دعم المقاومة فريضة الوقت

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)

لا أدري لماذا أو على أي أساس يشغل البعض منا نفسه بالبحث في طبيعة العلاقة الأمريكية بدولة الاحتلال، وبينما يسعى فريق لإثبات أن اللوبي الصهيوني يدفع ساسة وسياسة واشنطن دائما لخدمة الكيان اللقيط، يرد آخرون بأن الغرب عموما هو من قام بزرع الاحتلال، وأن أمريكا رسخت بأفعالها حقيقة أن الكيان هو ذراعها الاستعماري في المنطقة ولو لم يكن موجودا لكان عليها اختراعه كما قال بايدن، وأغلب الظن أن الاستغراق في البحث عن جوهر هذه المسألة أشبه بإرهاق الفكر في إثبات أيهما كان أسبق البيضة أم الدجاجة؟!! لكن الأهم هو المحصلة التي تؤكد أن واشنطن لا تصلح بحال أن تكون وسيطا نزيها في صراعنا مع المحتل من أجل تحرير الأرض وتطهيرها من دنس الصهاينة، أولئك الذين آويناهم عندما قدموا إلينا هربا من جحيم الاضطهاد الأوروبي، فكان ردهم للإحسان بالإساءة وقيامهم بأكبر العمليات احتيالا لسرقة وطن بقيمة ومكانة فلسطين.

ومن ثم فلا ينبغي أن نعول كثيرا على تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة التي حملت اتهاما لـحكومة (نتنياهو) بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال، كما أن حديثه عن حل الدولتين مجرد محاولة لامتصاص الغضب العالمي والمحلي، (وربما لشق الصف الفلسطيني بإظهار المقاومة كحجر عثرة ضد “أوهام ” السلام والاستقرار وما سوف يجلبه من أنهار المَنّ وَالسَّلْوَى للشعب الفلسطيني)، وعلى من يرى أن هذه التصريحات تشير إلى تغير في موقف الإدارة الأمريكية أن  يراجع ما نقلته “سي إن إن” عن مسؤولين أمريكيين من أن واشنطن ليس لديها خطط لتغيير موقفها ورسم أي خطوط حمراء حول نقل الأسلحة والذخائر إلى “إسرائيل”، وهو ما يعني استمرار الجسر الجوي الذي يمد العصابات الصهيونية بالسلاح لقتلنا، مع كلمات بلهاء عن ضرورة تجنب قتل المزيد من المدنيين (!!!).

الفيتو الأمريكي ليس الأول

قبل أيام عقدت مناظرة بين 5 من الذين طرحوا أنفسهم للترشح على مقعد الرئاسة عن الحزب الجمهوري، وجميعهم قدموا قرابين الولاء والطاعة العمياء للاحتلال، واتفقوا على منحه الحق كاملا في قتل الشعب الفلسطيني بزعم الدفاع عن النفس، وتعهدوا عند نجاحهم بدعم جيش الاحتلال ومده بكل ما يحتاج إليه لمواصلة إجرامه، وتنافسوا بقوة في التعبير عن الولاء للولاية الأمريكية الـ51 (!!!)، فهل بعد ذلك نطمع أن تقف أمريكا ضد جرائم ربيبتها وهي قدوتها في البلطجة والإجرام الدولي؟!! وهل من المنطقي أن نبدي الأسف على سلوك “الكاوبوي” المشين حين استخدامه حق الفيتو لمنع إدانة جيش الاحتلال؟!  وكأنها المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب عن مثل هذا الموقف المنحاز للصهاينة، متغافلين عن أن سجلات مجلس الأمن تؤرخ لـ50 مرة من جملة 79 استخدمت فيها أمريكا حق الفيتو من أجل حماية دولة الاحتلال وعدم معاقبتها على ما ترتكبه من جرائم في حق الإنسانية، واللافت أن كافة الإدارات الأمريكية  التي تعاقبت على البيت الأبيض طوال أكثر من 70 عاما سلكت النهج ذاته، لا اختلاف في ذلك بين ديمقراطي وجمهوري، والخلاصة أنه طالما بقي هذا الكيان اللقيط، فلن تكون المرة الأخيرة التي يستخدم فيها الأمريكان حق الفيتو لمنع معاقبته.

التاريخ الأسود للحركات الصهيونية

من حق الصهاينة إذن ألا يعترفوا بالشرعية الدولية، وقد تابعنا هجومهم المستمر على أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، لأنه تجرأ واستخدم حقه في دعوة مجلس الأمن للانعقاد طبقا لنص المادة 99 بهدف وضع حد لمجازرهم في حق الفلسطينيين، ورغم يقين دولة الاحتلال بعدم جدوى خطوة غوتيريتش (استنادا إلى الفيتو الأمريكي الجاهز)، فإنها فتحت عليه النيران، وطالبته بالاستقالة من منصبه على الفور، وزعم وزير خارجيتها إيلي كوهين أن غوتيريش يشكل خطرًا على السلام العالمي (!!!)، لكن هذه الوقاحة لا تدعو إلى الدهشة، فسجل العصابات الصهيونية مع المؤسسات الدولية ما هو إلا سلسلة من البلطجة والإرهاب، والهجوم على الشخصيات العامة التي لا تستجيب لابتزازهم يعد من أبرز أدواتهم وحين لا ينجح الأمر يكون الاغتيال مصيرهم، كما حدث مع الدبلوماسي السويدي الكونت فولك برنادوت وهو أول مبعوث أممي لفلسطين، حيث كان اغتياله ردا على المقترحات التي تقدم بها لإقرار السلام (ومن هذه المقترحات حق الفلسطينيين في العودة واسترجاع ممتلكاتهم وبقاء القدس بأكملها تحت السيادة العربية ووضع حد للهجرة اليهودية)، وعلى إثر ذلك تمت تصفيته في  سبتمبر 1948، ومن قبله تم اغتيال اللورد موين (وهو سياسي ورجل أعمال بريطاني) عام 1944، كما عملوا على ابتزاز كورت فالدهايم عبر محاولة إسقاطه في انتخابات الرئاسة النمساوية بدعوى أنه كان معاديا لهم إبان توليه الأمانة العامة للأمم المتحدة (1972-1982) .

بعيدا عن الإرهاب الأسود للصهاينة تأتينا البشريات ميدانيا، حيث تجمع المصادر على أن المقاومة في طريقها لتحقيق نصر تاريخي، وعلى يدها يتكبد الاحتلال خسائر فادحة لم يعهدها من قبل، فقتلاه يوميا بالعشرات فضلا عن الجرحى والمصابين بعاهات دائمة،  لكن إذا كان ما تحقق حتى الآن من إنجاز على أرض المعركة كبيرا ومذهلا، وقد ساهم في رفع سقف الطموح، فإن دعم المقاومة أصبح فرض عين وواجب الوقت، فهي من منظور استراتيجي تشكل أحد أعمدة الأمن القومي العربي، ولنا أن نتخيل لو أن هؤلاء الشباب يتلقون الدعم والمساندة ويجدون من يمدهم بما يحتاجون إليه من سلاح ومؤن -ولا نقول فتح الباب أمام الآلاف من شباب الأمة للقتال إلى جوارهم- لسنا بحاجة إلى “زرقاء اليمامة” لتخبرنا عن المخطط الصهيوني الخبيث لابتلاع كامل الأرض مع إبادة الشعب الفلسطيني وتهجير من بقي منه إلى سيناء، فكل شيء يتم أمام أعيننا الآن في وضح النهار، وما يقارب مليون غزّيّ يتم دفعهم وحصارهم في منطقة ضيقة على بعد أقل من كيلومتر من الحدود المصرية في رفح حيث يقيمون بالخيام، وقبل أيام طالب الحاخام عوزي شارباف باحتلال سيناء (متناسيا كيف تم طرده منها في 1973).

إن وتيرة التحرش بمصر تزداد ساعة بعد ساعة، صحيح أن الدبلوماسية المصرية تتحرك لإجهاض المخطط، لكن من المأمول أن يكون رفضها بصوت أعلى وفعل أكبر حتى يصل صداه إلى من يدعم الصهاينة من أمريكان وأوروربيين، والتأكيد بحسم ووضوح على أن مصر لا تقبل مقايضة أرضها وسيادتها مهما حاولوا من غمز ولمز بشأن تعويضات مالية وضخ مليارات الدولارات لتخفيف عبء الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، فضلا عن موقفها الثابت والمبدئي بالرفض القاطع لتصفية القضية الفلسطينية،  وبكلمات أكثر وضوحا ينبغي ألا نركن للوعود الأمريكية وألا نأمن مكرهم ويجب ألا ننسى أنهم كثيرا ما نقضوا عهودهم معنا، فليس من الكياسة أن نثق في أي وعود يقدمونها لنا عبر تصريحات (للاسترخاء والتنويم) تخالف ما يجري على أرض الواقع، علينا الانتباه جيدا قبل أن نكتشف بعد فوات الأوان أن كلماتهم المعسولة كانت مجرد شرك لخداعنا، وقتها في ظل أمر واقع يصعب تغييره لن ينفعنا الندم!!!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان