نهاية… وبداية

أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)
أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)

 

(1) أسطورة القوة التي لا تقهر

يتابع العالم عبر شاشات الفضائيات ما يحدث في غزة بألم بالغ، وفي نفس الوقت ينتاب الناس شعور بالغضب والعجز من عدم قدرتهم على وقف هذه المجازر اليومية، تدرك الشعوب الآن أن أنظمة الحكم الغربية كاذبة وأن ترويجها لقيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، أمر يخص مجتمعاتهم ويطبق فقط على مواطنيهم، أما ترويجه في الخارج فهو من أجل تحقيق مصالح أو لعقاب أنظمة حكم تتجرأ على عصيان أوامرهم وتخرج عن طاعتهم. استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض “الفيتو” ضد مشروعات قرارات أممية لوقف إطلاق النار في غزة أسقط القناع عن وجهها القبيح وتبين أنها مجرد دولة عظمي تستخدم قوتها الغاشمة لتحقيق ما تريد دون مكابح أخلاقية أو إنسانية، كما أن الاختلاف بين دول الاتحاد الأوروبي حول ما يجري في غزة دليل آخر علي تشرذم هذا الاتحاد، وخاصة مع صعود اليمين المتطرف في عدد من دول الاتحاد الأوروبي وتبني يمين الوسط بعض أفكار وسياسات اليمين المتطرف، الغرب رسب في امتحان الأخلاق وحقوق الإنسان الذى طالما روج لنفسه بأنه حاميها وداعمها، كما فشل أيضا في امتحان القوة التي لا تقهر. يوم الثلاثاء الماضي، اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير الدفاع وكبار جنرالات الجيش الروسي، كان اجتماعا موسعا تم فيه استعراض أهم النتائج على المستوى العسكري الميداني خلال العام، وقال بوتين “أسطورة القوة الغربية التي لا تقهر قد تحطمت، حيث تمكن الجندي الروسي من تحطيم تلك الأسطورة”. الهجوم المضاد الذي قام به الجيش الأوكراني والذي روج له الغرب منصف العام الحالي، فشل في إحراز أي نتائج ملموسة رغم الدعم السخي الذي قدمته أمريكا وأوروبا لكييف بتزويدها بكل ما تحتاجه من سلاح وذخيرة بجانب الدعم الاستخباراتي، كان من المتوقع أن يستعيد الجيش الأوكراني جزءا كبيرا من الأراضي التي ضمتها روسيا، ومن ثم يبدأ المسار التفاوضي مع بوتين من منطلق القوة على الأرض.

بعد مرور عامين تقريبا علي العملية العسكرية الخاصة التي بدأتها روسيا علي الأراضي الأوكرانية، لم يحقق المعسكر الغربي أي انتصار يذكر في ميدان القتال أو علي الساحة الدولية، ولم يسقط النظام الروسي ولم ينهار اقتصاد روسيا كما توقع الغرب، بل زادت روسيا من إنتاجها الحربي لمواجهة النقص في المعدات والأسلحة، كما استطاع الزعيم الروسي أن يتعامل بدهاء وبراعة مع العقوبات الغربية ومحاولة فرض العزلة الدولية عليه والتي كسرها بتحالفاته مع دول صديقة لروسيا في مقدمتها الصين، وكذلك بزياراته الخارجية.

أسطورة قوة أمريكا والغرب التي لا تقهر، سقطت في الحرب الأوكرانية كما سقطت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر أمام طوفان الأقصى، وثبت أنه لولا الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل لتجرعت الأخيرة مرارة الهزيمة مرة ومرات في حروبها المتكررة مع العرب. الحرب الأوكرانية وحرب غزة أعادتا تقييم موازين القوة العالمية والإقليمية، من خلال النتائج الميدانية على أرض الواقع، كما أظهرتا المعايير الغربية المزدوجة في التعامل على الساحة الدولية… إنها بداية نهاية الإمبراطورية الغربية التي انفردت بحكم العالم منذ ما يقرب من أربع عقود، كذلك هي نهاية منظمة الأمم المتحدة التي أظهرت حرب غزة عوار هيكلها ولائحتها التي تعطي الأولوية للقوة وليس الحق.

(2) أبو عبيدة: روبن هود العرب

أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام أصبح الشخصية الأكثر شهرة في العالم العربي وخاصة لدى الشباب الذين يعتبروه بطلا خارقا، ورغم أنه يخفي ملامحه بالكوفية الفلسطينية، إلا أن صوته الحاسم الجلي أصبح علامة مميزة وكذلك العبارة التي يرددها دوما في بياناته “إنه جهاد… نصر أو استشهاد”، أبو عبيدة يمثل صوت المنتصر للمستضعفين، إنه أشبه بشخصية روبن هود الغربية، كلاهما اعتبرته الأنظمة الحاكمة خارجا عن القانون وكلاهما قرر أن يحقق القانون العادل بطريقته، لكن هناك فارقا جوهريا بينهما، أبو عبيدة له هدف أكبر من مجرد إيلام الأثرياء وإعادة توزيع ثروتهم علي الفقراء، فالسرقة في حالته ليست مجرد مال أو ثروة زائلة، لكنها سرقة وطن وتاريخ وهوية سرقهم الاحتلال الصهيوني ويواصل سرقته من خلال المستوطنين المتطرفين. أبو عبيدة هو صوت الكرامة العربية والأمل في إحياء القضية الفلسطينية بعد موتها إكلينيكيا في غرفة المفاوضات التي تديرها أمريكا كراعي سلام وهي في الحقيقة داعم للعنف والإرهاب الإسرائيلي. صوت (أبو عبيدة) ينهي سطوة الإعلام الغربي المنحاز لإسرائيل ويمهد الطريق للإعلام الشعبي المتحرر من أعباء المصالح والنفوذ والذي وجد طريقه عبر منصات التواصل وخاصة (تيك توك) و(إكس).

(3) مولد عالم جديد

تأتي نهاية هذا العام والعالم يعيش حالة من الشك والخوف وعدم اليقين، وتوقع أن يكون العام القادم مجرد امتداد للعام المنصرم، بل قد تزداد الأمور تعقيدا وقسوة على الفقراء والمستضعفين، لكنها قسوة المخاض وألم الخروج من رحم مظلم لحياة أكثر رحابة. العالم سيشهد مولد نظام عالمي جديد، وسيواكب ذلك حروب محدودة ومعقدة، حرب عالمية ثالثة لكنها بأسلوب يتلاءم مع عصرنا، بؤر صراع متعددة وحروب غير مباشرة، لكن الأثر سيكون نظاما عالميا متعدد الأقطاب يرافقه مطالبة الشعوب ومنظمات المجتمع المدني بمساحة أكبر من المشاركة في السياسة الخارجية التي يفرضها حكام تقودهم مجموعات مصالح أوصلتهم لسدة الحكم وقد تتعارض مصالحهم مع مصالح الشعوب والدول.

الألم، بكل أشكاله، له وقع سيئ على الإنسان، لكن بدونه لا يمكن أن نعرف موطن الداء ومن ثم كيفية الوصول لعلاجه… العالم كان على وشك الاحتضار والألم كان الثمن العادل الذى عليه أن يدفعه لتصويب المسار.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان