هل يشكل العدوان الإسرائيلي على غزة صورة جديدة للغرب؟!

كم عانت الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث من المنبهرين بالغرب الذين ضللوها، وزيفوا وعيها ببناء صورة للغرب تتضمن سمات التقدم والحضارة والإنسانية.
وفي فترة الربيع العربي كانت ترتفع أصواتهم باتهام المسلمين بالتخلف، والعنف والإرهاب، وبذلك قاموا بدور خطير في إسقاط التجارب الديمقراطية العربية، وتبرير الانقلابات دفاعا عن علمانية الدولة.
لكن العدوان الإسرائيلي على غزة يمكن أن يشكل فرصة لليبراليين العرب لنقد أنفسهم، فمن أهم الحقائق التي تشكل صدمة لكل من يحترم عقله؛ أن النظم الغربية تستخدم الكذب والتضليل والخداع؛ لتبرير الجريمة ضد الإنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أين القانون الدولي؟!!
يمكن أن يرى العلمانيون العرب الآن بوضوح: أن الغرب لا يلتزم بالقانون الدولي، وأنه يستخدم هذا القانون بمعايير مزدوجة لفرض السيطرة على الشعوب الضعيفة، وأن غرور القوة يشكل السلوك الغربي، لذلك توفر أمريكا وأوروبا أسلحة الدمار الشامل لإسرائيل لإبادة الشعب الفلسطيني.
ويجتهد صناع القرار في الغرب المستكبر لابتكار حلول أهمها تهجير الشعب الفلسطيني قسريا؛ لتتمكن إسرائيل من القضاء على المقاومة الفلسطينية، وفرض الخضوع لمنطق القوة على الشعوب العربية.
كما أوضح العدوان الإسرائيلي أن الأمم المتحدة عاجزة، وأنها مجرد وسيلة تستخدمها الدول الغربية للسيطرة على العالم، ولم تستطع أن تحقق سلاما عادلا يتيح فرصا للتعايش، والمشاركة بين الشعوب؛ للمحافظة على الحضارة الإنسانية التي توشك على الانهيار بسبب انتشار الظلم والقهر.
سقوط المرجعية الغربية
دراسة الخطاب السياسي الغربي يمكن أن تدفع الليبراليين العرب إلى التوقف للمراجعة، فإصرارهم على التمسك بالمرجعية الغربية يجعلهم شركاء في جريمة ضد الإنسانية يرتكبها الغرب الآن.
وهذه الجريمة تشمل تدمير العمران، فجيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم آلاف الأطنان من المتفجرات، أو ما يعادل تأثير 3 قنابل نووية لتخريب بيوت الفلسطينيين التي بنوها بجهدهم وعرقهم؛ بعد أن طردتهم العصابات الصهيونية عام 1948 من أرضهم ومنازلهم، وهذا يعني أن الجريمة تتكرر، والناس يشاهدون الآن فصول القصة من جديد.
هل هناك من ينكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدمر الحضارة، ويهدد البيئة، ويفتح المجال للانتقام، فلم يعد هناك وسيلة لحماية الإنسانية من غرور القوة الغاشمة؟!
لقد ظهرت الحقيقة، فالعالم يقوم على الظلم، والغرب يمارس الاستكبار والعنصرية، ويحتقر الشعوب خاصة العرب والمسلمين الذين لم يعد أمامهم سوى أن يدافعوا عن وجودهم، وحقهم في الحياة.
من يدافع عن حقوق الإنسان؟!
حماية حق الإنسان في الحياة من أهم أركان القانون الإنساني، لكن العالم يشهد الآن كيف يتم انتهاك هذا الحق، فجيش الاحتلال الإسرائيلي يقتل آلاف الأطفال والنساء والمرضى في المستشفيات بعد أن عجز عن مواجهة رجال المقاومة الأبطال في ميدان القتال وجهًا لوجه من مسافة صفر.
وجيش الاحتلال يستند في ذلك على فتاوي الحاخامات الذين يستخدمون نصوصا دينية ينسبونها إلى التوراة، تطالب الجنود اليهود بإبادة الآخر (الأغيار) وقتل الأطفال والنساء بدون رحمة.
ولم نجد الغرب يدافع عن العلمانية، ويواجه انتهاك جيش الاحتلال الإسرائيلي لها، لذلك أصبح واضحا أن العلمانية تستخدم فقط في مواجهة الإسلام.
وحتى الآن لم نجد علمانيا عربيا يثور لكرامته، ويرفض استخدام المبررات الدينية في إبادة الفلسطينيين، فأين المنطق والعقل والضمير؟
من يثور ضد الاستكبار الغربي؟!
يردد الليبراليون العرب أن الشعوب ليست مؤهلة للديمقراطية لأنها عندما تتاح لها الفرصة في انتخابات حرة نزيهة تقوم بانتخاب الإسلاميين الذين يحملون معهم السلّم إلى أعلى، حتى لا يتمكن الليبراليون العلمانيون من استخدامه للصعود بعد ذلك.
لكن ماذا يمكن أن يقول العلمانيون الآن وهم يشاهدون الاتجاه الديني المتطرف في دولة الاحتلال الإسرائيلي يهدد باستخدام القنابل النووية، واقتحام المسجد الأقصى، وقتل المسلمين على الهوية، وتهجير الفلسطينيين قسريا لفرض يهودية الدولة والمحافظة على النقاء العرقي؟!!
وماذا يمكن أن يقول المنبهرون بالغرب الآن وهم يشاهدون رؤساء أمريكا وأوروبا يكذبون، ويضللون الجماهير، ويبررون الجريمة الإسرائيلية، ويتعاملون مع العرب باستكبار واستعلاء وغرور.
وتلك حقيقة كانت واضحة منذ زمن طويل، فدول أوروبا كانت تستخدم قوتها الغاشمة في الإبادة، وتحتقر الضعفاء، وتوظف الكثير من المثقفين العرب لتبرير الخضوع والخنوع والاستسلام، وتلك جريمة وتزييف للوعي، فالشعوب الحرة تثور وتستخدم ما تستطيع من وسائل لانتزاع حقها في الحرية والحياة والاستقلال.
لماذا تغامر المقاومة الإسلامية؟
لذلك يردد الخاضعون لمنطق الاستكبار الغربي سؤالا: لماذا قامت المقاومة الإسلامية بطوفان الأقصى، ألم تكن تعرف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستطيع أن يدمر غزة؟!!
يكشف ذلك السؤال حقيقة أن الواقعيين العلمانيين يعترفون بحق القوة الغاشمة في السيطرة، وعدم الاعتراف بحق الضعيف في المقاومة والثورة والكفاح من أجل الحرية والتحرير، وهذا يفسر الكثير من مواقفهم خلال ثورات الربيع العربي وما بعدها.
لكن الشعوب تدرك الآن خطورة ذلك المنطق على مستقبلها، فالغرب العنصري المستكبر يرفض العدل، ويريد فرض السيطرة الإسرائيلية بمنطق القوة الغاشمة.
والمقاومة الإسلامية تمكنت من كشف الحقائق، وتوعية الأمة بأنها تستطيع أن تقاوم وتتحدى الاستكبار الغربي، وتنتزع حريتها وحقوقها، وتفرض إرادتها، وتدافع عن حقها في الحياة.
أما الغرب فإنه خسر صورته التي تمكن من بنائها خلال القرنين الماضيين، ولم يعد من حقه أن يلقي علينا الدروس، وأصبح على العلمانيين العرب أن يراجعوا أنفسهم قبل أن تحاسبهم الجماهير الغاضبة التي سترفض الخضوع لمنطق الاستكبار الغربي والقوة الغاشمة.