الأمم المتحدة.. إكرام الميت دفنه!

مجلس الأمن دعا إلى إيصال المساعدات لغزة بعد امتناع أمريكا عن التصويت (رويترز)

ما زالت الأمم المتحدة بجميعتها العامة (193 دولة)، ومجلس الأمن بها (15 دولة) عاجزة عن اتخاذ أي قرار يجبر الكيان الصهيوني على وقف عدوانه على الأراضي الفلسطينية في غزة، والضفة الغربية، وكل ما يتم من جرائم حرب، وإبادة بشرية يقف أمامها العالم عاجزا.

فقد عجزت الأمم المتحدة عن الوصول لقرار بوقف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. في المرة الأولى وقف الفيتو الأمريكي ليمنع قرار مجلس الأمن بوقف العدوان، وفي المرة الأخيرة فَرّغت الولايات المتحدة -بما لها من حق النقض (الفيتو)- القرار من مضمونه ولم يتخذ قرار وقف العدوان إنما كان القرار توسيع حجم المساعدات الإنسانية العابرة من معبر رفح المصري!!! ويتم ذلك بتفتيش للشاحنات بصورة دقيقة تحت إشراف الكيان الصهيوني.

الانحياز الأعمى للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا أصحاب حق النقض في مجلس الأمن (من بين خمس دول تضم أيضا: روسيا والصين) لصالح الكيان الصهيوني، واعتبار الرئيس الأمريكي بايدن أن الحرب على غزة حرب دولته وشخصه، سوف يظل عائقا أمام أي قرار لصالح وقف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ليصل الأمر إلى تحدي رئيس وزراء الكيان اللقيط ليعلن أنه يبحث عن دول مهجر للشعب الفلسطيني صاحب الأرض في جريمة حرب أخرى تقف فيها الأمم المتحدة عاجزة أمام صلف وعجرفة الكيان الصهيوني.

عجز أمام الكيان الصهيوني

تاريخ الكيان الصهيوني منذ صدور قرار التقسيم عام 1947، واعتراف الأمم المتحدة ـ 50 دولة في ذلك الوقت ـ بإسرائيل كدولة يشهد استهانة كاملة بكل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتتعامل دولة الاحتلال وكأن هذه الهيئة الدولية التي أُسست من أجل الحفاظ على السلم العام، ومنع نشوب الحروب بين دول العالم، وحل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية وكأنها ضامنة لصمت الهيئة على أعمالها وجرائم الحرب والإبادة التي مارستها طوال التاريخ مند قرار التقسيم حتى الآن.

هذه الأريحية التي تتعامل بها دولة الاحتلال ناتجة عن وجود هذه الدول الثلاث التي لها حق النقض في مجلس الأمن مهما كان عدد الدول التي تقترح قرارات تخص حروب إسرائيل على الدول العربية، ومهما كانت أغلبية الدول التي توافق على مثل هذه القرارات. وفي هذه النقطة تتغير أدوار الدول الثلاث فإحداهما تمتنع، وأخرى توافق، والثالثة ترفض بحق النقض، وهكذا تظل دولة الكيان في مأمن عن أي قرار يصدر ضدها ويوقف جرائمها.

فكرة حق النقض الموجودة داخل مجلس الأمن يجعل من كل قرارات الأمم المتحدة بكامل أعضائها مجرد دردشة داخل الهيئة المنوط بها حفظ السلام العالمي، فدولة واحدة من الدول الخمس قادرة على إفشال أي قرار صادر عن الجمعية العمومية البالغ أعضائها 193 بانضمام جنوب السودان عام 2015.

دولة واحدة فقط تجعل قرارات الجمعية العمومية، وأغلبية مجلس الأمن حبرًا على ورق وتثبت عجز الأمم المتحدة، بل ويجعل من مهمتها في الحفاظ على الديمقراطية بدول العالم سردية من الكلام، فإذ كانت الهيئة المنوط بها الحفاظ على الديمقراطية في الدولة غير قادرة على ممارستها فكيف لها أن تجعلها أسلوب ممارسة داخل الدول، حق النقض هو حق ديكتاتوري واستبدادي، وهذا ما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينادي عدة مرات خلال السنوات الأخيرة بإعادة النظر في هذا الحق وفي نظام التصويت داخل المنظومة الدولية.

ماذا لو انسحبت أغلبية الدول؟

الأمم المتحدة خلال سنوات طويلة لم تفلح في أطفاء الحروب وإعادة السلم إلا في مناطق الدول الفقيرة، وتتسارع وتيرة إجراءات العقاب عندما يتعلق الأمر بالدول العربية، ورغم أن الأمم المتحدة فرضت مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية عقوبات كثيرة على روسيا إلا أنها لم تفلح في إنهاء الحرب بين الدولتين. ورغم مساعدات حلف الناتو لأوكرانيا العسكرية إلا أن مجلس الأمن فشل في إصدار قرار ضد روسيا بسبب الفيتو الروسي والفيتو الصيني.

هذا مثال على عجز المنظمة بغض النظر عن الموقف من الحرب، بينما كان قرارات الأمم المتحدة فعالة بعمل تحالفات عسكرية وتسيير قوات جاهزة في حالات مثل العراق 1990، 2003، وليبيا في عام 2011، وهذا ما يفضح الانحياز الأعمى داخل الهيئة العالمية التي لم تسمح لأي مباحثات في حالتي ليبيا، والعراق، وأيضا السودان فيما عرف بحرب الجنوب والتي على إثرها انقسم السودان إلى دولتين.

الفشل الحالي من جانب الأمم المتحدة في مواجهة المجازر الصهيونية في فلسطين، وما تمارسه دولة الاحتلال من جرائم الحرب، وحرب إبادة لشعب كامل، والوقوف العاجز لمجلس الأمن تحت وطأة الفيتو الأمريكي يعيد للمتابع نهاية سلفها عصبة الأمم التي شكلت فيما بعد الحرب العالمية الأولى.

كانت لأربع دول في عصبة الأمم حق النقض: بريطانيا، فرنسا، الصين، الاتحاد السوفيتي، ولم تكن الولايات المتحدة قد أصبحت صاحبة نفوذ يجعلها الخامسة في حق النقض، وفشلت المنظمة السابقة في مواجهة المشكلات التي بدأت مع حقبة ثلاثينيات القرن العشرين من حروب في عديد من المناطق، تلك المشاكل التي انتهت باندلاع الحرب العالمية الثانية (1939) ، والتي كانت شهادة وفاة لعصبة الأمم.

الواقع أن استهانة الكيان الصهيوني والدول صاحبة حق النقض في المؤسسة الدولية الحالية وريثة عصبة الأمم يطرح السؤال حول مدى عدالة هيئة الأمم المتحدة التي لا تراعي ديمقراطية القرار ولا تعتبر برأي الأغلبية، ويطرح السؤال حول مدي جدية أو أهمية وجودها في ظل تحكم عدد قليل من الدول في قراراتها.

فماذا لو قررت مجموعة الدول الأغلبية التي تمثل عصبة الأمم المتحدة انسحابها من الهيئة الدولية، وترك الدول أصحاب حق النقض والاستبداد لتمارس استبدادها على أنفسهم، هل يصبح لهذه المؤسسة العاجزة عن إيقاف دولة لقيطة صنعت بلا شعب ولا أرض واغتصبت أرضا ليست لها، ومنازل وتاريخ، تحت رعاية تلك الهيئة، هل يصبح لهذه الهيئة هيبة وقيمة وكيان؟

إن انسحاب الدول التي تتمسك بالعدالة في العالم من الأمم المتحدة لهو القرار المناسب لعجز هذه الهيئة، أم ننتظر قيام حرب عالمية ثالثة لتكشف العجز وعندها تظهر حقيقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ويصبح إكرام الميت دفنه، ونفضها سيرة!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان