العد التنازلي لإعلان هزيمة المحتل

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

بثلاثة مؤشرات تجلت الأسبوع الماضي، ظهر بوضوح أن العد التنازلي لإعلان دولة الاحتلال هزيمتها واندحار عدوانها الهمجي على قطاع غزة قد بدأ، وأن وقف الحرب بشكل كامل ونهائي لم يعد بعيدًا.

في كل تصريحات قادة العدوان الصهيوني المتغطرسة والمتمسكة باستمرار حرب الإبادة “تكتيك سياسي” يحاولون به الضغط على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، أما على الأرض فليس أكثر من الخيبة والتردي، والمزيد من الأثمان الفادحة التي يجنيها العدو يوميًّا من حياة جنوده ومن آلياته وأسلحته.

الأرض هي من تحكم، هذه حقيقة مؤكدة، وفشل قادة الاحتلال في تحقيق أهدافهم العبثية التي رفعوها منذ بدء الحرب، واكتشاف الولايات المتحدة تحديدًا استحالة تحقق هذه الأهداف هو ساعة الصفر لوضع نهاية الحرب، وبداية درب التنازلات المؤلمة والمذلة التي سيقدمها الصهيوني لتحرير أسراه لدى المقاومة الفلسطينية.

مؤشرات اقتراب نهاية العدوان تتوالى، بتفاصيل ومواقف لم تكن موجودة قبل شهر من الآن.

بمفاجأة لم تكن في الحسبان، شن الرئيس الأمريكي جو بايدن -شريك العدوان منذ اللحظة الأولى- الأسبوع الماضي هجومًا علنيًّا على العدوان الصهيوني، مؤكدًا أن “إسرائيل” خسرت الدعم العالمي الذي تشكّل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تلك التصريحات كشفت التململ الأمريكي جليًّا بعد أن حاول داعمو الكيان المحتل في البيت الأبيض كبح جماح “إسرائيل” وإقناعها بأن أهدافها النهائية من الحرب لن تتحقق، ولكن دون جدوى.

بالحماس نفسه الذي بدأت به الولايات المتحدة دعمها لحرب الإبادة، أضحت الرغبة الأمريكية واضحة في وقف العدوان الصهيونى الذي بات عبئًا على بايدن الذي يستعد لانتخابات الرئاسة الأمريكية وهو يعاني نزيف الخسائر، بسبب الدعم المنحط والمفتوح للعدوان السافل، حتى أن جميع استطلاعات الرأي تثبت تقدم منافسه في الانتخابات الرئيس السابق دونالد ترامب، وانتشرت المقولة التي تشير إلى أن “كورونا” أسقطت ترامب وغزة ستُسقط بايدن.

هذا التغيير في الموقف الأمريكي هو المؤشر الأول لاقتراب نهاية العدوان، فبدون الدعم الأمريكي المفتوح لا يمكن للكيان المحتل الاستمرار في عدوانه، مع ملاحظة أن العجز الأمريكي عن إقناع دول العالم في استمرار مساندتها للصهيوني في حربه بات لا تخطئه عين، وهو أول انتصار سياسي تحققه المقاومة الفلسطينية بثباتها وشجاعتها النادرة، وهو انتصار سيقربنا كثيرًا من الوقف الكامل للحرب حتى لو استمر الهجوم الأمريكي على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.

الصهيوني يخسر

بتصويت الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، لصالح قرار بوقف الحرب وإدخال المساعدات إلى أهالي غزة المحاصرة هزيمة سياسية جديدة للعدوان وشركائه، ودليل دامغ بأن الصهيوني خسر التحالف الدولي الذي بدأ منذ السابع من أكتوبر، وتأكيد سافر بأن العدوان بات عبئًا على الدول التي دعمته منذ البداية، وأن استمرار هذه الحرب بات بلا طائل، اللهم إلا مزيدًا من الرفض الشعبي في كل دول العالم، وخسارة القادة الداعمين لهذا العدوان البربري للرأي العام الغاضب في بلدانهم، فضلًا عن عدم قدرة هذه الدول على تقديم مبررات مقنعة لشعوبها بشأن أسباب استمرار حرب الإبادة التي انفلتت من كل قيد أخلاقي أو إنساني، وبات السبب الوحيد لاستمرارها هو رغبة الانتقام لدى قادة العدو المتطرفين والمصدومين حتى الآن من هول ما لاقوه في عملية السابع من أكتوبر الشجاعة.

153 دولة في العالم كشف التصويت أنها باتت رافضة لاستمرار حرب الإبادة، ومطالبة بضرورة وقفها وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، وفشلت كل محاولات الولايات المتحدة في تعديل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي تقدمت به المجموعة العربية، ليدين حركة حماس ويضفي عليها ما يحولها إلى تنظيم إرهابي، ويأتي هذا الفشل دليلًا جادًّا وجديدًا على أن أمريكا تخسر رهانها السابق على استمرار العالم في دعم العدوان، وبما يؤكد أن ضغوط دول العالم ستزيد لتقربنا خطوات مهمة من إعلان وقف الحرب وهزيمة قادتها المجرمين.

تصويت الأمم المتحدة كشف أيضًا عن تحوّل في الموقف السياسي لبعض الدول التي كانت شريكة “لإسرائيل” بالدعم منذ اللحظة الأولى لبدء حربها العدوانية، ففرنسا على سبيل المثال صوتت لصالح وقف الحرب، في حين امتنعت بريطانيا وألمانيا عن التصويت دون رفض للقرار بشكل مباشر، بما يعني أن التململ بدأ يصل إلى “شركاء العدوان” الثلاثة في لندن وباريس وبرلين.

قبل صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي لوقف إطلاق النار بعدة أيام، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) بشكل شائن ضد قرار بوقف إطلاق النار وافقت عليه 13 دولة من الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن، في حين امتنعت بريطانيا عن التصويت، ورغم إجهاض القرار الملزم فإن المؤشر يسير في مساره الطبيعي الذي يكشف أن هناك ما يشبه الاتفاق العالمي الذي يتشكل ضد العدوان الصهيوني، وأن دول العالم بغالبيتها العظمى تعتقد أن توقف الحرب أضحى مطلبًا ملحًّا أكثر من أي وقت مضى، بما يُرسخ للاعتقاد أن توقف العدوان بات قريبًا، ولا ينقصه سوى ترتيب المناخ الملائم الذي يحفظ للكيان المحتل ماء وجهه ولا يخرجه من حرب الإبادة مهزومًا وذليلًا ومكسورًا، وبما يضمن أن سقف مفاوضات تحرير الأسرى الصهاينة لن يكون مرتفعًا، ويجعل مطلب “تبييض السجون” من الأسرى الفلسطينيين هو الأصل لدى فصائل المقاومة.

موقف المقاومة

ربما يأتي قرار توقف العدوان عن طريق الدعوة إلى هدنة إنسانية جديدة تسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة بالإضافة إلى عملية تبادل جديدة للأسرى، وهنا يصبح إعلان المقاومة الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة عدم القبول بالتبادل إلا بوقف كامل للعدوان أمرًا جيدًا للغاية، يضيف مزيدًا من الضغوط على قادة العدوان، ويستخدم ورقة الأسرى الصهاينة المهمة في تغيير مسار المعركة لصالح المقاومة، ثم يكشف الفشل التام للعدو في تحقيق أحد أهم الأهداف العبثية التي رفعها للحرب منذ البداية، أي تحرير أسراه دون تفاوض، وفي تحطيم هذا الهدف وحده هزيمة سياسية مروعة للصهيوني، وإجهاز كامل على المستقبل السياسي لرئيس وزراء الاحتلال الذي لم يحقق من حربه الملعونة سوى التدمير والقتل والإرهاب قبل أن ينكشف أمام شعبه وأمام العالم.

منذ الآن على المقاومة الفلسطينية ومعها الدول العربية الاستعداد لنهاية العدوان، ولهذا الأمر حسابات سياسية يجب أن تستغل لحظة ضعف العدو واحتشاد الرأي العام العالمي ضده في فرض شروط مهمة، تضمن الخلاص من الاحتلال، وتبييض السجون، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وقبل كل هذا وبعده ضمان عدم التدخل في شأن اختيار الشعب الفلسطيني لمن يحكمه مستقبلًا، ورفض كل صور فرض حكم لا يرتضيه الشعب الفلسطيني لقطاع غزة، ولعل الوحدة الفلسطينية في هذه اللحظة أضحت أمرًا ضروريًّا وواجبًا تفرضه لحظة تاريخية دقيقة وغير مسبوقة، يمكن أن تُمثل مكسبًا كبيرًا في سبيل نضال الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه والخلاص من الاحتلال إلى الأبد.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان