قطر إذ تجبر غياب العرب عن غزة!

من جديد واصل الاحتلال الصهيوني عمليات القصف الجوي والإبادة الوحشية في قطاع غزة، بمباركة أمريكية وغربية، ليتواصل سقوط الشهداء، والعالم يقف متفرجا على شعب يباد، وأرض تغتصب، في مشهد يؤكد إفلاس المنظومة الدولية وسقوطها، والضعف العربي والإسلامي غير المسبوق.
طوال فترة الحرب التي سبقت الهدنة لم تكن الجهود العربية والإسلامية على القدر المأمول، كما لم يُستثمر النجاح الذي حققته الدبلوماسية القطرية، وبدا الأمر وكأن الدوحة تواصل جهودها منفردة، في حين استسلم الجميع لما أعلنه البيت الأبيض والاحتلال الإسرائيلي من مواصلة العمليات العسكرية على غزة.
خلال هذه الحرب، تأكد مدى ما تتمتع به قطر من ثقة وثقل على الساحة الدولية؛ ويرجع ذلك لانتهاج سياسة خارجية متوازنة، جعلت الدوحة وسيطا دوليا موثوقا به، وساهمت في حل العديد من المشكلات في الشرق الأوسط، انطلاقا من تبني المبادئ الإنسانية، والرغبة في الحد من الصراعات وتعزيز الاستقرار.
غاب العرب وحضرت قطر
ورغم أن الكيان الصهيوني عاود قصفه الوحشي بعد الهدنة، فإن موقف الدوحة خلال الهدنة كان سباقا؛ إذ لم تفوت الفرصة لإعلان دعمها للفلسطينيين، حيث قامت وزيرة الدولة للتعاون الدولي، لولوة الخاطر، بزيارة قطاع غزة، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، 2023، بالتنسيق مع الجانب المصري، وهي أول زيارة لمسؤول عربي رفيع، منذ الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتحمل الكثير من الدلالات حول الدور القطري الفاعل والمؤثر.
على الجانب الآخر، لم يقم أي مسؤول عربي بزيارة القطاع، كما لم تُعلن أي دولة عربية أو إسلامية نيتها زيارة أحد مسؤوليها لغزة، لتقديم رسالة دعم في مواجهة الحرب البربرية الإسرائيلية!
عوضت قطر بدعمها لغزة غيابا عربيا وإسلاميا، ما كان يجب أن يكون، وهكذا كانت قطر حاضرة عندما تغيب الآخرون، وكانت ثابتة في دعمها لحق الشعب الفلسطيني بالأفعال قبل الأقوال، عندما تأرجح وتراجع الآخرون.
بعد طوفان الأقصى وهزيمة إسرائيل غير المسبوقة، تسارع وصول المسؤولين الأمريكيين والغربيين من جميع المستويات إلى تل أبيب لدعم الاحتلال الإسرائيلي في حربه الغشوم البربرية على غزة، في الوقت الذي كان موقف غالبية الدول العربية خجولا ويدعو للأسى.
وبعد استئناف الاحتلال الإسرائيلي لعمليات قصف المدنيين في غزة، يتساءل المرء، ماذا فعلت الدول العربية الإسلامية -خاصة من لهم علاقات تطبيعية مع إسرائيل- لوقف تلك الحرب البربرية على أهل غزة؟ لقد تغيب الجميع بمحض إرادتهم، وتركوا أهل غزة يواجهون عدو الأمة وحدهم.
دول أحرجت مواقفها العرب
ورغم تحول غزة إلى هيروشيما ونغازاكي ثانية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في عمليات الإبادة، لم ترق مواقف الدول العربية وخاصة المطبعة إلى مواقف دول غير عربية رفضت الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
لقد أحرجت العرب دول مثل بوليفيا، وبيليز في أمريكا اللاتينية، حيث قطعت الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل؛ بسبب القصف المتواصل لغزة، وقتل المدنيين، كما قامت تشيلي وكولومبيا وهندوراس بسحب سفرائها من إسرائيل؛ اعتراضًا على ما تمارسه من مذابح وإبادة للفلسطينيين، وانتهاكات للقوانين الدولية.
في جنوب إفريقيا صوت البرلمان بأغلبية، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، على تعليق العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وإغلاق سفارة تل أبيب في العاصمة بريتوريا، ولقي مشروع القرار تأييد 284 نائبا، مقابل 91 نائبا رافضين.
وعلى جانب آخر كان لدى جنوب إفريقيا شجاعة غابت عن الآخرين، حيث تقدمت بشكوى إلى الجنائية الدولية؛ للتحقيق مع قادة إسرائيل بشأن ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة، في الوقت الذي يراوح فيه غالبية العرب والمسلمين عند حدود منابر الخطابة والشجب والإدانة.
الجزيرة وحماية الحقيقة
في هذه الحرب الإسرائيلية على غزة، جبرت قطر غياب وضعف الآخرين -خاصة العرب- في نقل الحقيقة، فكانت الجزيرة بقنواتها ومنصاتها حامية للحقيقة من أن يصيبها التزوير والتدليس، الذي مارسه الإعلام الغربي، وتفنن فيه، بشأن ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم في غزة، وأصبحت قنوات الجزيرة، ومنصاتها قبلة للملايين في العالم ممن ينشدون الحقيقة، بعد أن حاصرهم إعلام بلادهم، ومارس تغييبا للحقائق بشكل فجّ غير مسبوق، وانحاز إلى الجلاد ضد الضحية، وإلى المغتصب على حساب صاحب الحق.
لقد كانت الجزيرة سلاحا قطريا عربيا خالصا متفوقا على غيره، وقفت به قطر تدافع عن قضية الأمة المركزية عبر نقل الحقيقة لا سواها، ذخيرتها نقل الحقيقة، ونشر الوعي، والحفاظ على الثوابت؛ ولذلك لم يكن مستغربا أن يهاجم الجزيرة أولئك الذين يخشون الحقيقة، ويطالب بعضهم بأن تخفض من تغطياتها لما يحدث في غزة!
وأمام الحقيقة التي أبصرها العالم، تهاوت كثير من المسلمات عن الغرب والإعلام الغربي، التي حرص الغرب على ترويجها، وكانت دعوى موضوعية وحيادية الإعلام الغربي أول ما أطاحت به الحرب في غزة، حيث تأكد سقوط الإعلام الغربي مهنيا وأخلاقيا بانحيازه الأعمى إلى الرواية الإسرائيلية، وتعتيمه على فظائع الاحتلال وجرائمه في حق الفلسطينيين في غزة، وترويجه لأكاذيب الاحتلال الإسرائيلي، ورفضه للرأي الآخر في كل ما يتعلق بجرائم إسرائيل.
ومع ما قامت به الجزيرة من كشف للحقائق، وزيادة لوعي الجماهير العربية وغير العربية، ودورها البارز في نقل الواقع من أرض غزة وفلسطين عموما، يتساءل المرء، ماذا لو لم تكن الجزيرة موجودة؟ لا شك أن الجميع سيكونون أسرى لغير الحقيقة، ولإعلام غربي ثبت أنه لا يرعى فيما يتعلق بالعرب والمسلمين إلًّا ولا ذمة!
خاتمة
لقد جبرت قطر الغياب العربي عن فلسطين في أكثر من موضع وهو أمر يُحسب لها، ففي الوقت الذي كادت فيه القضية الفلسطينية تُنسى، أعادت قطر بتنظيمها للمونديال قضية فلسطين إلى المستوى العالمي، وردت الاعتبار لمطالب الشعب الفلسطيني العادلة، التي كاد العرب والعالم ينسونها.
وفي الوقت الذي غاب فيه أي مسؤول عربي أو إسلامي عن زيارة غزة في فترة الهدنة، كانت قطر سباقة بزيارة وزيرة التعاون الدولي للقطاع، حاملة رسالة إخاء ومحبة وتضامن وتعاضد، من قطر شعبا وقيادة، وما زالت قطر تواصل جهودها عبر الوساطة أملا في الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار.