بين الفاعل اللغوي والفاعل الحقيقي.. خدعة إعلامية

الحروب تفرض لغتها على الخطاب الرسمي الغربي (غيتي)

 

تكثر الخدع اللغوية والمنطقية في الخطابات الإعلامية لكننا سنسلط الضوء على خدعة لغوية يستخدمها السياسيون لتبرير مواقفهم، وهي صرف الذهن عن الفاعل الحقيقي وذلك بذكر الفاعل اللغوي دون ذكر الفاعل الحقيقي، وقد ظهر هذا في الخطاب الإعلامي الغربي جليًّا في الخطابات تجاه معركة “طوفان الأقصى”، وهذا يحتاج إلى بحث علمي لتحليل الخطاب الإعلامي الغربي عمومًا تجاه الصراع العربي الصهيوني، لعلنا نبحثه قريبًا.

للنحاة تعريفات كثيرة للفاعل اللغوي راعوا في أكثرها جانب الدقة اللفظية المنطقية، فتعريف الفاعل عند النحاة: اسم مرفوع قبله فعل تام، أو ما يشبهه، وهو من قام بالفعل أو اتصف به، مثل “انتصر الجيش” فالفاعل هنا “الجيش” وهو من قام بالفعل، أما قولك “تمزق الثوب” فالفاعل هنا “الثوب” فالثوب لم يقم بالفعل بل اتصف به، لكن الواقع يقول إن الثوب مفعول به، فالعقل والمنطق يرفضان أن يكون الثوب هو من مزّق نفسه، وليس في الجملة السابقة ما يدل على الفاعل الحقيقيّ المنشئ للتمزيق، بل إنّ الثوب هو من وقع عليه فعل التمزيق، وهذا كثير مثل “مات الرجل” و”سقطت الطائرة”، فهنا الفاعل لم يقم بالفعل بل اُتِّصف به، ويمكن صرف ذهن المخاطب عن الفاعل الحقيقيّ أو تركيزه عليه بطرائق ثلاث:

 أولًا: الفاعل بين القيام بالفعل والاتصاف به

ينطلق الخطاب الرسميّ الغربي من رواية الكيان الصهيونيّ ويسعى إلى تأكيدها، السؤال هنا كيف تستخدم تلك الخدعة اللغويّة في الخطاب الإعلاميّ الغربيّ؟ وللإجابة عن هذا السؤال نعرض بعض الأمثلة، “تعازينا للعمال الذين فقدوا حياتهم وهم يساعدون المدنيين في الأزمة المستمرة”. فقدوا حياتهم، الفاعل اللغوي هنا “واو” الجماعة وهو ضمير عائد على العاملين في “الأونورا” وكأن العاملين في “الأونروا” فقدوا حياتهم برغبتهم، هنا لم يذكر الفاعل الحقيقي فلم يقل من أفقدهم حياتهم، فأتى بفعل لازم “فقد” ولم يذكر الفعل المتعدي “أفقد”، فلو ذكره لقال “الذين أفقدتهم إسرائيل حياتهم”، وهذه هي الخدعة اللغويّة وهي ذكر الفاعل اللغوي دون ذكر الفاعل الحقيقي، ومثال ذلك أيضًا “حياة المدنيين الفلسطينيين الذين فقدوا حياتهم”، هذا عندما يكون الحديث عن الكيان الصهيونيّ.

وفي المقابل إذا كان الحديث عن “حماس” تجد الفاعل اللغويّ هو الفاعل الحقيقيّ كما يرى المتحدث، ومثال ذلك “والإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس”. الفعل “تحتجز” والفاعل اللغوي هنا “حماس”، مثال آخر “ولا ينبغي لنا أن ننسى أن بين أكثر من 1400 شخص قتلتهم حماس” فالفاعل اللغوي هنا “حماس” وهو الفاعل الحقيقيّ من وجهة نظر المتحدث، فلم يقل مثلًا “ولا ينبغي لنا أن ننسى أن بين أكثر من 1400 شخص الذين ماتوا في تلك الأحداث”؛ لأن هناك رغبة من المتحدث في إظهار الفاعل للمخاطب.

ثانيًا: بين إضافة المصدر إلى فاعله وإضافته إلى مفعوله

المصدر الصريح هو اسم يدل على حدث غير مقيد بزمن، ويمكن إضافة هذا المصدر إلى فاعله مثل “وضرورة رفض جميع الدول لإرهاب حماس”، فالمصدر هنا “إرهاب” من الفعل الرباعي “أرهب”، وقد أضافه إلى فاعله من وجهة نظره “حماس”، أما في الخطاب عن الكيان الصهيوني فتجده يقول “نحث على تجنب قتل المدنيين” فالمصدر هنا “قَتْل” من الفعل “قَتَل”، وقد أضاف الفعل إلى مفعوله “المدنيين” ولم يذكر الفاعل، ولو ذكره لقال “قتل إسرائيل للمدنيين”، فبقدرة لغويّة عبقريّة يصرف ذهن المتلقي عن الفاعل الحقيقيّ، وذلك بإضافة المصدر إلى مفعوله وليس إلى فاعله على عكس الجمل المستخدمة عن “حماس” التي يضيف فيها المصدر إلى الفاعل وليس إلى مفعوله، ويأتي التصريح التالي ليوضح مدى استغلال المتحدث لهذه الخدعة “تم اليوم إطلاق سراح مواطنين أمريكيين كانت حماس قد احتجزتهما كرهينتين”، المصدر هنا “إطلاق” وقد أضافه إلى مفعوله وهو سراح مواطنين، ولم يذكر من أطلق سراحهم، بالطبع “حماس”، فلم يرد المتحدث نسبة فعل جيد وهو إطلاق سراح مواطنين أمريكيين لـ”حماس”، وفي التصريح ذاته ذكر الفعل “احتجزتهما” والفاعل مستتر عائد على اسم كان “حماس” فقد نسب لـ”حماس” الاحتجاز ولم ينسب لها إطلاق السراح.

ثالثًا: بين بناء الفعل المعلوم والمجهول

الجملة الفعلية تتكون من فعل وفاعل، وأحيانًا لا يُذكر الفاعل في الجملة ظاهرًا ولا مستترًا، وهذا يُسمى بناء الفعل لغير فاعله (الفعل المبني للمجهول) وقد ينوب عنه المفعول به، ومثال ذلك “لقد قُتل عدد كبير جدًا من الفلسطينيين حتى الآن”، الفعل هنا “قُتِل” وهو فعل مبني للمجهول، وكأننا نجهل الفاعل، بل هي رغبة أكيدة في عدم ذكره، فلو بنى الفعل للمعلوم لقال “لقد قتلت إسرائيل عددًا كبيرًا جدًا من الفلسطينيين حتى الآن”، وتتعدد أغراض بناء الفعل للمجهول، والغرض هنا التستر على الفاعل، وعلى النقيض تمامًا في الحديث عن “حماس”، فمن ذلك “ضد الهجمات الإرهابية التي تشنها حماس”، الفعل هنا “تشنها” والفاعل ظاهر “حماس”.

يتضح من الأمثلة السابقة قدرة هذه الخدعة اللغويّة على إخفاء الفاعل الحقيقي وإن ذُكر الفاعل اللغويّ، فيسعى المتحدث إلى إخفاء الفاعل الحقيقيّ أو إظهاره حسب الرغبة السياسيّة، ففي الحديث عن الكيان الصهيونيّ يذكر الفاعل اللغويّ ويُخفي الفاعل الحقيقيّ، وعلى النقيض عند الحديث عن “حماس” فيُظهر الفاعل الحقيقيّ ويلصق به الفعل إلصاقًا.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان