كيف هز السابع من أكتوبر عرش الصهيونية؟

مظاهرات في نيويورك ضد العدوان على غزة (الفرنسية)

وسط هتافات تصدح بها حناجر شباب وفتيات في أحد أحياء نيويورك “فلسطين حرة” تظهر أصوات غاضبة من وسط هذه المظاهرة متنوعة الأعراق تطالب أحد اليهود الذي قدم إلى المظاهرة مرتديًا القلنسوة اليهودية بالتنحي بعيدًا، كان المتظاهرون من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية يرتدون الكوفية الفلسطينية ويطردون الشاب من المظاهرة مؤكدين أنه جاء لاستفزازهم، قال أحدهم هذه مظاهرة لدعم الشعب الفلسطيني ماذا تفعل هنا؟ لكن الشاب اليهودي كان يردد عبارات استفزازية وعندما وجد نفسه محاصرًا بين غضبهم اضطر إلى الذهاب بعيدًا.

قبل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه من مجازر بحق أبناء غزة، لم يكن أحد يتخيل من مدعي الحرية أو حتى من أكثر الناس تفاؤلًا في العالم العربي والإسلامي أن يرى هذا المشهد الذي ظهر في “فيديو” مصور تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يكن مشهد طرد يهودي لارتدائه (الكيباه) القبعة الصغيرة اليهودية فحسب ما يثير الاستغراب، وإنما خروج مظاهرات بالآلاف في شوارع نيويورك بالتحديد معقل الصهيونية العالمية شعارها “أوقفوا الإبادة الجماعية”، و”فلسطين حرة”.

لا يخفى على أحد أن الصهيونية التي سيطرت لسنوات طويلة على وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية ودفعت المليارات لكسب التعاطف الأجنبي لقضيتها وخاصة قضية المحرقة، الآن باتت في خطر محدق بعد “طوفان الأقصى”، فها هي المقاومة التي ظهرت من تحت الأنفاق السرية في غزة، كشفت أيضًا عن أنفاق الزيف والكذب والتدليس الصهيوني للعالم.

هذا المشهد الذي رأيناه في أحد شوارع نيويورك ليس الوحيد فما يجري في غزة على الأرض قلب السحر على الساحر إذ من المتوقع أن تتسع رقعة الكراهية لليهود والصهاينة بالتحديد خلال الفترة المقبلة ليس في أمريكا فقط وإنما في أوروبا ودولة مثل ألمانيا التي تحاول دائمًا أن تدفع عن نفسها تهمة “الهولوكوست” من خلال الدعم الأعمى للصهيونية في مجازرها وجرائمها.

وقد يتساءل أحدهم: هل هذا التحول العالمي لدى الشعوب في نظرتها للصهيونية مرتبط فقط بما يجري من أحداث حالية؟ بمعنى إذا انتهت الحرب هل ستعود الأمور إلى مجراها وتعود الصهيونية قوية كما كانت؟

الجواب في تقديري أن الصهيونية وصلت إلى نقطة اللا عودة حتى إن انتهت الحرب، فإن ما شاهدته الشعوب خلال شهر ونيف لجرائم الصهيونية، لا يحتاج إلى كثير من الوصف والدعاية أو حتى الحديث، فالصورة تتحدث عن نفسها وتحدث شرخًا وانكسارًا في النصب الصهيوني الذي ظل منذ تأسيسه منذ عشرينيات القرن الماضي، يدعي أنه المظلوم والمكلوم وأنه معقل الحرية والديمقراطية.

 

درع الصهيونية المتين يتفكك

 

يمكن القول بما لا يدعو مجالًا للشك إن ما حدث في السابع من أكتوبر وما بعده لم يكن فقط انتصارًا للمقاومة وللشعب الفلسطيني ونضاله وإنما هو انتصار للحقيقية، الحقيقة المجردة الواضحة الجلية التي لا تشوبها شائبة، حقيقة نظام صهيوني كان متمركزًا لسنوات طويلة وجاثمًا على الحكومات الغربية وخصوصًا الأمريكية.

التفكك في الحركة الصهيونية جاء أيضًا من يهود يعيشون في أمريكا ودول أوروبا أعلنوا صراحة انسلاخهم عن هذه الحركة، فيما تبرأ يهود آخرون من الصهيونية مؤكدين أنها لا تمت لليهود بصلة، كما في مظاهرة أخرى تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت مسنة يهودية ترفع لافتة “لا للإبادة الجماعية في غزة”، وعندما سألها المذيع لماذا تشارك في المظاهرة؟ قالت: لقد خدعت لسنوات طويلة بما يسمى بالصهيونية التي كانت منخرطة فيها أساسًا وكانت تدعي الأكاذيب مؤكدة أن ما  تعرض له أجدادها في  المحرقة النازية لا يعني أن تقوم الصهيونية بارتكاب مجزرة أخرى بحق شعب يطالب بأرضه، وأن ما حدث مؤخرًا أعادها إلى جادة الصواب.

وكان لوسائل التواصل الاجتماعي وخاصة “تيك توك” ومنصة “إكس” التي منحت مساحة جيدة من حرية النشر على خلاف منصة “فيس بوك” التي حظرت العديد من المقاطع التي تدعم المحتوى الفلسطيني، كان لها دور كبير في توعية شعوب العالم بما يحدث في غزة، وأسهمت هذه الوسائل التي بث من خلالها ناشطون فلسطينيون وعرب وأجانب حقائق مترجمة لواقع الصراع العربي الإسرائيلي التي تعود إلى 75 عامًا، كل ذلك أحدث يقظة واستفاقة لدى شعوب العالم، فاندلعت المظاهرات الكبرى تجوب شوارع مدن غربية كبرى متحدية قرارات منع المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني.

وكلما زاد أمد العدوان الصهيوني على غزة اتسعت رقعة المظاهرات وعدد المشاركين فيها في العالم، إذ نجد يوميًا أشخاصًا في بلدان مختلفة مثل أمريكا وأوروبا ينشرون “فيديوهات” عبر منصات التواصل الاجتماعي يدعمون فيها القضية الفلسطينية، ويعبّرون عن حزنهم العميق لما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة والضفة من احتلال وقتل وتنكيل.

 

الغرب يردد: لقد خدعنا لسنوات

 

 

لقد أصبحت عبارات مثل “لقد خدعنا”، و”استفقنا من غفلتنا” أكثر العبارات التي يستخدمها الشباب في الغرب ليعبّروا من خلالها عن صدمتهم بالصهيونية وبدور أمريكا ودول الغرب في دعمها، هذه الصحوة التي جعلت العديد من الأشخاص ينبشون في ماضي الصهاينة، ويقرأ أكثر حول قضية فلسطين وجذورها وأسبابها.

وكل يوم ومع تمادي الصهيونية في جرائمها في غزة وحرب الإبادة التي تنتهجها للتخلص من الشعب الفلسطيني تتسع كرة الكره للصهيونية بين شعوب العالم، الأمر الذي ستكون له نتائج وخيمة على هذه الحركة ومن يناصرها.

العالم بعد السابع من أكتوبر ومهما كانت نتيجة الحرب على غزة لن يكون كما كان قبله، فربما تسقط حكومات ورؤساء ومنظمات كانت تدعي الإنسانية إلى الأبد في وحل المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها الصهيونية في فلسطين التي شهدت دموية غير مسبوقة حتى في الحروب العالمية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان