عندما نجح إعلام المقاومة في هزيمة الإعلام الصهيوني

أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام (رويترز)
أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام (رويترز)

منذ بداية معركة “طوفان الأقصى”، واختيار المقاومة هذا الاسم تحديدًا للمعركة؛ ظهر جليًّا وواضحًا أن هناك آلة إعلامية قوية تقف وراء المقاومة، وتستطيع إدارة المشاهد كلها لصالحها، وفق أهداف وتخطيطات محدَّدة.

فقد كان اختيار اسم “طوفان الأقصى” مدروسًا وقويًّا؛ إذ لقي صدًى كبيرًا لدى المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها، لمَ لا والمسجد الأقصى وما حوله مكان مقدَّس لدى جميع المسلمين، وقضية المسجد الأقصى لا يختلف عليها مسلم مهما كان مذهبه وموطنه.

رسائل بالصوت والصورة

فقد كانت بداية مشاهد معركة طوفان الأقصى، التي بُثت يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مصدر فخر للمسلمين كافة بعدما فجَّروا مفاجأة أسعدت الجميع؛ إذ استطاعت المقاومة هزيمة الكيان المحتل في معركة استخباراتية لم تحدث للكيان منذ 50 عامًا عندما وقعت حرب أكتوبر، وانتصر فيها الجيش المصري على جيش الكيان، لتعيد المقاومة هذا الانتصار في مشاهد رآها الجميع.

ولم تكتفِ المقاومة بهذا الانتصار، فقد كانت تبُثُّ يوميًّا من خلال الإعلام العسكري مشاهد كان ينتظرها الجميع في مختلف دول العالم على كيفية قصف وتدمير وقنص جنود الاحتلال منذ الاجتياح البري لقطاع غزة، فبثّت رسائل يومية مصوَّرة رغم القصف المدمر بالطائرات والدبابات لحصيلة معاركها مع الكيان، فتُظهر استهدافها للمركبات والدبابات وحاملات الجنود وغيرها من الأهداف، وفق خطط إعلامية ناجحة كانت تظهر في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، أكدت تفوّق المقاومة في المعارك البرية، وكذلك من مسافة صفر كما شاهدنا.

الملثَّم الأيقونة

حتى اختيار المتحدث العسكري الملثَّم “أبو عبيدة” الذي كان يتلو البيانات لم يأتِ من فراغ، فقد كان ثابت الجأش، متمكنا من اللغة، ويتنفس بعمق دون تسرع في الكلام، ومخارج الألفاظ لديه واضحة، وكأنه تعلَّم في أرقى كليات الإعلام العالمية، وزادت نسبة مصداقية الناطق باسم المقاومة لدى الرأي العام العربي والعالمي من وجهة نظر المختصين عن 90%، بينما لم تصل مصداقية الناطق باسم جيش الاحتلال إلى 20%، لدرجة أنه لا يتجرأ على التحدث لإعلاميين أجانب.

فمَن يستمع لخطابات “أبو عبيدة” المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، يلفت نظره طريقة الإلقاء الهادئة والمريحة لبياناته، التي تعكس ثقة بالنفس ومصداقية عالية، رغم قسوة الظروف، كما أن طريقة “أبو عبيدة” في الإلقاء تخلو تمامًا مما يسمى “خلل النطق التشنجي”، وأنه يتبع طرق النطق الصحيحة للحديث إلى الآخرين، فبخلاف الوقوف باستقامة؛ بما يُعطي صوته قوة ووضوحًا؛ فهو يتحدث ببطء دون تشنُّج، ويتنفس بأريحية من “بطنه”، فيَخرُج صوته أكثر عمقًا، ليوحي بالثقة، على عكس التنفس من “الصدر” الذي يجعل الحديث متوترًا.

كما أن نبرة صوته جاءت هادئة ومنتظمة، فتجنب “أبو عبيدة” الصراخ الحنجوري؛ لأن الأصوات ذات النغمة العالية التي تصدر من الأنف تُظهر عصبية المتكلم، وعدم ثقته بنفسه، ليُمثل ظاهرة إعلامية لها “كاريزما” جعلت خطاباته ينتظرها العالم أجمع.

وكلّ يوم تكسِب المقاومة نقاطًا إضافية على طريق الانتصار، بتقديمها أدلة دامغة على عملياتها وأرقامها، ويكتفي الاحتلال بالصراخ والتهديد، وما يقدمه للرأي العام ينكشف زيفه وتزويره بسرعة كبيرة؛ إذ استطاع شبان صغار عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وبإمكانات محدودة، أن يهزموا كبرى وسائل الإعلام العالمية بميزانيات تصل إلى مليارات الدولارات.

حيث نجح إعلام المقاومة ونجح “أبو عبيدة” الملثم في أن يصبح أيقونة نضالية بفضل الكاريزما التي يتحلى بها، من خلال بث طوفان الحقائق يوميًّا، ليبدّد به كذب الاحتلال، ومَن يعاونهم من الإعلام الغربي، كما نجحت المقاومة بتوثيقها كل المعارك وتصريحات قادتها بالصوت والصورة في تغيير مواقف الشعوب الغربية؛ حيث أصبحت هناك مظاهرات يومية لمناصرة أهل غزة.

النجاح الإعلامي في صفقة الأسرى

وكان النجاح الأكبر الذي حققه إعلام المقاومة يتمثل في عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين، فالصور والفيديوهات التي بثتها المقاومة لعملية تسليم هؤلاء الأسرى أدّت دورًا كبيرًا في إظهار تعاملها معهم، فقد بدا ظاهرًا لكل العالم الإنسانية والأخلاق التي يتحلى بها شباب المقاومة من خلال علاقتهم بالأسرى.

حيث رأينا -ولأول مرة- أسرى يضحكون مع آسريهم، ويرسلون لهم التحية والقبلات، ويتبادلون معهم الحوار، وتبدو على وجوههم الابتسامات والامتنان، وربما كانت كلمة “باي باي (مع السلامة)” هي الكلمة الأكثر تكرارًا والغالبة على لسان هؤلاء الأسرى، يودّعون بها شباب المقاومة، لتُظهر الفَرق بينها وبين معاملة الكيان المحتل مع الأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال.

أظهر إعلام المقاومة -أثناء تسليم الأسرى الصهاينة إلى الصليب الأحمر- لقطات أشبه بلقاءات الوداع بين الأهل والأحباب، بين الأسرى وأفراد المقاومة، ونجح في نقل القيم الإنسانية الإسلامية التي تتبناها المقاومة إلى الضمير العالمي في شكل إنساني فريد، لتُظهر المقارنة فرقًا شاسعًا بينها وبين معاملة جنود الاحتلال للأسرى الفلسطينيين، بما صاحبه من عنف وكراهية، وتهديد لأهالي المحرَّرين، ومنعهم من التحدث للإعلام.

كما أن التجهيز الإعلامي والأمني لصفقات تسليم الأسرى كان مميَّزًا باختيار الأماكن في جميع أنحاء القطاع وسط ظهير شعبي كان حاضرًا، وقوات مجهزة من أفراد المقاومة في صورة مرسومة بعناية فائقة، توضح الكثير دون تكلُّف أو ابتذال، لتكون الصورة خير شاهد على سيطرة المقاومة على الأرض والموقف.

إن معركة “طوفان الأقصى” أكدت أن المقاومة لم تطور قدراتها العسكرية فقط خلال السنوات الماضية؛ ولكنها استطاعت بجدارة ملموسة أن تبني كيانًا إعلاميًّا قويًّا ورصينًا، استطاع فضح كذب الإعلام الصهيوني وتدليسه، ومناصريه من الإعلام الغربي، لتُسطر المقاومة نجاحًا ساحقًا في مجال الإعلام يجب تدريسه لجميع الحركات والتيارات والإعلاميين على مستوى العالم.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان