حرب غزة.. من أجل المستقبل

توماس فريدمان (غيتي)

 

(1) المتمردون هم قادة المستقبل

في العصور كلها وعلى مدار التاريخ، كان الرافضون للواقع السيء وثوابته يعاملون معاملة المتمردين المارقين على القانون الساري والعرف السائد، سواء كانوا من الرسل أو المصلحين أو المفكرين أو العلماء في المجالات كافة، فـ“علية القوم” أصحاب الثروة والسلطة يرتاحون للأوضاع التي جعلتهم في هذه الوضعية، ويدافعون عن وجودهم بكل ما أوتوا من قوة، ولأنهم عادة ما يكونون أكثر قوة وثراء من هؤلاء المتمردين على الواقع الذي يحتاج إلى تغيير، فإنهم ينتصرون في الجولة الأولى دومًا، حتى يحدث تغير كمي يؤدي إلى تغير نوعي في المفاهيم السائدة، وهذا يحدث عندما يزداد عدد أنصار الفكر الجديد، ويصبح من بينهم أصحاب مال ونفوذ يستطيعون أن يجهروا بمعارضتهم لما هو قائم لتبني رؤية المستقبل، وهذا ما يحدث الآن على الساحة الدولية بالنسبة لحرب غزة، لأول مرة يزداد ازديادًا ملحوظًا أعداد المناصرين للقضية الفلسطينية المدركين لمدى الظلم الواقع على الفلسطيني منذ 75 سنة ويعلوا صوتهم، ومن بينهم نجوم في شتى المجالات ولهم متابعون بالملايين حول العالم. حرب غزة أصبحت عنوانًا ومدخلًا ومفتاحًا للنظام العالمي الجديد الذي يطالب به أصحاب الضمائر الحية كلهم الرافضون للمعايير المزدوجة ولمفهوم العدالة الغربي العنصري.

(2) قبل أن تشرع في الانتقام.. احفر قبرين

الكاتب الأمريكي المنحاز لإسرائيل “توماس فريدمان” كتب مقالًا في “نيويورك تايمز” بعنوان: (الجدل الذي تحتاجه إسرائيل حول الحرب) جاء فيه: “من المؤكد أن السبب الذي جعلني أشعر بقلق بالغ إزاء غزو إسرائيل لغزة بهدف القضاء على حماس بالكامل لم يكن نابعًا من أي تعاطف مع حماس، التي كانت بمثابة لعنة على الشعب الفلسطيني أكثر من لعنة إسرائيل. كان ذلك بسبب قلق عميق من أن إسرائيل كانت تتصرف بدافع الغضب الأعمى، وتهدف إلى تحقيق هدف بعيد المنال، محو حماس من على وجه الأرض كما دعا أحد وزرائها، وبدون خطة للصباح التالي.

ومن خلال القيام بذلك، يمكن لإسرائيل أن تظل عالقة في غزة إلى الأبد، معترفة بكل أمراضها ومضطرة إلى حكم أكثر من مليوني شخص وسط أزمة إنسانية، والأسوأ من ذلك، تشويه سمعة الجيش الإسرائيلي نفسه الذي كانت تحاول استعادة ثقة الإسرائيليين فيه.

بصراحة، عدت بذاكرتي إلى أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، وسألت نفسي، ما الذي كنت أتمنى لو فعلته أكثر قبل أن نطلق حربين للانتقام والتحول في أفغانستان والعراق دفعنا فيهما ثمنًا باهظًا؟

وبينما تناقش إسرائيل ما يجب فعله بعد ذلك في غزة، آمل أن تفكر القيادة السياسية العسكرية الإسرائيلية في القول المأثور المنسوب غالبًا إلى كونفوشيوس: قبل أن تشرع في رحلة الانتقام، احفر قبرين أحدهما لعدوك والآخر لنفسك”.

في المقال يؤكد فريدمان ضرورة التفكير في حل الدولتين وتغيير معاملة إسرائيل للفلسطينيين، وهذا يعد بمثابة تغير جذري في تفكير أنصار إسرائيل الذين أدركوا أخيرًا أن ما حدث تتحمل تبعاته إسرائيل بسبب سلوكها العنصري مع الفلسطينيين الذين لهم حق تاريخي في وطنهم المحتل.

(3) لا عدالة مناخية دون حقوق الإنسان

على الجانب الآخر من الأطلسي، نشر مقال في جريدة “الجارديان” البريطانية، شارك في كتابته عدد من الناشطين الشباب في مجال المناخ وعلى رأسهم غريتا ثونبرغ، والناشطة السويدية الشهيرة والمؤسسة لحركة “أيام الجمعة من أجل المستقبل”، وهي حركة إضرابات مدرسية ضد التقاعس العالمي عن المناخ، بعنوان:” لن نتوقف عن التحدث علنًا عن معاناة غزة، فلا عدالة مناخية دون حقوق الإنسان”.

جاء فيه: “نشطاء المناخ الشباب لم يتطرفوا، لقد كان التضامن مع المهمشين دائمًا في قلب رسالتنا.

أكثر من 15 ألف شخص، منهم 6 آلاف طفل على الأقل، هذا هو عدد الأشخاص الذين قتلتهم إسرائيل في قطاع غزة في غضون أسابيع، وما زالت هذه الأرقام في ارتفاع. وقصفت إسرائيل البنية التحتية المجتمعية الأساسية وفرضت إسرائيل حصارًا، ومنعت الغذاء والدواء والمياه والوقود من الوصول إلى 2.3 مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة المحتل، مما دفع منظمة أوكسفام إلى اتهام إسرائيل باستخدام المجاعة كسلاح في الحرب.

وقد وصف العشرات من خبراء الأمم المتحدة الوضع بأنه إبادة جماعية في طور التكوين، على الرغم من هذه الفظائع، اختار البعض تركيز النقاش العام على محاولات نزع الشرعية عن التصريحات التي أدلى بها الشباب في حركة العدالة المناخية حول غزة. وعلى عكس ما ادعى الكثيرون، فإن حركة الجمعة من أجل المستقبل لم تتحول إلى التطرف” أو تصبح سياسية. لقد كنا دائمًا سياسيين، لأننا كنا دائمًا حركة من أجل العدالة. إن التضامن مع الفلسطينيين والمدنيين المتضررين جميعهم لم يكن موضع شك بالنسبة لنا على الإطلاق.

إن عمليات القتل المروعة للمدنيين الإسرائيليين على أيدي حماس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تضفي الشرعية على جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة. إن الإبادة الجماعية ليست دفاعًا عن النفس، ولا هي بأي حال من الأحوال رد فعل متناسب، ولا يمكن أيضًا تجاهل أن هذا يأتي ضمن السياق الأوسع للفلسطينيين الذين عاشوا تحت القمع الخانق لعقود من الزمن، في ظل ما عرفته منظمة العفو الدولية بنظام الفصل العنصري.

إن المطالبة بوضع حد لهذا العنف الذي لا يغتفر هي مسألة إنسانية أساسية، ونحن ندعو كل من يستطيع أن يفعل ذلك.

الصمت تواطؤ. لا يمكنك أن تكون محايدًا في إبادة جماعية تتكشف”.

العالم في لحظة صحوة إنسانية، وتمرد شعبي عالمي ضد نظام دولي لا يعترف بالحق ولكن بالقوة، وحرب غزة هي بداية مستقبل أفضل بإذن الله.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان