ثورة النساء في أوكرانيا!
من كل أرجاء أوكرانيا تجمعت النساء في حشد كبير في قلب ميدان الاستقلال وسط العاصمة كييف، وفي مظاهرة كبيرة طالبت النساء فيها بعودة أزواجهن من جبهة القتال، خاصة هؤلاء الذين مر عليهم 21 شهرا منذ بداية المعارك ولم يزوروا أسرهم على الإطلاق.
اتشحت النساء بالعلم الأوكراني، ووقفن ينشدن النشيد الوطني للبلاد وسط هطول الثلوج، وهتفن مطالبين بعودة أزواجهن وأولادهن من المعركة، وفي رسالة إلى الرئيس الأوكراني قالت النساء “إن الجنود ليسوا آلات حديدية، إنما بشر يستحقون الراحة ورؤية أسرهم بعد غياب طويل”.
تقدمت النساء في المظاهرة بالتماس موقع من 25 ألف امرأة إلى الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، طالبن فيه بتحسين نظام الخدمة العسكرية، وأن يكون الحد الأقصى للجنود على الجبهة 18 شهرا يعودون بعده إلى أسرهم، كما يجب أن يكون هناك نظام فعال لتجنيد بدلاء يحلون محل الجنود الذين قضوا شهورا طويلة على جبهات القتال.
هي المرة الثالثة التي تتقدم فيها نساء أوكرانيا بالتماس إلى زيلينسكي دون أي رد فعل إيجابي منه، ففي أغسطس/آب الماضي رد على مطالبهن بالإشارة إلى الأحكام العرفية الحالية في البلاد وقال “بموجب الدستور الأوكراني، فإن الدفاع عن سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها هي مسؤولية الشعب الأوكراني بأكمله، وهو واجب وطني… والمواطنون مجبرون على تأدية الخدمة العسكرية وفق المادتين 17 و 65 من الدستور الأوكراني”، وتنص هاتان المادتان على حق الدولة في تجنيد مواطنيها للدفاع عن بلدهم تجاه التهديدات الخارجية.
أوكرانيا تحتاج إلى المزيد من الجنود
تحاول القيادة في أوكرانيا البحث عن مرتزقة يسدون العجز الهائل في الجنود، فعدد الجيش يقدر بـ800 ألف مقاتل ينتشرون على جبهة طولها ألف كيلومتر، منهم 300 ألف لا بد من استبدالهم بسبب الإنهاك والتعب.
الرئيس الأوكراني مشغول بجمع التبرعات من الغرب، ولا يرفض دعوة واحدة لزيارة أي بلد، حتى إن صحيفة ألمانية أشارت إلى أنه سافر إلى نصف أقطار العالم في أسبوع واحد، هو يرغب في انضمام بلاده إلى حلف الناتو، وهو لا يتوقف عن طلب المليارات، ولا عن طلب الأسلحة، وكل شيء وتقريبا.. هو أيضا يحاول بشتى الطرق إقناع الغرب بالأفراج عن الأموال الروسية المحتجزة لديه التي تقدر بـ200 مليار يورو، ومن ثم تحويلها إلى أوكرانيا حتى يتمكن من تجنيد مرتزقة جدد من الخارج، فهو بحاجة ضرورية إلى 12 مليار يورو بشكل سريع لجلب ما بين 450 إلى 500 ألف جندي لتخفيف العبء على قواته، ومن ثم إخماد ثورة النساء المطالبة بعودة الرجال من الحرب!
الغرب يتهرب
يبدو أن الغرب قد ضاق ذرعا بالمساعدات التي يرسلها إلى أوكرانيا دون تحقيق نتائج على جبهة القتال، فالرئيس الأمريكي جو بايدن قلل صراحة من احتمالات الموافقة بسرعة على المزيد من المساعدات الأمريكية التي يطلبها الرئيس الأوكراني، ثم إن الإفراج عن المساعدات الأمريكية الجديدة محظور حاليا بسبب نزاع في البرلمان الأمريكي.
من جهة أخرى لم يدفع الاتحاد الأوروبي الأموال التي طلبتها أوكرانيا بسبب “الفيتو” المجري، وبسبب هذا الاعتراض لم يتمكن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الآخرون من الموافقة على حزمة مساعدات مالية بقيمة 50 مليار يورو كما كان مخططا من قبل.
الهروب من الخدمة العسكرية
المشكلة تكمن أيضا في أن هناك آلافا من الشباب وكبار السن يهربون من الخدمة العسكرية ولا يرغبون في قتال القوات الروسية، وعلى الرغم من أنه لا يسمح للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما بمغادرة البلاد إلا أن هناك تسجيلا لحالات فرار يومية في أوكرانيا في أوساط هذه الفئة، وقد تم حصر أكثر من 700 ألف رجل أوكراني تتراوح أعمارهم ما بين 18 و64 عاما كلاجئين في دول الاتحاد الأوروبي وحدها.
ثمة طرق عديدة يلجأ إليها الرجال للهروب من الخدمة العسكرية، أكثرها شيوعا دفع الرشاوي وشراء طريقة خروجهم من الخدمة وفرارهم إلى الخارج رغم التفتيش العنيف على الحدود، لكن الفساد المنتشر أكبر من ذلك حتى إن رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية يرى أن حب أوكرانيا يجب ترجمته على أرض الواقع وليس كما بين هؤلاء الذين يهربون من الخدمة العسكرية!
وبسبب هذا الفساد المنتشر كان الرئيس الأوكراني زيلينسكي قد أقال جميع الرؤساء الإقليميين لمكاتب التجنيد مما تسبب هذا الإجراء في انخفاض أكبر لأعداد المجندين.
السلطات الأوكرانية لا تتوقف عن مطاردة الشباب لحثهم على التجنيد في كل مكان، ويمكن رؤية الجنود الأوكرانيين اليائسين وهم يبحثون عن الشباب في الأسواق، ومراكز التبضع، والمطاعم، واستوديوهات اللياقة البدنية، والمنتجعات الصحية. وأظهرت مقاطع فيديو منتشرة كيف يتعرض الرجال غير الراغبين في الذهاب إلى جبهة القتال إلى العنف والضرب واقتيادهم عنوة إلى مراكز التجنيد.
الرئيس الأوكراني ليس في أفضل حالاته فمع اندلاع ثورة النساء المطالبة بعودة الرجال من جبهة القتال نجد أن الغرب أصبح مشغولا عنه بما يجري في الوقت الراهن بين إسرائيل حليف الغرب القوي وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة في وقت تعول فيه روسيا أساسا على انهيار الجيش الأوكراني وتفككه مع استمرار الحرب وتوقف المساعدات الغربية.