ماذا عن مستقبل إسرائيل بعد الحرب؟

وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في أنقرة ضمن جولاته المكوكية (الأناضول)

 

(1)  فشل بلينكن

فشلت جولة وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” إلى الشرق الأوسط إذ لم يستطع أن يقنع المسؤولين الذين التقاهم في رام الله والأردن والعراق وتركيا، بالسيناريوهات الأمريكية المقترحة لما بعد حماس.

هناك رؤية محددة تم طرحها من الجانب العربي لا تستطيع أمريكا حتى الآن الضغط على إسرائيل لتنفيذها وهي حل الدولتين. الإقرار بوجود دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وبحدود معروفة وليس لإسرائيل وصاية عليها هو البداية الصحيحة لأي حديث عن استقرار المنطقة.

كل من قابلهم الوزير الأمريكي من خارج إسرائيل، طالبوا أمريكا بالتدخل لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية لغزة دون قيود وهو ما ترفضه أمريكا رسميا وعلنا، في المقابل لم يقدم “بلينكن” سوى وعد غير مؤكد بهدنة إنسانية ونصح إسرائيل بأن تكون أكثر حرصا عند قتل المدنيين، فهو لم يتحدث عن وقف المجازر بحق المدنيين في غزة لكن فقط تقليل أعداد القتلى والمصابين!

فشل بلينكن أيضا في محاولته لتمرير صفقة لتحرير الرهائن المدنيين لدى حماس، وهي أحد الملفات المهمة لدى الإدارة الأمريكية. ” بلينكن “عاد بخفى حنين، ولكن الإدارة الأمريكية قررت الدفع بـ”ويليام بيرنز”مدير الـ (سي آي إيه) للمنطقة لعله ينجح فيما فشل فيه “بلينكن”، وبدأ جولته بإسرائيل، وسيقوم بعدها بزيارة إلى مصر والأردن وقطر والإمارات ودول أخرى في الشرق الأوسط طبقا لما نُشر. الإدارة الأمريكية لم تكن مستعدة لهذه الحرب المفاجئة، تركيزها منصب علي الحرب الحالية في اوكرانيا والمستقبلية مع الصين، جاء طوفان الأقصى ليعطل مشاريع كثيرة لإسرائيل في المنطقة ويعرقل مشاريع أمريكا في العالم، والأخيرة لا تريد أن تنزلق لحرب مباشرة مع إيران يمكن أن تتوسع في حال دخول حلفاء لإيران للدعم والمساندة، بل هي تغض البصر عن تهديدات إيران وتحرشها اللفظي بأمريكا، وتنفي رسميا ضلوعها المباشر في العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال والتي تنطلق من غزة وجنوب لبنان واليمن وكذلك العمليات ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وتنصاع للرواية الرسمية الإيرانية بأن حركات المقاومة في تلك البلدان لا تأخذ تعليمات من طهران ولا تأتمر بأوامر المرشد. أمريكا “جو بايدن ” المرتبكة” تتعثر في سياساتها الخارجية.

(2) العقوبات الأمريكية لم تعد تخيف أحدًا

أمريكا اليوم لم تعد التنين الذي يخاف العالم من نيرانه أو من تدمير كامل الأراضي التي يحلق فوقها طيرانها، لكنها أصبحت مجرد فيل ضخم ما زال لديه القدرة على سحق من هو أقل قوة وضخامة لكن رغم ضخامته يمكنه أن يقع بسهولة في فخ بدائي ينصب له على الطريق. العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية التي كانت ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية ككارت ترهيب في وجه الدول المارقة من وجهة نظرها، لم تعد تخيف هذه الدول ولا غيرها، بل استطاعت هذه الدول أن تفلت من العقوبات وتتعايش معها وتقيم تحالفات جديدة تنقذها من قبضة أمريكا الخانقة، وأشهر هذه الأمثلة: كوبا، كوريا الشمالية، إيران ومؤخرا روسيا.

ما زالت أمريكا هي اللاعب الأهم على الساحة الدولية، ولا يمكن إنكار قوتها العسكرية والاقتصادية وهيمنتها على معظم الوكالات الدولية، لكنها ليست الوحيدة التي تستطيع أن تصل لمرمي خصومها ومنافسيها، فهناك تكتلات إقليمية ودولية تتشكل كمنافس لها استطاعت خلال العقد الأخير أن تثبت وجودها على الساحات الإقليمية والدولية ونجحت في عرقلة العديد من الخطط الأمريكية المدعومة من حلفائها، عدم تحقيق انتصار ساحق في أوكرانيا حتى الآن رغم الدعم الأمريكي والغربي غير المسبوق أقوى دليل علي ذلك. تخشى أمريكا على صورتها ومكانتها مما يحدث في غزة الآن، لذا تسارع بالحديث عن ما بعد حماس، وكأن سحق حماس مضمون 100% وتحصيل حاصل، وتتناسى فشلها في أفغانستان علي يد حركة طالبان التي اضطرت في النهاية للجلوس معها علي مائدة المفاوضات وهي التي ظلت لسنوات تصنفها إرهابية.

(3) مستقبل إسرائيل بعد الحرب

لا يتطرق أحد لمستقبل إسرائيل بعد الحرب، وما يجب أن تكون عليه سياسة من يحكمها ليستطيع أن يعيش الإسرائيليون في أمن وأمان في وجود الفلسطينيين، وكيف يمكن إعادة تأهيل المستوطنين الإسرائيليين وأحزاب اليمين المتطرف لتغيير سلوكهم الفظ وترويضهم ببرنامج إصلاحي نفسي ليصبحوا أشخاصا أسوياء قادرين على التعايش السلمي مع الفلسطينيين جنبا إلى جنب دون غطرسة أو عنف أو رغبة في الاستيلاء على أملاك غيرهم. لم أسمع أحدا من المسؤولين الأمريكيين يتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن ذلك، ولا حتى القادة العرب عرضوا هذا الأمر علي وزير الخارجية الأمريكي الذي تحدث كثيرا وطويلا عن ضرورة القضاء علي حماس. أمريكا هدفها الوحيد ليس إرساء السلام في المنطقة لكن تمهيد الأرض أمام إسرائيل العظمي حتى لو استدعي ذلك إبادة الشعب الفلسطيني بأكمله، ولا مانع من سكب بعض دموع التماسيح لإبداء التعاطف الكاذب حول قتل الأطفال والنساء والمدنيين العزل في غزة.
البعض منا نحن العرب يعتقد أن نهاية حماس ستكون نفس نهاية ياسر عرفات حين خرج من بيروت في ثمانينيات القرن الماضي، لكنني أستبعد تكرار هذا السيناريو، فحماس من أهل غزة وغزة هي وطن حماس، ليس لها وطن غيره فهم ليسوا ضيوفا لكن أصحاب أرض وحق.
وهناك نقطة أخرى ليس لها علاقة بانتصار الحق علي الباطل ولا بمقولة “دولة الظلم ساعة ودولة العدل لقيام الساعة”، لكن لها علاقة بما يحدث حولنا: أمريكا وحلفاؤها، لم يعودوا اللاعب الأوحد علي الساحة الدولية، حرب غزة تأتي في توقيت مدروس بعناية ودقة، والساحة الإقليمية والدولية تشهد تعقيدات بالغة الصعوبة والتشابك، فلا يمكن السماح بانتصار حماس ولكن لا يمكن أيضا الموافقة علي تدميرها وخروج جيش الاحتلال المدعوم من أمريكا والغرب منتصرا.. إنها حلقة من حلقات الصراع بين المعسكر الغربي ومنافسيه ينتقل من أوروبا إلى الشرق الأوسط ولا يمكن التنبؤ الدقيق بنتائجه.

المصدر : الجزيرة مباشر