير متكافئة، وتميل تماماً لصالح طرف مدعوم دون سقف من رعاته في أمريكا والغرب، بينما الطرف الآخر، الذي هو في دفاع شرعي حقيقي عن النفس وعن شعبه المقهور وأرضه المغتصبة، لا يمتلك قوة عسكرية ومحروم من التسليح، ثم يردد من يمتلك ترسانة عسكرية هائلة بأنه لابد من الانتصار، فأي انتصار خسيس يكون على أجساد المدنيين؟!

الصهيوني لا يقاتل المقاومة رجلاً لرجل، فهو يدرك أنه لا طاقة له بذلك رغم أن عناصره تتحصن في الدبابات والمدرعات ولا تتحرك على الأرض منفردة، وهزيمته شبه محتومة في الحروب البرية، والاختبار الحقيقي للجيوش في الحروب هو القتال البري الصريح المباشر؛ مقاتل أمام مقاتل، وعزيمة بمواجهة عزيمة، وعقيدة عسكرية وإيمانية تضارع عقيدة أخرى.

الإيمان بالحق

ورغم أن المقاومة لا تمتلك القدرات العسكرية التي تتوفر لجيش الاحتلال، والمقارنة صعبة، فهى تميل تماماً لصالح المحتل، إلا أن لديها الميزة الأهم التي لا تتوفر له وهى القتال من منطلق الإيمان بالحق، إما النصر أو الشهادة، كما تمتلك اليقين الثابت بأنها صاحبة حق وجودي أصيل في الأرض التي تقف عليها، فإما تحررها أو تُدفن فيها، فهى وشعبها لا يمتلكون أرضاً ووطنا آخر، والمقاوم الفلسطيني ليس مستوطناً في أرضه، ولا مغتصباً له، ولا وافداً عليه، بعكس المحتل القادم من مختلف دول العالم دونما صلة له أو لأجداده بالتراب الذي يسرقه بقوة السلاح والتآمر الغربي والتخاذل العربي.

الالتحام البري

العدوان يقترب من بدء الأسبوع السادس ولا يزال يصب نيراناً هائلة غير مسبوقة في تاريخ الاعتداءات على الفلسطينيين، أو في حروبه مع الجيوش العربية، ورغم أنه يدمر أحياء كاملة في غزة، ويسفك دماء غزيرة إلا أنه ظل متردداً في الدخول البري، وأمريكا شريكه في العدوان لا تحبذ تدخلاً واسعاً  لنتائجه التي قد تكون كارثية على حليفها، والمقاومة تجد الآن فرصتها في الالتحام الأرضي والجسارة والمباغتة من أمامه وخلفه ومن تحت الأرض كما شاهدنا في تدمير الدبابة (ميركافا)، فخر صناعته العسكرية، من المسافة صفر، وهذه العبارة قول الرجال وفعل الأبطال.

تضحيات الشعب الفلسطيني مؤلمة وعظيمة، لكن ما العمل مع محتل توفرت فيه كل صفات البربرية والهمجية، وهي تضحيات لابد منها لأجل العيش بحرية وكرامة.

والعدو يسعى بكل السبل لاجتثاث الفلسطينيين من أرضهم، والشعب والمقاومة هم الحائط الصلب الذي تنكسر عليه كل مطامعه وأهدافه منذ 75 عاماً، وبدون هذه المقاومة بالأمس واليوم لكانت فلسطين انتهت منذ عقود طويلة، ولم يكن هناك اليوم شعب ووطن فلسطيني حي جبار يستحيل شطبه من الواقع والخريطة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان