إسرائيل وأمريكا وإرهاب الدولة في حرب غزة؟

ماذا يمكن أن يُسمى ما تقترفه إسرائيل برعاية وشراكة أمريكية كاملة ضد الفلسطينيين في غزة وسائر الأراضي المحتلة؟ أليس ما تمارسه إسرائيل وأمريكا في غزة عملا إرهابيا، يحمل كافة دلالات الإرهاب ومكوناته، ويفتقد أي مسوغ أخلاقي بأي حال من الأحوال؟ ولذلك سعت الولايات المتحدة والغرب عبر الآلة الإعلامية إلى طمس الحقيقة بالترويج لأن إسرائيل تدافع عن نفسها، في انقلاب فجّ على الواقع، واستغفال مفضوح للعالم.
مثال بارز على إرهاب الدولة
تعد الحرب الإسرائيلية الأمريكية الغربية على قطاع غزة مثالا بارزا على إرهاب الدولة، تمارسه دول كبرى “تدعي الديمقراطية” عبر الوكيل الإسرائيلي في المنطقة ضد شعب عربي مسلم يقاوم محتلا غاصبا.
فحتى وقت كتابة هذه السطور، ومع رحى الحرب الهمجية التي لم تتوقف بعد ضد غزة، تجاوزت أعداد الشهداء خلال أقل من ثلاثة أشهر ما يزيد على 20 ألف شهيد، وبلغ عدد الجرحى ما يقارب 54 ألف شخص منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووفقا للقانون الدولي، فإن ما تقترفه إسرائيل والولايات المتحدة هو: جرائم عمدية مع سبق الإصرار والترصد، تحققت فيها الأركان المادية والمعنوية لجرائم الحرب، وجرائم الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية.
التلاعب بمفهوم الإرهاب
على مدار عقود، ومنذ انتهاء الحرب الباردة، وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد، احتكرت أمريكا تصدير المفاهيم وفرضها على العالم وفقا للرؤية الأمريكية الغربية، وكان مفهوم الإرهاب أحد المفاهيم التي تلاعبت بها أمريكا، وأُخضع للمصالح والضغوط السياسية؛ فأصبحت واشنطن تصنف من تشاء من الجماعات بأنها إرهابية، وتصف دولا بأنها راعية أو داعمة للإرهاب، أو أنها تنتهج سياسات عدائية، وتتهم دولا أخرى بانتهاكات حقوق الإنسان، وترفع عن الدول والجماعات تلك الاتهامات متى أرادت وتماشى ذلك مع مصالحها.
والمتأمل في سلوك الولايات المتحدة الأمريكية والغرب على الساحة الدولية سيجد أن الممارسات تخالف تماما ما يُروج من مبادئ عن الديمقراطية وحقوق الإنسان تدغدغ بها مشاعر الجماهير والشعوب، فالموقف الأمريكي والغربي لا يعدو كونه مجرد دعاوى وأدوات ضغط، وتُستثمر في ذلك مؤسسات المنظومة الدولية المهيمن عليها غربيا، وقد تجلى ذلك بوضوح منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
جاء في تقرير للمنظمة الأمريكية لحقوق الإنسان نشرته مجلة (لوفوفيل أوبزرفاتور) بتاريخ 22 مارس/آذار 1993 في عددها الثالث عشر، “أن مبدأ حقوق الإنسان مظلة جميلة تحتمي بها الأمم المتحدة من حرارة الاشتباكات الدموية في المناطق الساخنة في العالم وليس كهدف لإنجاح عمليات السلام، وكانت مظاهر هذا التهاون كبيرة ومتعددة تتجلى في فقدان المصداقية، وفي فشل العمليات، وعدم القدرة على إيجاد الحلول الناجعة لحل النزاع”.
أزمة النظام الدولي الأخلاقية
ومن العجيب أن أمريكا والغرب، ومن منطلق استعلائي أيديولوجي، ينظرون إلى مصر والبلاد العربية والإسلامية نظرة دونية ويعتبرونهم مفرخا للإرهابيين، ومن ثم فحقوق الإنسان والديمقراطية بعيدا عن طرق أبوابهم، وقد عبر عن ذلك صراحة مدير التخطيط السياسي بالخارجية الأمريكية، ريتشارد هاس -ذو الميول الصهيونية- في كلمة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية قبل نحو أسبوع من إعلان كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق عن مبادرة شراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، حيث قال: “إن التجارب القاسية علمتنا أن مثل هذه المجتمعات (العربية والإسلامية) مصدر الإرهابيين والمتطرفين الذين يستهدفون أمريكا لتأييدها للنظم الحاكمة في بلادهم”.
ومنذ أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القطب العالمي الأكبر عانى النظام الدولي من أزمة أخلاقية محتدمة، بسبب الانتقائية الفجّة في تطبيق قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية وتوظيفها سياسيًّا، وشهد العالم زيادة في وتيرة أعمال العنف، وكانت منطقة الشرق الأوسط من بين أكثر المناطق التي زادت وتيرة أعمال العنف فيها، خاصة في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الإرهابية في فلسطين المحتلة والمنطقة.
توظيف مفهوم الإرهاب وفقا للمصالح الأمريكية
ورغم أن المجتمع الدولي لم يتفق على تعريف واحد ومحدد لمفهوم الإرهاب؛ بسبب تباين الرؤى بين الدول واختلاف المعايير، فإنه لا يخالف أحد في تعريف الإرهاب بأنه يمثل الاستخدام غير المشروع للعنف أو التهديد ببواعث غير مشروعة؛ بهدف بث الرعب بين الناس، وتعريض حياة الأبرياء للخطر، ويستوي في ذلك أن يقوم به فرد أو جماعة أو دولة، وذلك بغرض تحقيق أهداف ومصالح غير مشروعة، وهو وفقا لهذا التعريف يختلف كليا عن المقاومة المشروعة التي يتم اللجوء فيها إلى القوة المسلحة بأشكالها المختلفة في حالات الدفاع الشرعي ضد الاحتلال، التي أجازها القانون الدولي بوصفها وسيلة لممارسة الشعوب حق تقرير المصير والاستقلال الوطني.
ومنذ ستينيات القرن العشرين بُذلت جهودٌ أممية لحصر مفهوم الإرهاب حتى لا يختلط بحق المقاومة المشروعة ضد الاحتلال والاستعمار، وقد كان موقف الولايات المتحدة معاكسا لهذه الجهود، حيث عملت على تغييب المعايير واعتماد الانتقائية محلها؛ وذلك حتى تتمكن من توظيف مفهوم الإرهاب وفق ما تشاء، وتصنف أعمال العنف وفقا لرؤيتها ومصالحها المنفردة، وقد توسعت في ذلك ليشمل أعمال المقاومة والكفاح المسلح المشروعة ضد الاحتلال، وقد ضغطت أمريكا بهدف إدانة المقاومة المسلحة في فلسطين المحتلة وتصنيفها تحت اسم الإرهاب، وذلك بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وإثر انعقاد مؤتمر شرم الشيخ عام 1996.
وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بدأت الولايات المتحدة تنتهج التهديد بالعنف والحصار العسكري والاقتصادي للدول الأخرى، وتصنف العالم بأنه إما مع الولايات المتحدة أو مع الإرهاب، وأصبح العرب والمسلمون أفرادا ودولا وجماعات هدفا مستباحا للوصم بالإرهاب، ونشط التحريض الصهيوني للعالم الغربي ضد العالم العربي والإسلامي.
ختاما
تقدم الحرب على غزة نموذجا صارخا لإرهاب الدول في أقبح صوره على الإطلاق، وهي صور لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، فالعالم أمام مشهد يتكون من محتل إسرائيلي غاصب للأرض مدجج بأحدث وسائل العنف والتدمير يمارس كافة الأعمال الفائقة الوحشية، التي تندرج بوضوح تحت تصنيف الإرهاب المتعدد الوجوه، وهو إذ يمارس هذا الإرهاب لا يمارسه وحده، ولكنه يمارسه بشراكة ودعم أمريكي وغربي كامل، وعلى الجانب الآخر شعب محتل يمارس المقاومة المشروعة عبر أدواته البسيطة في مواجهة المحتل الإسرائيلي وحلفائه الأمريكيين والغربيين.
ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي بشراكة أمريكية غربية من قتل المدنيين، وخاصة النساء والأطفال والشيوخ، واستهداف المنشآت المدنية والمستشفيات، ودكّ المدارس وأماكن الإيواء، وحصار ملايين المدنيين وإجبارهم على ترك ديارهم، ومنع الغذاء والماء والدواء عن الناس، لا يستقيم أن يوصف إلا بأنه إرهاب دول غير مسبوق، وإن لم يكن ذلك إرهابا فماذا يمكن أن يكون؟!