طفرة لمستحقات الدين الخارجي المصري العام المقبل

البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري (غيتي)

 

حفلت المواقع الإخبارية الاقتصادية قبل أيام بالتحذير من ارتفاع مستحقات فوائد الدين الخارجي وأقساطه لمصر، في العام المقبل إلى 43.3 مليار دولار كرقم غير مسبوق، حيث بلغت تكلفة الدين الخارجي في النصف الأول من العام الحالي 13.5 مليار دولار، أي أنه لو تكررت القيمة في النصف الثاني من العام الحالي لوصلنا إلى حوالي 27 مليار دولار.

كما كانت تكلفة الدين الخارجي المصري في عام 2022 نحو 24.5 مليار دولار، والحقيقة أن الرقم المرتفع الذي ذكرته المواقع الإخبارية أقل من الرقم الحقيقي لمستحقات الدين الخارجي، الذي يزيد عن ذلك بقدر كبير، فالرقم المذكور لمستحقات العام المقبل والبالغ 42.3 مليار دولار، كان حصيلة جمع مستحقات الديون المتوسطة الأجل والطويلة البالغة 32.8 مليار دولار، ومستحقات الديون القصيرة الأجل عن النصف الأول من العام المقبل بقيمة 9.5 مليارات دولار.

أي أن الرقم الحقيقي يحتاج لمعرفة مستحقات الديون القصيرة الأجل خلال النصف الثاني من العام المقبل، التي لم يذكرها تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي المصري، الذي استقت منه المواقع الإخبارية أرقامها، وهو ما يمكن التخمين ببلوغه حوالي 18.8 مليار دولار.

في ضوء بلوغ أقساط القروض القصيرة الأجل خلال النصف الثاني من العام الحالي ذلك الرقم، مع اعتياد البنك المركزي المصري تجديد القروض القصيرة الأجل كلما حل أجلها، بل والتوسع فيها خلال السنوات الثلاث الأخيرة لترتفع من أقل من 11 مليار دولار منتصف عام 2020 إلى 28.2 مليار دولار في منتصف العام الحالي.

مطلوب سداد 65 مليار في العام المقبل

وها نحن إذًا بصدد رقم إجمالي لمستحقات الدين المطلوب سدادها في العام المقبل بحوالي 61 مليار دولار، وحتى هذا الرقم لم يضف له الأربعة مليارات التي أجلت الكويت الحصول عليها من العام الحالي إلى العام المقبل، وهو ما تم الإعلان عنه في الشهر الماضي ولم يرد في بيانات البنك المركزي المصري، التي تحدد موقف الديون الخارجية حتى منتصف العام الحالي فقط.

وهو ما يعني أن المطلوب سداده في العام المقبل أكثر من 65 مليار دولار، وهو رقم غير نهائي في ضوء مستجدات الاقتراض التي تقوم بها الجهات المصرية، بدليل أن مستحقات الدين الخارجي المتوسطة الأجل والطويلة الخاصة في العام المقبل، زادت ببيانات شهر يونيو/حزيران الماضي بنحو 4 مليارات دولار عما تم نشره عنها ببيانات شهر مارس/آذار الماضي، التي كانت بدورها أكبر مما نشر عن مستحقات العام نفسه في بيانات نهاية عام 2022.

ويظل السؤال الأهم هل تستطيع مصر سداد 65 مليار دولار كأقساط وفوائد للدين الخارجي في العام المقبل؟ وهي التي لم تستطع تدبير 300 مليون دولار لاستيراد الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء بكامل طاقتها، واضطرت بسبب ذلك إلى قطع الكهرباء يوميًا بأنحاء البلاد منذ شهر أغسطس/آب الماضي وحتى الآن، بالإضافة إلى ما تحتاجه لشراء الغذاء والوقود ومستلزمات الصناعة وغيرها، في ظل تراجع موارد الصادرات وتحويلات العاملين التي ستضاف إليها السياحة.

والحقيقة أن الإدارة المصرية ستلجأ إلى ما سبق ما اتبعته من أساليب خلال السنوات الماضية، وأهم تلك الوسائل تجديد الديون خاصة مستحقات دول الخليج، والاقتراض من جديد من الجهات نفسها المقرضة لها أو إضافة جهات جديدة، ولعل استعراض مكونات الجهات صاحبة أقساط وفوائد الدين الخارجي المتوسط الأجل والطويل في العام المقبل يمكن أن يبين ذلك، وأولها المؤسسات الدولية التي يستحق لها 13.8 مليار دولار، ولا يمكن تأجيل سدادها.

أيضًا هناك 11.8 مليار دولار مستحقة للعديد من دول العالم وبنوك وطنية فيها، وهي أيضًا يصعب تأجيل سدادها، والأمر نفسه لمستحقات السندات والصكوك على اختلاف أنواعها بقيمة 3.6 مليارات دولار، بينما هناك ديون يمكن التفاهم على تأجيل سدادها.

تجديد قروض الخليج والقصيرة الأجل

وهي المستحقة لدول الخليج: الإمارات والكويت والسعودية البالغة 7.5 مليارات دولار، شاملة القروض الكويتية المؤجلة من العام الحالي، وهكذا نصل إلى 3 جهات يصعب تأجيل مستحقاتها وهي المؤسسات الدولية والدول والسندات بقيمة إجمالية 29.3 مليار دولار.

يضاف لها 628 مليون دولار كفوائد لديون الدول الخليجية الثلاث، حيث جرى العرف على سداد فوائد الديون السنوية في حالة تأجيل سداد الأقساط لها، أما بالنسبة للدين القصير الأجل الذي يصل إلى 28 مليار دولار، فيسهل تجديده لكنه يجب أيضًا سداد فوائده السنوية، التي تدور حول 830 مليون دولار، لنصل إلى إجمالي مطلوب سداده بقيمة 30.7 مليار دولار.

وهنا يعود السؤال المحوري وهل تستطيع الإدارة المصرية سداد أقساط وفوائد، بقيمة حوالي 31 مليار دولار في العام المقبل؟ خاصة مع بلوغ العجز الدولاري بالجهاز المصرفي شاملًا البنك المركزي والبنوك التجارية، أكثر من 27 مليار دولار حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومن الطبيعي أن تتبع الإدارة المصرية عددًا من المسارات لتدبير العملات الأجنبية، منها بيع حصص من الشركات العامة بالدولار، والحصول على المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ورفع فائدة أدوات الدين الحكومي للحصول على أموال ساخنة، وخفض الواردات، والاستيراد بالعملات المحلية من بعض الدول، والمزيد من إصدار السندات والصكوك، وبيع الأراضي والوحدات السكنية بالدولار، وقبول الإيداعات الدولارية من المستوردين دون السؤال عن مصدرها.

كما ستلجأ إلى المزيد من السبل التي ابتكرتها خلال العام الحالي للحصول على المزيد من الدولارات، مثل السماح للمصريين في الخارج بإدخال سيارات بجمارك مخفضة، نظير إيداع قيمة الجمارك لديها بالدولار لخمس سنوات، وبيع الجنسية المصرية، وإمكانية الإعفاء من الخدمة العسكرية للمتخلفين عنها في الخارج نظير دفع قيمة مالية دولارية، وبيع تذاكر القطارات للأجانب بالدولار، وتحصيل ضريبة القيمة المضافة على الأنشطة السياحية بالدولار، وتحصيل رسوم إدارية دولارية من الأجانب المقيمين، ولكن تلك المجالات كلها لا تكفي حصيلتها، للوفاء باحتياجات مصر الإجمالية من العملات الأجنبية.

مسعى غربي للتوريط نظير مساعدات

وهنا تأتي أحداث غزة لتمثل عاملًا مساعدًا رئيسًا، حيث أسهم الموقف المصري تجاه غزة من التقطير في إدخال المساعدات، والتماهي مع المواقف الغربية، والسعي الإسرائيلي والأمريكي والغربي لتوطين سكان غزة في سيناء، ليؤدي إلى سعيها لمساعدة مصر في التغلب على مشكلة نقص العملات الأجنبية فيها.

وهو ما كان محور حديث العديد من قادة الدول الغربية الذين توافدوا على مصر بعد نشوب الحرب في غزة، واتفاق “الكونجرس” الأمريكي على تهجير سكان غزة إلى دول مصر وتركيا والعراق واليمن نظير مساعدات، واستخدمت الدول الغربية نفوذها بالمؤسسات الدولية ليستمر البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية الذي تملك الدول الغربية حصة كبيرة منه، وبنك الاستيراد والتصدير الإفريقي في إقراض مصر، بصرف النظر عما صدر من تصنيفات منخفضة من قبل وكالات التصنيف الدولية.

وأعلنت مديرة صندوق النقد الدولي عن الاتجاه لزيادة قيمة قرضها لمصر البالغ 3 مليارات دولار، كما هدأت نبرة حديثها عن شروط صرف الدفعات المؤجلة من القرض، وقرب اتفاقها مع مصر الذي ربما يتم عقب الانتخابات الرئاسية مباشرة، أو على الأكثر في بدايات العام المقبل، وأعلن الاتحاد الأوروبي عن نيته لاستثمار 10 مليارات من الدولارات في مصر، وما زال هناك الكثير مما تناولته الوعود الغربية التي لم يتم الكشف عنها بعد.

وربما نقترب من صيغة معينة تذكرنا بما قامت به الدول الغربية من خلال نادي باريس، بإعفاء مصر من نصف ديونها الخارجية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، بعد مساهمة جيشها في التحالف الدولي المشارك في حرب العراق، وقيام 4 دول عربية حينذاك بإلغاء ديونها المستحقة على مصر البالغة وقتها 7 مليارات دولار، وإلغاء الولايات المتحدة ديونها العسكرية المستحقة البالغة وقتها 6.7 مليارات دولار.

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان