للمرة الأولى بالموازنة المصرية الفوائد أكبر من الإيرادات

الطبيعي بموازنة أية دولة أن تغطي قيمة إيرادات الحكومة مصروفاتها المتنوعة، وهي المصروفات التي تتوزع على ستة مجالات رئيسية، هي: الأجور والدعم والاستثمارات ونفقات تشغيل الأجهزة الحكومية والجيش وفوائد ديون الحكومة، لكنه عندما تزيد قيمة فوائد ديون الحكومة وحدها، عن إجمالي قيمة الإيرادات التي ترد من الضرائب والرسوم والفوائض التي تحققها الشركات الحكومية، فهذا أمر نادر الحدوث، لكنه تحقق بالموازنة المصرية.
وخلال السنوات العشرين الأخيرة كانت فوائد الدين الحكومي تمثل نسبة من إيرادات الموازنة، وتراوحت النسبة بين أقل من 19% و58% منذ عام 2001 وحتى العام المالي السابق، وخلال العام المالي الحالي الممتد من بداية يوليو/تموز الماضي حتى نهاية يونيو/حزيران المقبل، كانت توقعات وزارة المالية لتلك النسبة 52%، لكن بيانات الربع الأول من العام الحالي أشارت إلى بلوغ النسبة 143%، حيث بلغت قيمة فوائد الدين الحكومي 477.5 مليار جنيه، وبلغت إيرادات الموازنة 335 مليار جنيه.
والنتيجة أن وزارة المالية ستضطر إلى المزيد من الاقتراض من الداخل والخارج كي تغطي نفقات باقي مصروفاتها، من أجور للعاملين بالحكومة، ودعم للسلع والخدمات وشراء مستلزمات المستشفيات والمدارس والجامعات الحكومية، والاستثمارات الحكومية من طرق وكبارٍ ومياه وصرف صحي ومدارس ومستشفيات ونفقات الدفاع؛ مما يعني زيادة تكلفة الديون الحكومية من فوائد وأقساط.
فائدة أذون الخزانة تتخطي 27%
وتشير الإجابة عن السؤال حول أسباب تلك الطفرة لفوائد الدين الحكومي، إلى أن زيادة نسبة الفائدة على أذون وسندات الخزانة، وزيادة فوائد الاقتراض من البنوك خلال تلك الفترة يعد أمرا مؤثرا، ففائدة أذون الخزانة لمدة ثلاثة أشهر كان متوسطها 23.3% بنهاية يونيو/حزيران الماضي، وزادت إلى 25.7% بنهاية سبتمبر/أيلول، وتزيد الفائدة على ذلك بالنسبة لأذون الخزانة التي تصل مدتها ستة أو تسعة أشهر لمدة عام.
ولم تتوقف فائدة أذون وسندات الخزانة عن الصعود خلال الشهور الأخيرة، حتى إن فائدة أذون الخزانة قد تخطت نسبة 27% خلال الثلث الأول من الشهر الحالي، كما يتوقع رفع البنك المركزي للفائدة خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية القادم؛ مما يعني تحقيق فائدة الدين الحكومي أرقاما قياسية خلال الشهور المقبلة، خاصة عندما يرافقها خفض جديد بسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي.
ولكن ما هو أثر ضخامة قيمة فائدة الدين الحكومي في الموازنة؟ الأمر يتضح من خلال التوزيع النسبي للبنود الستة لمصروفات الموازنة، الذي كان يخصص للفوائد 37% من إجمالي المصروفات، والباقي لبنود المصروفات الأخرى، لكن عندما زاد النصيب النسبي للفوائد من المصروفات الإجمالية إلى أكثر من 60%، انخفضت كل نسب مخصصات باقي أبواب المصروفات عما كان مقررا لها.
وهكذا نجد أن مخصصات الدعم للسلع والخدمات قد انخفضت بنسبة 28% عما كان مقررا لها خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، حتى إن مخصصات دعم البطاقات التموينية قد نقص بنسبة 43% عما كان مقررا له، ولعل ذلك يفسر استبعاد الأرز من بطاقات التموين مؤخرا، كما ينبئ عن توقع رفع أسعار سلع البطاقات التموينية خاصة السكر، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية.
كذلك فقد انخفضت مخصصات الاستثمارات الحكومية بنسبة 72% عما كان مقررا لها، مما يعني إطالة فترة تنفيذ تلك الاستثمارات، لقلة المبالغ المصروفة لها مثل مشروعات حياة كريمة وغيرها، وعندما تقل مخصصات إدارة دولاب العمل الحكومي بنسبة 18% عما كان مقررا لها، فالنتيجة قلة توافر المستلزمات الطبية بالمستشفيات الحكومية والمستلزمات التعليمية بالمدارس، وضغط أيام التغذية المدرسية، ومن ناحية أخرى تأخر الجهات الحكومية عن سداد مستحقات المقاولين والموردين الذين تعاملوا مع الجهات الحكومية من وزارات وهيئات ومحافظات.
37 % تراجع الإيرادات عن المستهدف
وكذلك انخفاض فرص زيادة أجور العاملين بالحكومة حتى نهاية العام المالي الحالي، وتزايد فرص قيام البنك المركزي بطبع المزيد من النقود، مما ينعكس سلبا على ظاهرة التضخم التي بلغت معدلات مرتفعة، ويربط الكثير من الخبراء بين انخفاض معدل التضخم الرسمي خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وموعد الانتخابات الرئاسية، حيث ارتبط موعد إعلان نتائج التضخم بموعد الانتخابات، مما أثر في الأرقام المُعلنة للتضخم من قبل جهاز الإحصاء.
كما يتسبب مأزق الموازنة المصرية في صعوبة تقديم الجهات الحكومية مساعدات لسكان غزة، وتكفل الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص بتقديم تلك المساعدات، ولعل ما نشر عن علاج 1500 جريح على نفقة دولة قطر يأتي في ذلك السياق، كما يزيد من مخاوف تحقق ما تشير إليه جهات غربية عديدة عن مساومة جارية لتحديد مقابل لاستقبال جانب من سكان غزة بالأراضي المصرية.
ولم يقتصر الأمر على زيادة قيمة الفوائد بنسبة 120% عن نفس الفترة من العام المالي السابق، بل رافق ذلك تراجع قيمة إيرادات الموازنة بنسبة 37% عما كان متوقعا لها في نفس الفترة، وبلغت نسبة التراجع 26% بالحصيلة الضريبية وبالمنح 95% و67% تراجعا بالإيرادات الأخرى غير الضريبية عما كان متوقعا لها، وهكذا نجد زيادة في قيمة الفوائد بنحو 197 مليار جنيه كمصروفات عما كان متوقعا لها، في حين انخفضت قيمة الإيرادات بقيمة 200 مليار جنيه عما كان متوقعا لها خلال ربع عام فقط.
والنتيجة زيادة العجز بالموازنة كفرق بين الإيرادات والمصروفات إلى 456 مليار جنيه خلال ربع عام، بزيادة 115% عما كان مستهدفا، وهو ما يعني توقع بلوغ العجز بالموازنة حوالي 1.8 تريليون جنيه خلال العام المالي الحالي، وهي أرقام غير مسبوقة تاريخيا تتم إضافتها إلى الدين الحكومي الضخم.
ويظل السؤال الرئيسي حول أثر ارتفاع فوائد الدين الحكومي في الدين العام المحلى، لكنه من الصعوبة الإجابة عن ذلك، حيث إن الجهات الرسمية قد امتنعت عن نشر بيانات الدين العام المحلي منذ بيانات يونيو/حزيران 2020، حين بلغ 4.7 تريليونات جنيه، ولا تنشر سوى أرصدة أذون الخزانة بالجنيه المصري.
وهي تعد أحد مكونات الدين العام المحلي، وكان نصيبها من إجمالي الدين المحلي 33% منتصف عام 2020، وقد بلغت أرصدتها بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي وحدها 2.6 تريليون جنيه، مما يعني أن الدين العام الداخلي يمكن أن يدور حول ثمانية تريليونات من الجنيهات إذا كانت نسبة أذون الخزانة بالجنيه عند نفس نصيبها النسبي، وذلك فضلا عن الدين الخارجي البالغ حوالي 165 مليار دولار منتصف العام الحالي، والمتوقعة زيادته خلال الأسابيع القليلة المقبلة.