المقاومة باقية رغم أنف المتخاذلين
منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى والقيادات الإسرائيلية مدعومة بالتأييد الأمريكي والغربي السافر، تتوعد بالقضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، مع الاستمرار في القصف الإجرامي للمدنيين دون اعتبار لأرواح الآلاف من الأطفال والنساء، ودون تفريق بين البيوت والمنشآت الصحية والتعليمية والخدمية.
وبعد مرور أكثر من شهر على بدء طوفان الأقصى، وحوالي أسبوعين من بدء العمليات البرية المدعومة بالقصف الجوي والبحري، يظل السؤال هل نجحت اسرائيل المدعومة بالغرب في القضاء على المقاومة؟
الإجابة تتمثل فيما تقوم به المقاومة من استمرار تدمير للدبابات والآليات العسكرية، والعمليات النوعية خارج السور الإسرائيلي المحيط بغزة، والمزيد من القتلى من الجنود الإسرائيليين، الذين لا تعترف السلطات الإسرائيلية سوى بعد قليل منهم، لكن ما يتسرب من أخبار من المستشفيات الإسرائيلية القريبة من غزه تشير إلى وجود أعداد أكثر من القتلى، وهو ما سيتضح عندما تنتهي الحرب ويبدأ التحقيق في مجرياتها للبحث عن أسباب الإخفاق الإسرائيلي منذ بداية العمليات.
وهكذا لم يتحقق للإسرائيليين هدف القضاء على المقاومة في غزه، بدليل استمرار إطلاق صواريخها وعملياتها على مناطق غلاف غزة وعلى مدن اسرائيلية رئيسية، كما لم يتحقق لها الوصول إلى مكان أسراها، ولا نقول تحريرهم كما استهدف القصف الجوي الذي لم يتوقف على مدار الساعة، كما لم يتحقق لإسرائيل هدف الوقيعة بين سكان غزة والمقاومة، إذ استمر الصمود والتضحية والإصرار على البقاء رغم ارتفاع أرقام الشهداء لأكثر من عشرة آلاف وخمسمائة، وعدد المصابين لأكثر من 26 ألف شخص.
متغيرات سلبية بالجانب الإسرائيلي
ورغم خروج أكثر من نصف المنشآت الطبية من الخدمة، واستمرار الحصار البري والجوي والبحري ومنع الوقود، والسماح بقدر قليل من المساعدات الغذائية والطبية والذي لا يفي بالاحتياجات المعيشية اليومية المطلوبة.
وهكذا يمكن القول بشكل عملي مستند على الوقائع العملية على الأرض أن المقاومة مستمرة، وأن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامية مستمرة، بل يمكننا القول إن المقاومة ستستمر خلال الشهور المقبلة حتى دحر العدوان وتبادل الأسرى، رغم أنف المتخاذلين والحروب النفسية والتصريحات المتشددة من الجميع.
ونستند في توقعاتنا إلى السوابق التاريخية، حينما توالت تصريحات القيادات الإسرائيلية خلال الحروب السابقة في غزة، باستهداف القضاء على المقاومة وهو ما لم يحدث، بل كانت القدرات العسكرية تشهد تطورا نوعيا في كل مرة، وكانت مجريات عملية طوفان الأقصى وما تلاها شاهد عملي على ذلك.
ويعزز ذلك أن تلك التصريحات قد سبق تكرارها مع حزب الله في الجنوب اللبناني بالقضاء عليه عام 2006 وهو ما لم يتحقق، كما كررته الولايات المتحدة مع طالبان في أفغانستان وهو ما لم يتحقق أيضا.
سيقول البعض ولكن العمليات العسكرية هذه المرة أكثر كثافة وضراوة والدعم الأمريكي والغربي أعلى، وهو أمر صحيح لكن هذا الدعم الأمريكي الواسع يشير في نفس الوقت إلى اهتزاز الثقة في القدرات العسكرية الإسرائيلية، وها نحن نشهد ترحيل سكان مستوطنات غلاف غزة إلى مناطق أخرى، وهو نفس ما حدث لسكان المناطق الإسرائيلية قرب حدودها مع لبنان، وهو ما يعني تضرر الجانب الإسرائيلي أيضا..
وهو الضرر الذي سيتزايد مع طول أمد الحرب على الجوانب الاقتصادية والصناعية والسياحية، في ضوء استمرار تجنيد أكثر من 300 ألف من جنود الاحتياطي القادمين من مختلف أشكال النشاط الاقتصادي، إلى جانب تغيير الصورة النمطية التي سعت إسرائيل لتكوينها عبر عقود كواحة للاستقرار، وكوسيلة لاستقطاب المهاجرين اليهود كي يزيد عددهم عن عدد العرب في ضوء توازن العدد بين الجانبين حاليا.
تخاذل الموقف العربي منذ حرب 2006
وهكذا سيتسبب طول أمد الحرب في انخفاض -وربما- توقف الهجرة الواردة لإسرائيل لفترة. وعلى الجانب الآخر فمن المتوقع أن يساهم طول فترة الحرب وكثرة ضحاياها وتوسع المجال الجغرافي لآثارها، في هجرة معاكسة من إسرائيل إلى الخارج في ظل حمل الكثير من السكان لجنسية أخرى بخلاف الجنسية الإسرائيلية.
ومن الطبيعي أن يعيد المستثمرون الأجانب حساباتهم عند اتخاذ قرار الاستمرار في الاستثمار، داخل اسرائيل مع استمرار الآثار السلبية للحرب، إلى جانب تباطؤ قرارات الاستثمار الجديد بها، سواء الاستثمار الأجنبي أو غير المباشر.
وكلما طال أمد الحرب المقرونة بتواصل الاعتداءات الوحشية على المدنيين، فإن الصورة النمطية التي سعت إسرائيل لتكوينها باعتبارها واحة للديمقراطية بالشرق الأوسط ستتأثر، وها هي وسائل التواصل الاجتماعي قد تسببت في ردود أفعال رافضة للهمجية الإسرائيلية، بالعديد من عواصم الدول الغربية المساندة للعدوان الإسرائيلي، في شكل مظاهرات حاشدة رغم تجريم إبداء التعاطف مع فلسطين ببعضها، الأمر الذي دفع الكثير من وسائل الإعلام الدولية لإعادة النظر في المضمون المنحاز، لوجهة النظر الإسرائيلية خلال تغطيتها للأحداث.
وربما سيقول البعض ولكن الدول العربية محجمة عن مساعدة المقاومة في فلسطين رغم المجازر التي تتعرض لها، وهنا نشير إلى أن الموقف العربي ليس بجديد وقد سبق اتخاذه بالحروب السابقة التي تعرضت لها غزة بالسنوات الماضية، ونفس الأمر حدث مع التعسف في فتح مصر لمعبر رفح، بل إن بعض الدول العربية قد اتجهت للتطبيع دون اعتبار للحصار الإسرائيلي على غزه بريا وبحريا وجويا منذ عام 2007 وحتى الآن، لكن هناك مشاركة من حزب الله بمناوشات بالجنوب اللبناني، ومقاومة لفصائل عراقية لمواقع أمريكية بالمنطقة.
ونفس الأمر شبه المحايد يمكن تعميمه مع الموقفين الروسي والصيني، الذي يكتفي ببعض العبارات الدبلوماسية لإحداث بعض التوازن، نكاية في الولايات المتحدة، لكنها لن تتخطي ذلك إلى مواقف عملية مؤيدة للجانب الفلسطيني مثل الإمداد بالسلاح، لأنها تخشي من تكرار نموذج المقاومة في أراضيها من قبل الأقليات المسلمة التي تعاني من التعسف معها.
وعود اتفاق أوسلو 1993 لم تتحقق
وهكذا اعتمدت المقاومة الفلسطينية على سواعدها وقدراتها الذاتية، إذ يروي أحد قادة حماس أنهم في عام 1992 حصلوا على بندقية، ونظرا لصعوبة حصولهم على السلاح حينذاك، فقد تنقل استخدام تلك البندقية نفسها في ثلاث مدن فلسطينية خلال عمليات ضد العدو الإسرائيلي. كما بدأ الشهيد يحيى عياش في تصنيع عبوات بدائية من المتفجرات عام 1992. وخلال الثلاثين عاما الماضية تطورت الصناعة المحلية للسلاح فيما يشاهده الجميع من صواريخ وقذائف وطائرات مسيرة وغيرها بالحرب الجارية حاليا.
كما تعتمد المقاومة الفلسطينية على الشعب الفلسطيني في غزه والضفة، وها هي نتائج الإجرام الإسرائيلي مع سكان الضفة الغربية منذ بداية عملية طوفان الأقصى، والتي بلغت حتى كتابة تلك السطور 163 شهيدا و2280 معتقلا، بخلاف من استشهدوا واعتقلوا خلال العام الحالي قبل طوفان الأقصى، وذلك على الرغم من الموقف المخزي للسلطة الفلسطينية التي تستخدم قواتها الأمنية لحماية إسرائيل.
لكن غالب الشعب الفلسطيني صار م المقاومة بعد أن يئس من المفاوضات العبثية، منذ نتائج مؤتمر السلام في مدريد 1991 واتفاق أوسلو برعاية الولايات المتحدة عام 1993، لتكوين دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وحل مشاكل عودة اللاجئين والمستوطنات والقدس والمياه والحدود، لكن شيئا من ذلك لم يحدث رغم تعدد المبادرات الأمريكة والغربية طوال الثلاثين عاما الماضية، ليقتصر الأمر على سلطة منزوعة الصلاحيات لا يستطيع رئيسها التحرك داخل مناطق الضفة الغربية التي يشرف عليها دون التنسيق مع الجانب الإسرائيلي.
وهكذا أدرك غالب الفلسطينيين أنه لا فرق بين حكم الأحزاب الإسرائيلية المختلفة، فيما يخص قضيتهم بداية من حزب العمل إلى الليكود إلى كاديما الي الأحزاب الدينية، ولا فرق بين الرؤساء الأمريكيين في درجة انحيازهم لإسرائيل سواء جاءوا من الحزب الديموقراطي أو الجمهوري.
وجاءت الحرب الأخيرة لتثبت أن الدول الغربية سواء ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا أو إيطاليا أو غيرها، منحازة لإسرائيل، حتى سويسرا التي تدعي الحياد قد أعلنت مؤخرا حماس منظمة إرهابية، ليصبح الاعتماد على قدرات الفلسطينيين هو الأساس مع ضعف الثقة في المواقف الدولية سواء من الجانب الغربي سافر العداء أو الشرقي الذي يقدم مجرد عبارات دبلوماسية.