هل أدى الأزهر دوره كاملا تجاه غزة؟

الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر (الأناضول)

 

للأزهر مكانة كبرى في نفوس المسلمين عمومًا، ولدى أهل غزة خصوصًا، حيث استضاف القطاع فرعًا لجامعة الأزهر، ودرس الكثير من أبنائه سواء في جامعة الأزهر الأم في القاهرة أو فرعها في غزة، ولأن العدو يعرف قيمة فرع جامعة الأزهر ودروها في نشر العلوم والثقافة الإسلامية في القطاع وفي عموم فلسطين فقد وضعها ضمن أولوياته للقصف، فكانت ضمن المرحلة الأولى للمباني التي تم تدميرها.

لم يتأخر الأزهر في التفاعل مع طوفان الأقصى ولا العدوان الإسرائيلي الشامل ضد قطاع غزة وانتقامًا منه، فقد أصدر بيانًا بعد يوم واحد من الطوفان حيّا فيه الشعب الفلسطيني “الذي أعاد لنا الثقة، وبث فينا الروح، وأعاد لنا الحياة بعد أن ظننا أنها لن تعود مرة أخرى” و”دعا الله أن يرزقهم الصبر والصمود والسكينة والقوة، مؤكدًا أن كل احتلال إلى زوال إن آجلًا أم عاجلًا، طال الأمد أو قصر”، كما أصدر بيانات تالية ندد فيها بازدواجية معايير الغرب في التعامل مع القضية الفلسطينية، وندد بالعدوان على غزة وقتل النساء والأطفال والشيوخ العُزل وقصف الأسواق والمستشفيات والمساجد واستخدام الأسلحة المحرَّمة دوليًّا، وعَدَّ ذلك “إبادة جماعية، وجرائم حرب مكتملة الأركان، ووصمة عار على جبين الصهاينة وداعميهم”، مضيفًا أن “التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلينَ عن نصرة الشعب الفلسطيني”.

دعوة أزهرية لوقف العدوان

ودعا الأزهر الأمة الإسلامية شعوبًا وحكامًا إلى استثمار ما تملكه من “عدة وعتاد” لدعم الشعب الفلسطيني، وإعادة النظر في الاعتماد على الغرب الأوروبي والأمريكي المتغطرس، ودعا الفلسطينيين إلى الصمود في وجه العدوان الوحشي البربري، وعدم السقوط في فخ الوهن أمام وحوش الأدغال.

وكانت أحدث البيانات هي الكلمة التي وجهها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى قمة المناخ في أبو ظبي، التي عبَّر فيها عن “ذهوله من هول آلة القتل الإرهابية الجهنمية التي يُعملها قساة القلوب في صفوف المواطنين الآمنين من النساء والرجال والأطفال والرُّضع والخُدَّج، ومن مظاهر العنف والتخريب والدمار التي تشهدها أرض فلسطين السليبة”، والتي وجَّه فيها نداءً إلى العالم كله أنه “آن الأوان لوقف هذه الحروب البشعة المُجْرِمة، التي لو استمرت هكذا فلن يتبقى لنا بيئة نحافظ عليها، أو مناخ نبقيه نظيفًا لأبنائنا وأجيالنا في مستقبل قريب أو بعيد”.

مواقف عملية للأزهر

لم يكتف الأزهر بإصدار بيانات ارتفعت نغمتها مع تصاعد العدوان، ولكنه فتح أبواب مسجده الشريف للتظاهر، فكانت أولى المظاهرات للمصريين منه، وإن منعت السلطات التظاهر فيه بعد ذلك، كما فتح التبرع من خلال بيت الزكاة والصدقات، وجهز أكثر من 18 شاحنة حملت ألف طن من المساعدات الغذائية والدوائية والمعيشية، وقدَّم الدعم المادي والمعنوي للطلاب الفلسطينيين الدارسين في الأزهر.

لم يرُق موقف الأزهر للإسرائيليين الذين ما فتئوا يحرضون الحكومات المصرية المتعاقبة ضده، وضمن هذا التحريض أعد معهد دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) تقريرًا بعنوان “من الإسلام المعتدل إلى الإسلام الراديكالي.. الأزهر يقف إلى جانب حماس” انتقد فيه بشدة موقف الأزهر الذي يستفيد من ميزانية الدولة حسب وصفه، جاهلًا أن للأزهر أوقافًا تكفي للإنفاق عليه، بل تفيض، لكنها تحت يد الدولة.

وقال التقرير إن الأزهر الذي تصنفه مصر منارة الاعتدال وحامل راية الحرب ضد التطرف، ظهر بموقف متشدد تجاه إسرائيل ومؤيديها في الغرب، داعيًا مصر إلى “كبح جماح هذا الخطاب المعادي لإسرائيل، الذي يمنح الشرعية الأخلاقية للمقاومة”. إن ما تضمَّنه التقرير الإسرائيلي من اتهامات للأزهر هي أوسمة شرف على صدره يفخر بها كل أزهري بل كل مصري وكل مسلم في العالم، وهي تزيد من قيمة الأزهر ومكانته في نفوسهم “والفضل ما شهدت به الأعداء”.

هل يزور الشيخ غزة؟

العرفان والتقدير والإشادة بدور الأزهر الذي بدا أكثر تقدمًا من الموقف الرسمي المصري لا يعني الرضا التام به، فالعتب على قدر المحبة، والطلب على قدر الممكن وهو كثير بالنسبة للأزهر، والمسلمون سواء في مصر أو خارجها يعوّلون كثيرًا على الأزهر الذي ينظر إليه العالم كله بأنه صوت المسلمين العابر للحدود.

لقد انتظر أهل غزة زيارة من شيخ الأزهر لهم منذ الأيام الأولى للعدوان، وزاد تطلعهم لتلك الزيارة خلال فترة الهدنة المؤقتة، التي مكنت العديد من الوفود والشخصيات من زيارة القطاع، ومن ذلك زيارة وزيرة التعاون الدولي القطرية لولوة الخاطر، وكانوا يرون أن شيخ الأزهر هو الأولى بتلك الزيارة، ليشد من أزر أسر الشهداء وأهالي غزة المصابين والنازحين، وليتفقد بنفسه حجم الدمار الذي لحق بالقطاع ومنشآته من جامعات ومدارس ومستشفيات إلخ، بل ليتفقد فرع جامعة الأزهر التي تعرضت للدمار، وكان المأمول أن يقود شيخ الأزهر وفدًا مصريًّا رسميًّا وشعبيًّا في تلك الزيارة، ونتذكر هنا قافلة الضمير العالمي التي دعت إليها نقابة الصحفيين، وكان من المفترض أن تضم ساسة وناشطين عالميين، وفي حدود علمي فقد جرى التواصل مع شيخ الأزهر لقيادة تلك القافلة، لكنه وعد بإرسال مندوب عنه حال السماح بها من السلطات المصرية، وهو ما لم يحدث للأسف بل تم احتجاز بعض الناشطين الأجانب الذين توجهوا إلى وزارة الخارجية للاحتجاج على ذلك المنع.

الحرب لم تنته بعد، والفرصة أمام شيخ الأزهر لا تزال قائمة في أقرب هدنة، فهل يفعلها الشيخ، ويريح بها قلوب أهل غزة بل قلوب المصريين وكل المسلمين؟! نرجو ذلك.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان