السجل الأسود للاغتيالات الإسرائيلية

أعلنت الإدارة الإسرائيلية عن اتجاهها إلى تصفية قيادات المقاومة الفلسطينية سواء في الداخل أو في أي مكان من العالم، وذلك ضمن مرحلة أخرى في حربها ضد الشعب الفلسطيني، لتعيد للأذهان سجلها الأسود في اغتيالات قيادات منظمات المقاومة الفلسطينية الذي طال عبر الفترة الممتدة من 1972 حتى العام الحالي، اغتيال أكثر من 85 شخصية قيادية خلال 51 عاما، فضلا عمن فشلت محاولات اغتيالهم ومن استشهدوا من تلك القيادات خلال العمليات الحربية أو خلال العمليات الاستشهادية.
وطالت الاغتيالات مختلف الفصائل الفلسطينية، حيث شملت 34 قيادة من حماس و22 قيادة من منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، و11 قيادة من حركة الجهاد الإسلامي وست قيادات من كتائب شهداء الأقصى، وثلاثة من كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولجان المقاومة الشعبية وسرايا الجهاد الإسلامي، واثنين من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وقيادة من منظمة جيش الإسلام.
وكانت الاغتيالات قد نشطت بعد مقتل 11 رياضيا إسرائيليا بدورة الألعاب الأولمبية في ميونخ عام 1972، باستهداف مسؤولين بمنظمة التحرير الفلسطينية في عدد من الدول الأوربية وخاصة قبرص، وامتدت عمليات الاغتيال إلى العديد من العواصم بداية من تونس بقتل عدد من قيادات حركة فتح بها بعد نزوحهم من لبنان، وهو ما تكرر مع محمد الزواري المشرف على تطوير الطائرات المسيّرة لحماس، وإلى مالطا باغتيال فتحي الشقاقي رئيس منظمة الجهاد الإسلامي، وإلى فرنسا باغتيال عاطف بسيسو عضو المجلس الثوري لفتح.
وإلى دبي باغتيال محمود المبحوح أحد قادة كتائب عز الدين القسام، وإلى كولالمبور باغتيال الدكتور فادي البطش العالم المتخصص في الهندسة الكهربائية والصواريخ الموجهة لدى كتائب القسام، كما جرت عمليات أخرى في روما وأثينا وباريس وطرابلس اللبنانية وبيروت ودمشق ومالطة، إضافة إلى العديد من المدن الفلسطينية مثل غزة ورفح والبيرة ونابلس وطولكرم والخليل.
من صواريخ الطائرات إلى التلفونات المتفجرة
وتعددت وسائل الاغتيال فشملت إطلاق الصواريخ من الطائرات على المنازل التي يوجد بها قادة المقاومة، كما حدث للشهيد بهاء أبو العطا القائد العسكري بسرايا القدس، وإطلاق صواريخ الطائرات على السيارات التي يستقلونها كما حدث للقائد الحمساوي الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وإطلاق الرصاص على سياراتهم كما حدث لمحمد الزواري، وإطلاق الرصاص عليهم مباشرة كما حدث لفتحي الشقاقي أمام أحد فنادق مالطة.
وكان من تلك الوسائل كذلك تفجير التلفونات المحمولة التي يحملونها كما حدث للمهندس يحيى عياش المعروف بتصنيع المتفجرات من المواد العادية الموجودة بالصيدليات وغيرها، وكان منها التسميم كما حدث لسعيد السبع أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما تكرر مع خالد مشعل القيادي الحمساوي عام 1997، ولكن تدخل الملك حسين مكّن من الحصول على المصل المضاد للسم وإنقاذ خالد مشعل، مقابل الإفراج عن سجناء إسرائيليين بالأردن.
ولم تقتصر عمليات الاغتيال على القادة العسكريين بل امتدت إلى القادة السياسيين بل والأدباء والأكاديميين مثل الروائي والقاص غسان كنفاني عام 1972، ودكتور القانون بالجامعة الأمريكية في بيروت باسل الكبيسي عام 1973، وماجد أبو شرار مسؤول الإعلام الفلسطيني عام 1981، وركزت عمليات الاغتيال على المهندسين المتخصصين في تطوير الأسلحة والتصنيع المحلي لها ومنهم: الدكتور جمال الزبدة المشرف على مشروع تطوير الصواريخ بحماس، والدكتور فايز البطش المتخصص في كفاءة شبكات الطاقة الكهربائية، وعدنان الغول خبير التصنيع العسكري، والمهندس يحيى عياش الذي جهز من خلال مواد محلية المتفجرات اللازمة للعديد من العمليات الاستشهادية في الداخل الفلسطيني بتفجير الحافلات الإسرائيلية.
جهات إسرائيلية متعددة تشارك في الاغتيالات
واشتركت عدة جهات إسرائيلية في تنفيذ عمليات الاغتيالات، حيث تتخصص وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في العمليات التي تتم خارج الأراضي الفلسطينية، وقد امتدت اغتيالاتها إلى كوادر حزب الله في لبنان وإلى كوادر إيرانية في إيران وسوريا، ويتولى العمليات بالداخل جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) أو الشين بيت، إلى جانب أربع وحدات متخصصة عالية التدريب، هي: يمام والياماس واليماغ والماتيلان.
ويضاف إلى ذلك المستعربون الإسرائيليون وهم رجال عصابات إسرائيليون يتخفون في لباس عربي وأشكالهم شبيهة بالعرب، للقيام بمهام استخبارية وبعمليات تصفية، إلى جانب العملاء الذين يتم تجنيدهم من العرب تحت ضغط الحاجة للمال أو غيرها من الوسائل المخابراتية، ولقد ساهم هؤلاء العملاء في اغتيال قيادات بارزة.
مثلما حدث بإرشاد أحد أصدقاء خال المهندس يحيى عياش إلى وجوده بمنزل ابن شقيقته، لتقوم الجهات الإسرائيلية بحشو جزء من بطارية تلفون خاله المحمول بقدر من المتفجرات، وقطع التلفون الأرضي عن منزل ابن شقيقته، وعندما جاء ليحيى اتصال من والده فاستخدم التلفون المحشو بالمتفجرات الخاص بالخال، قامت وحدة خاصة في طائرة هيلوكوبتر بتشغيل البطارية بمجرد رد يحيى على والده لتحوّل جسمه إلى أشلاء.
وهو ما تكرر بإرشاد أحد العملاء إلى ركوب الدكتور عبد العزيز الرنتيسي لسيارته بعد خروجه من منزله، إذ قام هذا العميل بالاتصال بالمسؤول الإسرائيلي ليتم توجيه صاروخ من طائرة إلى السيارة التي كانت تقل الرنتيسي وابنه ليستشهدا معا.
عدد كبير لضحايا حوادث الاغتيالات
وهكذا لم تكن حوادث الاغتيال تسفر عن استشهاد القيادي المستهدف وحده، حيث أسفرت العديد من حالات القصف للمكان الذي توجد فيه القيادة المستهدفة، عن استشهاد العديد من الأشخاص الموجودين معه، فعند اغتيال صلاح شحادة القيادي الحمساوي بإسقاط كمية من المتفجرات من طائرة على منزله، تم قتل زوجته وأولاده التسعة معه.
وعند اغتيال الأستاذ بالجامعة الإسلامية في غزة نزار ريان بقصف جوي لمنزله، فارقت الحياة معه زوجاته الأربع وأحد عشر من أبنائه وبناته، وعند استهداف منزل شقيق سعيد صيام وزير الداخلية بحكومة حماس عندما كان به، استشهد معه ابنه وشقيقه وزوجة شقيقه وعدد من الأهالي الموجودين بالمكان وقت الغارة، مما يعني زيادة عدد ضحايا الاغتيالات على عدد حالات الاغتيالات التي أمكن حصر 85 حالة منها فقط.
ويظل السؤال هو هل أفلحت تلك الاغتيالات في تعطيل مسيرة المقاومة؟ الواقع يشير إلى أن حركات المقاومة استطاعت إيجاد قيادات بديلة تولت استمرار المسيرة، ولعل في تجربة حماس مثالا واضحا على ذلك، فالأشخاص السبعة الذين أسسوا حركة حماس عام 1987 تم اغتيال ثلاثة منهم هم: صلاح شحادة عام 2002 والشيخ أحمد ياسين 2004 والدكتور عبد العزيز الرنتيسي 2004، بل إن الأربعة الباقين دخلوا السجون الإسرائيلية أكثر من مرة مثلما حدث للقيادات التي تم اغتيالها.
فقد تم سجن عيسى النشار العضو المؤسس للحركة عدة مرات بالسجون الإسرائيلية ومرة بسجون السلطة الفلسطينية، كما سُجن عبد الفتاح دخان أكثر من مرة واستشهد ابنان له، كما اعتقل إبراهيم اليازوري مدة 27 شهرا، واعتقل العضو المؤسس محمد شمعة 13 شهرا وتم إبعاده إلى لبنان، وهو ما يعني تعرض السبعة المؤسسين جميعا للاعتقال مرات، وثلاثة منهم للاعتقال والاغتيال معا، ومع ذلك استمرت الحركة في نشاطها.
وهو ما تكرر مع حركة الجهاد الإسلامي بعد اغتيال قائدها فتحي الشقاقي عام 1995، ومع كتائب شهداء الأقصى بعد اغتيال قائدها رامي الكرمي عام 2002، ومع لجان المقاومة الشعبية بعد اغتيال أمينها العام زهير القيسي عام 2012، ولعل صمود غزة والضفة الغربية خلال العقود الماضية أكبر شاهد على أنه لا الاغتيالات ولا ضحايا الحروب ولا ضحايا السجون كانت سببا في توقف مسيرة النضال، وصدق المواطن الغزّي الذي استشهد بعض أقاربه فراح يدعو آخرين استشهد عدد من أقاربهم إلى الثبات قائلا “كلنا مشاريع شهادة”. فإذا كان هذا هو حال المواطنين فكيف سيكون حال قيادات المقاومة؟