معركة ماسك واللوبي الصهيوني.. هل تخصنا؟
منذ بداية المشروع الصهيوني أولى قادته عناية فائقة بالإعلام، حتى تساوى في الأهمية عندهم مع تشكيلهم للعصابات المسلحة، وعلى ذلك توافق الكثيرون ممن درسوا التاريخ اليهودي عبر العصور كلها على القول بأن اليهودية ديانة إعلامية، وتعبيرًا عن أهمية السيطرة على المنابر الإعلامية قال الحاخام (راشورون) في خطبة له بمدينة براغ عام 1869 (إذا كان الذهب هو قوتنا الأولى للسيطرة على العالم فإن الصحافة ينبغي أن تكون قوتنا الثانية)، ووفق هذه الرؤية شكل هذا السلاح الفتاك رأس حربة في قدرة دولة الاحتلال على قلب الحقائق واعتماد روايتهم الكاذبة للأحداث والوقائع، ونجحوا بوساطته في “غسل الأدمغة” وتوجيه الرأي العام الدولي، ولم يسمحوا بأي رأي مخالف لهم، وتهمتهم المعلبة لمن يجرؤ على التصدي لألاعيبهم “معاداة للسامية”، حيث لم يسلم أحد من هذا الاتهام مهما بلغ شأنه أوعلا مقامه.
لقد ربى الإعلام الصهيوني أجيالًا في أوروبا وأمريكا على الولاء الأعمى لدولة الاحتلال، وحق جيشه الذي يعيش وسط غابة من الأشرار في سحق الفلسطينيين كونهم إرهابيين يدعمهم محيط من المتخلفين العرب والمسلمين.. الآن بعد معركة الطوفان لأول مرة تهتز هذه الأفكار والمعتقدات، وكلنا يتابع صدى ما يحدث من جرائم في الأرض المحتلة لدى كثير من الغربيين الذين يستفيقون من غفوتهم ليروا الصورة لأول مرة على وجهها الحقيقي.
معركة الإعلام لا تقل خطورة عن معركة السلاح
على ضوء ما تقدم، ربما لا نبالغ حينما نقول إن معركة الإعلام لا تقل خطورة في نتائجها عن تلك الحرب التي تدور رحاها بالتوازي على الأرض، وإذا كانت المقاومة نجحت بامتياز عبر الصور و”الفيديوهات” في كسب هذه المعركة -حتى الآن- فإنه ينبغي علينا الانتباه جيدًا، ذلك لأنها معركة ليست سهلة بل معقدة وممتدة وعميقة الأثر، فهي في الأساس معركة وعي، وحتى لا يتم سرقة النصر الذي تحقق وتذهب الدماء الذكية والأرواح الطاهرة لأهلنا في غزة هباء منثورًا، علينا أن نفكر جيدًا في استثمار هذا النجاح والبناء عليه.
ولعل أبرز ميادين هذه الحرب يدور حول إمكانية الاستحواذ على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع تعاظم دورها كإعلام بديل فاق في حضوره وسائل الإعلام التقليدية كالفضائيات والصحف، ولا شك في أن دولة الاحتلال على يقين بأهمية هذا الميدان، فبحسب تصريح الميجور أفيتال ليبوفيتش المسؤول عن الصحافة الأجنبية في جيش الاحتلال لصحيفة “جيرو زالم بوست” (فإن دائرة المدونات والميديا الجديدة هي ساحة أخرى للحرب)، وإذا كان صاحب “فيس” مارك زوكربيرغ قد كشف مبكرًا عن ميوله الصهيونية، فإن إيلون ماسك مالك “إكس” (تويتر سابقًا) ما زال يقاوم، رغم التهديد والوعيد الذي بدا أنه قد استجاب له عندما زار الكيان وقام بصحبة الـ(نتن ياهو) بجولة في مستوطنات غلاف القطاع، لكن الأهم ما قاله عقب عودته في إطار الحرب التي يخوضها مع الشركات الكبرى المسيطرة على قطاع الإعلانات، فقد كان حازمًا وقاطعًا حين أعلن رفضه الخضوع للابتزاز حتى لو كلفه الأمر إغلاق المنصة.
كلمة السر إذن في السيطرة الصهيونية على الإعلام هي المال، عبر شركاتهم العملاقة (مثل “أبل” و”ديزني” و”كوكا كولا” و”بيبسيكو” ومصرف “جيه بي مورغان” وشبكة مقاهي “ستاربكس”)، وبلا شك نحن قوم لا يعوزنا المال بل نملك منه الوفير، وحساباتنا متخمة بسلة متنوعة من العملات مكدسة في بنوك الغرب، وربما يقبع الجزء الأكبر منها رهينة يستنزفها ويبتزنا بها سيد البيت الأبيض بين الحين والآخر، كما أننا لسنا بحاجة للتذكير أننا ننفق ببذخ على أنشطة وأمور تافهة لن يكون العائد المرتجى من ورائها يوازي قيمة الإنفاق في المجال الإعلامي، فقد تشبعنا بضخ المال في عالم الترفيه الذي لن نجني من ورائه فوائد تذكر، فضلًا عن مسابقات تخص عالم الحيوان تندرج تحت بند العجائب والغرائب.
هل يغازل مالك (إكس) رأس المال العربي في مواجهة اللوبي الصهيوني؟
معركة ماسك غاية في الأهمية ولا ينبغي أن نتجاهلها أو أن نخوضها من موقع المتفرج، بل يجب أن نكون في القلب منها لأنها تخصنا نحن بالأساس، وإذا ما حاولنا قراءة ما بين السطور، فليس ببعيد إذا تصورنا أن مالك “إكس” يغازل رأس المال العربي في حديثه عن إفلاس المنصة، على الأقل كمنافس محتمل من الممكن أن يظهر في هذه اللحظة الفارقة لانتهاز الفرصة ووضع حد لنفوذ اللوبي الصهيوني، هذا التصور ليس وهمًا أو نسيجًا من خيال، فالأمير السعودي الوليد بن طلال قريب من دائرة الصراع، وهو ثاني أكبر المساهمين في منصة “إكس” وقد سبق له الإسهام وفق تصريحه في فبراير الماضي في إنقاذ المنصة وتوفير احتياجاتها المالية، والأمير بشكل خاص صاحب تجارب طويلة في مجال الإعلام الدولي -وحتى لا تذهب بنا سفينة الأماني بعيدًا نحو شاطئ الأوهام–، فإن مال الوليد لم يكن لحضوره على الإطلاق ذلك الأثر الذي نتطلع إليه ونطمح في تحقيقه عبر الوجود الفاعل –ولا نقول المسيطر- على المنافذ الإعلامية الكبرى والقوية، فقد ظل لأكثر من 20 عامًا مالكًا للأسهم في محطة “فوكس نيوز” الأمريكية التي تعد من أكثر الأبواق المعادية للعرب والمسلمين والمتحدثة بلسان اليمين المتطرف، فما جدوى مالنا إذن إن كان داعمًا حتى لمن يقوم بطعننا وتشويه صورتنا بمزاعم كاذبة؟!!، نحن لا نريد التغول أو نشر روايات مضللة بمنهج العدو نفسه ومنطقه الإجرامي، فقط نبتغي العدالة والموضوعية والتوازن في نشر المعلومات والعرض الصادق والأمين للوقائع والأحداث وفق معايير مهنية سليمة بكل شفافية ودون تلوين أو تحريف.
إننا مطالبون بالتحرك سريعًا وأن نطرق الحديد وهو ساخن، فمع مرور الوقت لن تكون قضايانا على قمة سلم الأولويات لدى المواطن الغربي، ولا يجب أن نراهن كثيرًا على حالة التغير الحادث في الحالة المزاجية للشعوب هناك، فتأييدهم لحقوق الشعب الفلسطيني، وانتباههم لعملية التزييف الذي يمارسه الإعلام عليهم قد لا تدوم طويلًا، ذلك أن خبث الصهاينة وتمرسهم ودراستهم لسيكولوجية الإنسان الغربي قادرة على الالتفاف عليه بصياغة الأحداث ووضع الحقائق في قوالب جديدة تظهر الأمر وكأن جوانب كانت خافية عليه، ومن ثم يستعيد الصهاينة سيطرتهم على أدمغة الناس من جديد.
، ، ،
لقد أصبحنا أمام فرصة تاريخية ينبغي علينا اقتناصها بأي ثمن، لنثقب ثغرة في جدار الإعلام الصلب الذي أقامه الصهاينة، ولعله يكون أول الغيث ولبنة الأساس الذي نبني عليه صرحنا الإعلامي، والذي بالمناسبة لم يعد امتلاكه ترفًا بل ضرورة تفرضها متطلبات المرحلة.
هذه دعوة نتمنى أن يصل صداها إلى مسامع أهلها من رموز المال والأعمال ومن يقرنون عملهم برسالة جادة تخدم قضايا الأمة، فهل هناك من لديه الهمة للتصدي نيابة عن جماهير الأمة كـ(فرض كفاية) للقيام بهذه المهمة التاريخية.. دعونا نحلم ونتمنى طالما كانت الأماني ممكنة.