إنه لجهاد.. نصر أو استشهاد.. الرسالة والهدف

أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام
أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام (الجزيرة)

ربما كانت هذه الجملة، التي ترِد في نهاية كل بيانات المتحدث باسم حركة حماس “أبو عبيدة” أو الملثم (إنهُ لجهاد.. نصرٌ أو استشهاد) هي التي تمثل فارقاً في المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من أنها من مأثورات الشهيد عز الدين القسام، قبل استشهاده عام 1935، أي قبل نحو 88 عاماً، إلا أنها ظلت قاعدة راسخة في الجهاد والنضال الفلسطيني بشكل عام، وليس الحمساوي فقط، وهو ما جعل القضية تنبض بالحياة طوال الوقت، لم تمت أبداً، ولم يدر بخلد أبنائها ذات يوم أنها يمكن أن تموت.

ولو أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، ومجلس حربه تدبروا معنى هذه الجملة جيداً والهدف من تكرارها، لأيقنوا أن المواجهات محسومة النتائج لصالح المقاومة في نهاية الأمر، ولأدركوا في الوقت نفسه أن أي مفاوضات أو محادثات مع الفصائل الفلسطينية على اختلاف توجهاتها لا تتضمن عودة الأرض لأصحابها، إنما هي من قبيل الهراء، لن تفضي إلى سلام أو استقرار من أي نوع، ذلك أن الهدف النهائي الفلسطيني بشكل عام، هو النصر بمعنى تحقيق الهدف، أو الاستشهاد بمعنى المقاومة حتى الرمق الأخير.

بالفعل، بدا واضحاً أن خيار النصر أو الاستشهاد، لم يحصل على حقه من الدراسة والبحث في المؤسسات الرسمية الإسرائيلية، على الرغم من أن هذا الخيار لا يتعلق بقطاع غزة فقط، بل هو بوضوح الشمس في أنحاء الضفة الغربية، وفي القدس، بل وفي الداخل الإسرائيلي من خلال فلسطيني 1948، وحتى فلسطينيو الشتات، الذين يمثلون الآن المحرك الأول والفاعل لحركة الشارع في كل قارات العالم دون استثناء، وأهمها الولايات المتحدة.

حتى العرب

الغريب في الأمر، أن هناك من العرب، حكاماً ومحكومين، من لم يفطن أيضاً حتى الآن إلى المعاني المستوحاة من ذلك الشعار، الذي سوف يسجله التاريخ بأحرف من نور، والذي سوف يكون بمثابة العقيدة النضالية لكل قوى التحرر الوطني مستقبلاً، لما يحمله من حسم وحزم في التعامل مع قضية عادلة، لم تعد تحتمل المراوغات أو المساومات أو المواءمات، فما بالنا بالتنازلات، التي هي الأكثر طرحا الآن على موائد المفاوضات، وفي الأروقة الدولية والأممية بشكل عام.

إلا أنه إحقاقاً للحق، كان لشعار أبو عبيدة فعل السحر، في الأوساط الشبابية الناطقة بالعربية من المحيط إلى الخليج، أصبح بديلاً لدروس التربية الوطنية والقومية، التي افتقدتها مؤسساتنا التعليمية، منذ أن دخل مصطلح التطبيع المؤسسات الإعلامية، وما نتج عن ذلك من ترهل وطني وتراجع قومي، ليس ذلك فقط، بل انعدمت النخوة إلى الحد الذي بتنا نتناول فيه أنباء تبادل الزيارات والوفود بين دولة الاحتلال وبعض العواصم العربية، باعتبارها أموراً بديهية أو طبيعية، على الرغم من ممارسات القتل والتنكيل بحق الأشقاء الفلسطينيين بشكل يومي في كل أنحاء الأرض المحتلة.

هذه الحالة من الأمل في صفوف الشباب العربي ككل، التي تواكب بيانات أبو عبيدة، جعلت منه في حد ذاته أيقونة، ينتظر ظهوره الجميع، على اختلاف أعمارهم، وعلى تباين ثقافاتهم، حتى أن مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالتنبيهات التي تشير إلى أن هناك (بيان للملثم بعد قليل) بمجرد أن تشير قنوات الجزيرة إلى ذلك، على اعتبار أن الكلمة سوف تحمل المزيد من الأمل، والكثير من أنباء الفخر والعزة، وأنباء العمليات العسكرية على امتداد ساحة القتال، ناهيك عن المصداقية في القول، والتي جعلت من بيانات الطرف الآخر مثاراً للسخرية والتندر، بعد أن اكتشف المُشاهد أنها تفتقر إلى الصدق من جهة، ومن جهة أخرى تردد طوال الوقت تهديدات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

نتائج محسومة

وإذا عقدنا مقارنة بين جيش أقال قادة سرايا، وأحال آخرين للتحقيق، بتهمة الهروب من ساحة القتال، في مقابل مقاومة تعتمد النصر أو الاستشهاد عقيدة قتالية، فإننا أمام نتائج محسومة على أرض المعارك، خاصة إذا علمنا أن هذه المقاومة تقاتل على أرضها وداخل وطنها، بينما الجانب الآخر محتل غاصب يدرك مقاتلوه ذلك جيداً، والأهم أنهم أصبحوا يدركون أن عناصر هذه المقاومة استثنائيين، هاجموهم في عقر دارهم، اقتحموا عليهم ثكناتهم، أسروا قادتهم، وهو أمر لو تعلمون عظيم في ثقافة الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي الداعم لهم.

كما هو واضح، فإنه انطلاقاً من قاعدة الآية الكريمة (وأمَا ما يَنْفَعُ الناسَ فَيَمْكُثُ في الأَرْض)، ظلت رسالة الشهيد عز الدين القسام (النصر أو الاستشهاد) تتناقلها الأجيال، حتى وصلت أبو عبيدة، ذلك الشاب اليافع، الذي ما إن غاب عدة أيام عن الساحة الإعلامية، حتى سرت الشكوك والظنون، والشائعات والمخاوف، من سوء حاق به، وهو ما يوضح أن الساحة العربية تتشوق لقائد من هنا أو هناك، حتى لو لم يكن عسكرياً، أو حتى لو كان على المستوى الإعلامي والخطابي، وهو ما يجعل من قائد تنظيمي أو عسكري على غرار يحي السنوار، أو محمد الضيف، زعيماً بالمعنى الشامل للكلمة، وقد شهد لهما الأعداء قبل الأصدقاء.

من هنا أيضاً يمكن القول، أن صمود الشعب الفلسطيني داخل أرضه، وذلك الرفض القاطع للتوطين خارجها، ينبع هو الآخر من تلك العقيدة القتالية -النصر أو الشهادة- ذلك أن العامة من أبناء الشعب أصبحوا يؤمنون بأنهم السند الحقيقي للمقاومة، في ظل تخلي الأنظمة العربية، وتواطؤ المجتمع الدولي، وإلا لما رفض أربعمئة ألف من سكان شمال القطاع مجرد النزوح للجنوب، حتى لا يتحقق هدف كيان الاحتلال، بتفريغ الأرض، وتكرار نكبة جديدة، على غرار ما حدث عام 1948.

إنها عقيدة “النصر أو الاستشهاد” التي جاء بها الإسلام، وحملها إلينا سيد الأنام، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وها هي تتحقق على أرض الواقع، بسواعد شعب غزة، شباب فلسطين، الذين يسطرون للعالم فصولاً جديدة من التاريخ التليد، في مواجهة أقوى أسلحة الغرب، وأحط جيوش وكائنات كوكب الأرض.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان