انهيار “حارس الازدهار”

في الطريق نفسه لدعم العدوان الصهيوني الذي سارت عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جاءت الدعوة الأمريكية لما عُرف بتحالف “حارس الازدهار” الذي تشكله تحت زعم حماية حرية الملاحة والتجارة في البحر الأحمر.
بانضمام الحوثيين في اليمن إلى معركة طوفان الأقصى ضد الاحتلال، وباختيارهم لمنع السفن “الإسرائيلية” من المرور في البحر الأحمر طريقًا وطريقة لتأديب المحتل، جاءت الضربة “للكيان” من حيث لم يحتسب.
بتداعيات حربها العدوانية على غزة أضحى اقتصاد دولة الاحتلال يترنح، وذلك حسب تصريحات المسؤولين الرسميين أنفسهم، اهتزاز عنيف وواضح في المؤشرات الاقتصادية بات لا يحتمل معه ضربات جديدة مثل تلك التي تحدث في البحر الأحمر.
من هنا جاءت فكرة تحالف “حارس الازدهار” الذي دعت إليه الولايات المتحدة ليكون شرطيًّا في البحر الأحمر، يحمي سفن المحتل ويوفر لها الأمن من ضربات الحوثيين التي تكررت طوال المدة الماضية، وينقذ الاقتصاد الصهيوني من المزيد من الانهيار.
دعت الولايات المتحدة الدول الأعضاء الـ38 المشاركين في تحالف “قوة المهام المشتركة” الذي يتصدى لمكافحة أعمال التهريب في مناطق البحر الأحمر وباب المندب للانضمام إلى “حارس الازدهار”، وقد خاب مسعاها منذ البداية.
بمخاوف من التورط المباشر ضد الفلسطينيين في حرب غزة، لم يوافق على الانضمام إلى التحالف الجديد سوى تسع دول فقط، لم يكن من بينها إلا دولة عربية واحدة هي البحرين، قبل أن تتراجع بعض الدول التي اختارت الانضمام إلى التحالف.
امتناع عربي
اختارت مصر -التي سبق أن قادت قوة المهام المشتركة- عدم التورط في الانضمام إلى “حارس الازدهار” لأسباب ترتبط برفض مبدئي لأن تقوم بدور الحارس لمصالح “إسرائيل” في البحر الأحمر، ثم لحساسية شعبية كبرى في الداخل المصري لمثل هذا التحالف الذي لا يمكن قبوله أو تسويق أهدافه تحت أي ظرف، خاصة مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، وتنامي شبح سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء في خطوة تهدف لتصفية القضية الفلسطينية نهائيًّا.
في الامتناع المصري عن المشاركة في التحالف ضربة لمحاولات أمريكا حماية السفن الإسرائيلية بدعم ومساندة عربية.
بالقدر نفسه من مخاوف الغضب الشعبي وعدم القدرة على تسويق أسباب التحالف، جاء الامتناع السعودي الإماراتي عن الانضمام إلى “حارس الازدهار” ليشكل ضربة جديدة، وليشجع آخرين على الابتعاد عن القيام بدور الشرطي الذي تعتمد عليه “إسرائيل” في البحر الأحمر.
امتنعت السعودية والإمارات عن الانضمام إلى التحالف الأمريكي الجديد لأسباب تبدو متشابهة، وكلها تتعلق بمصالح للدولتين قد تتضرر، وهو ما لا تريده السعودية ولا الإمارات، رغم التشدد الإماراتي المعروف في التعامل مع الحوثيين، ورفض الدخول في حوار معهم حتى اللحظة على الأقل.
بمعنى أوضح: ففضلًا عن الرفض الشعبي الداخلي واستمرار العدوان، لم تكن الدولتان على استعداد للدخول في صراع مع الحوثيين قد يهدد مصالحهما، أو يعرّضهما لضربات عسكرية حوثية ضد حقول النفط، وهو ما حدث قبل ذلك بالفعل، إضافة إلى أن الانضمام المباشر للتحالف الجديد ربما يؤدي إلى إفشال الحوار السعودي الإيراني الذي بدأ أخيرًا لتطبيع العلاقات.
من هنا وجدت الدولتان أن الرغبة الأمريكية في حماية أمن سفن “إسرائيل” في البحر الأحمر ليست سببًا كافيًا للإقدام على تلك الخطوة الخطيرة وغير المحسوبة، والتي تبدو غير مأمونة العواقب.
بامتناع مصري سعودي إماراتي عن الانضمام إلى التحالف الأمريكي الجديد، انكشف -ضمنيًّا- الهدف منه، وأصبح قرار المشاركة فيه عبئًا مخيفًا على الدول التي بدأت تتململ من استمرار حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، بعد أن انفلتت من كل صور العقل والإنسانية، وظني أن الرفض الثلاثي العربي لم يكن في حسبان الولايات المتحدة الأمريكية وقت أن دعت إلى التحالف الجديد، وقد تسبب هذا الرفض في الإضرار بالفكرة الأمريكية الخبيثة وأهدافها الخفية، وصعّب الأمر على دول أخرى لم تعد متحمسة لاستمرار العدوان، ولا قادرة على إقناع شعوبها بعدالته.
تراجع أوروبي
على وقع الميلاد المتعثر للتحالف الأمريكي الجديد، جاءت مواقف دول أوربية عدة أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انضمامها إلى “حارس الازدهار” صادمة، إسبانيا قالت إنها لم توافق على أن تصبح جزءًا من التحالف، وكشفت رسميًّا عن موقفها النهائي وهو عدم الانضمام إليه، في حين تراجعت فرنسا عن المشاركة في الحلف الراعي للكيان خشية “تأثير انضمامها على العمليات الأخرى”، وهو تراجع مغلف بصيغة سياسية واضحة، ثم كانت الصدمة الثالثة للولايات المتحدة بإعلان إيطاليا عدم نيتها المشاركة في التحالف وأنها ستحمي سفنها بنفسها ودون المشاركة في تحالفات جديدة.
بممانعة عربية وأوروبية بات التحالف المنتظر في مهب الريح، وصارت ضربات الحوثيين ضد سفن دولة الاحتلال واقعًا يصعب التعامل معه، وصداعًا لا يتوقف في رأس إسرائيل وراعيها الأمريكي.
تصدُّع موقف داعمي العدوان
برفض عربي وانسحاب أوروبي من “حارس الازدهار” انكشف المشهد الدولي بشكل جلي، فقد بات العدوان عبئًا على دول العالم، وأمسى الغضب الشعبي عاملًا ضاغطًا على قادة الدول الأوروبية التي دعمت المحتل منذ اللحظة الأولى، ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على الاستمرار في حشد دول العالم لمساندة حرب الإبادة التي يشنها الصهيوني على قطاع غزة، وتصدَّع الحلف الغربي الذي شُكّل عقب السابع من أكتوبر. هذا الفشل في بناء التحالف الجديد هو مؤشر واضح على بداية العد التنازلي لوقف العدوان، فرفض الدول الأوروبية المشاركة في تحالف “حماية سفن إسرائيل” سيكون له ما بعده، وسيغدو عنصرًا ضاغطًا على سلطة الاحتلال التي باتت تدرك أن الدعم الدولي انفض من حولها، في حين أخذ الموقف الأمريكي في التململ رغم الدعم العلني ومحاولات إنقاذ الاحتلال من المستنقع الذي يغرق فيه كل يوم بشكل أكبر.
في كل يوم يزداد الاعتقاد أن الصهيوني فقد أنصاره، وتتراكم المؤشرات إلى اقتراب نهاية العدوان وتوقفه مهزومًا مدحورًا.