هل يستطيع العرب الضغط على واشنطن وإسرائيل؟

نازحون يعودون لمدرسة قصفها الاحتلال وهجرهم منها في جباليا شمال غزة
نازحون يعودون إلى مدرسة قصفها الاحتلال وهجرهم منها في جباليا شمال غزة (الجزيرة مباشر)

منذ أن بدأ الاحتلال الإسرائيلي حربه الانتقامية الإبادية على قطاع غزة بعد طوفان الأقصى، لم يُفلح أي عمل دبلوماسي عربي أو دولي في وقف الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في القطاع، ووقف المجتمع الدولي بهيئاته عاجزا عن إجراء يكبح جماح التحالف الصهيوأمريكي، الذي يرتكب جرائم حرب، وجرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية، وجميعها مكتملة الأركان وفقا للقانون الدولي.

سؤال يطرح نفسه حول الموقف العربي

مع استمرار حرب الإبادة الصهيوأمريكية ضد الفلسطينيين، بقي الموقف العربي متجمدا عند حدود الشحب والإدانة، والتحركات الدبلوماسية غير المثمرة في إحداث وقف للحرب الهمجية الصهيوأمريكية ضد قطاع غزة.

بعد أكثر من شهر من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية الطارئة، وغياب التوافق العربي الإسلامي على اتخاذ إجراء جماعي لمواجهة العدوان الإسرائيلي، ومع عدم رغبة النظم العربية في مواجهة التحالف الإسرائيلي الأمريكي، هناك أسئلة هامة تطرح نفسها، وهي: هل يستطيع العرب الضغط على واشنطن ومعاقبة إسرائيل؟ ولماذا يجب على العرب القيام بفعل جماعي في مواجهة أمريكا وإسرائيل؟ وماذا يملك العرب لمواجهة العدوان الإسرائيلي ودعم الحق الفلسطيني، وما الذي يمنعهم من ذلك؟

لا جدوى من التحركات الدبلوماسية

الواقع يؤكد أنه ليس هناك جدوى من الاعتماد على المجتمع الدولي، والمؤسسات الدولية، التي أطاح الفيتو الأمريكي بمصداقيتها، وضربها في مقتل، فقد مات مجلس الأمن وشُيعت جنازته مرات عديدة، وسُفك دم النظام الدولي على مذبح حماية الكيان الصهيوني من أي عقوبات دولية، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة.

فشل مجلس الأمن للمرة الخامسة على التوالي في اتخاذ إي إجراءات عملية لوقف الحرب، حيث شكل الفيتو الأمريكي الدرع الواقي للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه الوحشية، في مواجهة قرارات مجلس الأمن، وكانت آخر مرة، يوم الجمعة 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ضد مشروع القرار الداعي لوقف فوري لإطلاق في غزة لدواع إنسانية.

على جانب آخر، لم يكن هناك جدوى من الجولات في العواصم العالمية، التي قامت بها مجموعة الاتصال المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية الطارئة في الرياض، للحصول على دعم المجتمع الدولي لوجهة النظر العربية، حيث بدا الأمر أشبه بمن يحرث في الماء، في ظل الدعم الأمريكي والغربي المطلق للاحتلال الإسرائيلي، الذي ضرب عُرض الحائط بالمواثيق والقوانين الدولية، ويتجاهل المواقف العربية ولا يقيم لها وزنا.

حقائق لا بد أن يدركها العرب

هناك حقائق تتعلق بالحرب الصهيوأمريكية على غزة لا بد أن تدركها الحكومات العربية، والقادة والسياسيون العرب، وهي أن الحرب على غزة ليست حربا ضد حماس أو تتعلق بفلسطين، بل إنها حرب للحفاظ على السيطرة الأمريكية في الشرق الأوسط، واستمرار الهيمنة الغربية، وإعادة قدرة الردع للاحتلال الإسرائيلي، الذي يمثل رأس حربة للسيطرة الأمريكية الغربية في المنطقة، في مواجهة أي منافسة عربية أو إقليمية، وإجبار الجميع في المنطقة على البقاء ضمن حدود الحظيرة الأمريكية الغربية.

تهدف الحرب على غزة إلى إعادة الاعتبار للقوة الأمريكية، وتأكيد هيمنتها على القرار الدولي، في مواجهة القوى الدولية الكبرى الصاعدة، التي تسعى لتغيير النظام الدولي المهيمن عليه أمريكيا وغربيا.

لقد أفضى المشهد الحالي إلى وضع بالغ التعقيد، حيث تغيرت قواعد الاشتباك في المنطقة، وهذا يفرض على دول المنطقة ضرورة اتخاذ خطوات جادة، واستخدام ما بأيديهم من قدرات في مواجهة مخطط لسحق المنطقة تحت أقدام الهيمنة الصهيوأمريكية والغربية.

يملك العرب أسلحة عديدة لمواجهة واشنطن وعقاب إسرائيل، ومجرد التلويح بها كفيل بإحداث فارق في الموقف الأمريكي والغربي، ولكن ذلك يحتاج إلى إرادة للتفعيل.

ماذا يمكن أن يفعل العرب؟

وبعيدا عن التعقيدات الجيوسياسية العربية، والتأثيرات المختلفة للاعبين دوليين وإقليميين في المنطقة، فإن مجمل الدول العربية -بما فيها المطبعة مع الاحتلال الإسرائيلي، والمتأثرة في سياساتها الخارجية بأمريكا والغرب- يمكنها أن تؤدي دورا فاعلا في دعم الحق الفلسطيني دون الانخراط في الصراع والمواجهة.

فالدول العربية الخمس المطبعة مع إسرائيل، تربطها علاقات سياسية واقتصادية وأمنية يمكنها حال توفرت الإرادة أن تعاقب الاحتلال الإسرائيلي بقطع العلاقات، وهنا ليست الدول العربية أقل من دول أمريكا اللاتينية، التي بادرت بقطع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي؛ احتجاجا على مجازره في غزة. وهناك دولتان أكثر تأثيرا من بين الدول الخمس المطبعة، وترتبطان بحدود مباشرة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، هما: مصر والأردن، حيث يمكن لمصر أن تمارس تأثيرا كبيرا، بما تمتلكه من نفوذ، من خلال وقف التعاون الاستخباري، ومن خلال قناة السويس، ومعبر رفح، وهذا في حد ذاته كفيل بالضغط على أمريكا، ويمثل عقابا لإسرائيل، ولكن يبقى الأمر متوقفا على حسابات وتقديرات صانع القرار. وبالنسبة للأردن، فإن قطع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي كفيل بإحداث تأثيرات تتحسب لها تل أبيب.

كذلك يمكن للدول النفطية عبر استخدام سلاح النفط -بل مجرد التلويح به- أن تحدث ضغطا هائلا يغير دون شك حسابات المشهد.

من ناحية أخرى، هناك 27 قاعدة أمريكية في المنطقة، يمكن للدول المستضيفة لها من خلال إعادة النظر في التعاون أن تحدث تأثيرا كبيرا سينعكس بدوره على الدعم الأمريكي المطلق للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة. وإذا أضفنا إلى ما سبق الدور الذي يمكن أن تقوم به دول محور المقاومة، وما تم من عمليات داعمة من المقاومة في لبنان والعراق، وفي اليمن، فإن ذلك سيمثل ضغطا هائلا على أمريكا وإسرائيل، خاصة مع خشية واشنطن من توسع الجبهات.

ختاما

إن دول المنطقة أمام مرحلة تاريخية فاصلة بعد طوفان الأقصى، ومن مصلحة الدول العربية توظيف إمكاناتها، والاستفادة من الأزمة التي يعاني منها الاحتلال الإسرائيلي ومن ورائه الهيمنة الأمريكية الغربية، لفرض احترام مصالحها ومواقفها، وذلك بالحيلولة دون أن يربح الاحتلال في هذه الحرب، وأن يحرص العرب على هذا الإنجاز الاستراتيجي للمقاومة في غزة، وهذا النصر السياسي والإعلامي، الذي أظهر إسرائيل على حقيقتها أمام العالم، وعرى حقيقة المواقف الأمريكية والغربية.

تتوافر للعرب كافة مقومات الضغط على واشنطن وعقاب إسرائيل، ولا يتطلب الأمر سوى توحيد الجبهات، والتغلب على الشقاق والانقسامات، والتغلب على ضعف الإرادة الذاتية، فالمشكلة في المنطقة هي الإرادة السياسية، التي ما زالت مفقودة حتى الآن.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان