الاحتلال وميزان الشرعية الدولية

لحظة وصول عشرات الشهداء والمصابين جراء قصف استهدف مناطق متفرقة في خان يونس جنوبي قطاع غزة
لحظة وصول عشرات الشهداء والمصابين جراء قصف استهدف مناطق متفرقة في خان يونس جنوبي قطاع غزة (الجزيرة مباشر)

 

ما إن يقع أي حادث عارض من إحدى دول الجنوب والشرق المغضوب عليه من دول الشمال حتى تُفتح أروقة الأمم المتحدة في ظلام الليل، ويُستدعى على عجل أصحاب الفيتو الحاكمين لمجلس الأمن الدولي، وبسرعة البرق وقبل أن يصحو النائمون نكون قد دخلنا إلى الباب الثاني من الفصل السابع الخاص بعقوبات الدول التي تحتل أراضي الغير.

في غضون أيام تُسيَّر الطائرات والجيوش الغربية وأتباعها في انتفاضة تحرير تحت مسميات قوية (عاصفة الصحراء) (تحرير المضطهدين) وغيرها من الأسماء التي تستدعيها قوات التحالف من أجل القضاء على الأخضر واليابس في بلاد المغانم والثروات للشمال والغرب صاحب القوة العسكرية، والفيتو في مجلس الأمن الدولي.

حدث هذا في العراق وأفغانستان وليبيا والسودان ومالي وغيرها من بلاد الجنوب الذي هو مطمع من أصحاب القوة، وعندما يصل الأمر إليهم في الغرب تُغلق أبواب الأمم المتحدة (ضاعت مفاتيحه) ولا نسمع لمجلس الأمن أبوابًا تُفتح ولا فصولًا، لا فصلًا خامسًا ولا سابعًا، لا بابًا ثانيًا ولا رابعًا، وتُعطَّل إرادات الشعوب والأمم لأن هناك مصلحة لميزان قرارات الأمم والمجلس المُعوَّج في التعطيل والإغراق.

أما عندما يصل الأمر إلى الكيان الصهيوني (إسرائيل) فلا مجال هنا للنقاش، ولا قيمة للقرارات التي يُطلَق عليها قرارات الشرعية الدولية باعوجاج قرارات ميزانها، حدث هذا طوال عمر الاحتلال الصهيوني، وكأن هذا الكيان اللقيط خارج المنظومة الدولية، وقرارات هيئاته، وميزانه عدله.

هذا الميزان الذي جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول “إن قرارات إيقاف العدوان الصهيوني وحرب الإبادة الشاملة الدائرة الآن قد تعطلت في مجلس الأمن الدولي، فقد وافقت عليه 123 دولة، وأوقفها اعتراض 4 دول، وهو ما يعني خللًا في نظام هذه الهيئات والمؤسسات، ولا بد من إصلاحه”، ويطالب الرئيس التركي بإعادة النظر في نطام التصويت وحق النقض (الفيتو) بهذه الهيئات والمؤسسات.

ميزان العدل مُعوَّج

العدوان الصهيوني على قطاع غزة تتسع دائرة المعارضين له، والمنتقدين لحرب الإبادة الشاملة للمدنيين في غزة وكل الأراضي الفلسطينية، شعوب العالم الحرة تتضامن بشكل واسع ضد ما يقوم به الكيان، نحو عشر دول قطعت علاقتها بالكيان الصهيوني، وسحبت سفراءها، وطردت سفراءه.

مظاهرات في كل أنحاء العالم، وأغلب دول العالم تصف ما يحدث بجرائم الحرب، وتطالب بتقديم قادة الكيان إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولا يلبث بعض حكام الدول العربية (الصامتين) عن وصف الحرب الدائرة بحرب الإبادة الإنسانية ( شكر الله سعيكم)، وتستمر الإدانات الشعبية، ولا حياة لمن تنادي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

أمام أفعال الكيان الصهيوني على مدار 75 عامًا تتوقف عقارب ساعة الأمم المتحدة عن الدوران، ولا تُفتح فيه أي ورقة من أوراق ميثاق الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وإن تحركا فقراراتهما لا تنفذها إسرائيل، هكذا في كل القرارات من 248 حتى 332، أي رقم لقرار له علاقة بالكيان الصهيوني لا يُنفذ، والكيان الصهيوني يُخرج لسانه للعالم (نحن خارج تلك المنظومة)، والآن لم يخرج صوت للأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الدولي لإدانة أو إيقاف ما يحدث في فلسطين وغزة.

تتحكم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في قرارات مجلس الأمن بحق النقض (الفيتو)، والدول الثلاث تعُد الكيان الصهيوني فتاها المدلل في العالم، فهو صنيعة الثانية والثالثة، بقرارات الإنشاء والتوطين والرعاية الأولى، حتى أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الراعية الرسمية بعد أفول الإمبراطورية البريطانية والفرنسية..

ترى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن الحرب المشتعلة في فلسطين وعلى شعبها هي حرب ثلاثتهم، ولا عجب حين يقول وزير الدفاع الأمريكي “لن نسمح بانتصار حماس”، فهذا التصريح من كبيرهم يعبّر عن توجهات الدول الثلاث، وكذلك عن مجلس الأمن والأمم المتحدة.

الرئيس الفرنسي أعلن أنه طلب من الكيان الصهيوني تجنب ضرب المدنيين، وألا يحدث في جنوبي قطاع غزة ما حدث في الشمال، والكيان الصهيوني كالعادة يضع في الأذن اليسرى العجين، واليمنى الطين، ويواصل قصف المنازل والمدراس والمستشفيات.

يقتل الأطفال والنساء والشيوخ في مذبحة يصمت عليها العالم وهيئاته، ويشاهدها الجمهور والحكام العرب من المقصورة الرئيسية لقصورهم، صمت تخجل منه الإنسانية التي تباد على أرض فلسطين، ويضعه التاريخ في أسوأ صفحاته، فما دام ميزان العدل مُعوَّجًا، وقرارات الشرعية الدولية تضعها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فلن تضعها إسرائيل موضع الاهتمام أو العناية.

“لازم تعيش المقاومة”

لا يعترف العالم إلا بلغة القوة، وإذا افتقدت هذه القوة فلن تستطيع أن تفرض على هذا العالم ما تريد سواء عن طريق الحرب أو الدبلوماسية، وقد اتضح على مدار شهرين من بداية طوفان الأقصى أن أغلب دول الجنوب لا تمتلك مثل هذه القوة.

لا قوة عسكرية تساند أصحاب الحق والأرض، وتقف في وجه العدوان الصهيوني الأمريكي الغربي، أما القوة الشعبية والدبلوماسية فقد فشلت حتى الآن في فتح معبر رفح وتنتظر الإذن الصهيوني، فحدّث عنها ولا حرج.

منظمة التعاون الإسلامي (57 دولة) لم تستطع إجبار أحد أعضائها على فتح هذا المعبر، وكذلك الجامعة العربية (22 دولة)، وهاتان الهيئتان اجتمعتا مرة واحدة منذ العدوان، ولم نر للاجتماع أي أثر في الحرب التي لا تتوقف.

هذا يعكس القدرات العسكرية والدبلوماسية للدول العربية والإسلامية كافة، ويؤثر كثيرًا في موقف الدول التي تتعاطف مع القضية الفلسطينية، وهذه الحرب على الشعب الفلسطيني مثل دول أمريكا اللاتينية أو جنوب إفريقيا.

القوة الوحيدة التي تمتلكها القضية الفلسطينية (فلسطين) والشعوب العربية والإسلامية المغلوبة على أمرها هي المقاومة الفلسطينية، كتائب المقاومة بكل فصائلها في غزة والضفة الغربية والقدس، وكل الأراضي العربية المحتلة، مع دخول أكثر قوة وتأثيرًا للمقاومة في جنوبي لبنان والعراق واليمن، كل من يحمل السلاح هو الأمل الوحيد في إيقاف هذا العدوان والتدمير الحادث في فلسطين.

إن صمود شعب فلسطين بكل طوائفه وفي كل أرجاء الأرض الفلسطينية هو أمل العاجزين من أبناء الأمة العربية والإسلامية، ومع كل جملة صغيرة لطفل أو طفلة فلسطينية تهتز أركان الكيان الصهيوني، مع صمود كل أم فلسطينية تستقبل استشهاد أبنائها وعائلاتها ترتجف أوصال جسد الصهاينة، ومع إيمان كل الرجال والمصابين بقوة حقهم تنهار أحجار البناء في المجتمع الصهيوني.

هؤلاء الصامدون على مدار الأيام الستين الماضية، وعلى مدار عقود من الاحتلال، هم أمل الأمة العاجزة عن الدعم، وهم وحدهم القادرون على الانتصار، وإنه لجهاد؛ نصر أو استشهاد.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان