الوقاحة الغربية بين التحجج بحرية التعبير وتوظيف الإرهاب

مظاهرات أمام القنصلية العامة للسويد في اسطنبول

حرب شرسة تخوضها تركيا بمفردها على الصعيدين الرسمي والشعبي ضد الهجمة العنصرية الغربية على الإسلام، التي اندلعت نتيجة قيام الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بلودان بحرق نسخة مطبوعة من القرآن الكريم أمام مقر السفارة التركية في كل من ستوكهولم وكوبنهاجن، وهو محاط بعناصر من الشرطة، وبإذن من الحكومتين السويدية والدنماركية.

السويد التي استشعرت حجم الخطأ الذي ارتكبته على ما يبدو، سرعان ما تنصلت من الواقعة بعد الاستنفار التركي، بحجة أنها دولة ديمقراطية يتمتع مواطنوها بحرية التعبير، وهو أمر لا يمكن منعه أو الوقوف ضده حتى وإن كانت الدولة نفسها ترفضه!!

الرد التركي الذي جاء سريعا من خلال تظاهرات شعبية حاشدة في مختلف المحافظات التركية، منددة بهذا الإجرام الغربي القبيح الذي يعري تماما هؤلاء المتشدقين باحترام الآخر، والتعايش السلمي بين الأديان، ويكشف بوضوح عن عمق كراهيتهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين، وسعيهم الدائم لتشويه صورته في الأذهان.

أما على الصعيد الرسمي فإن المواقف التي اتخذتها ولا تزال تتخذها تركيا مثلت في مجملتها مفاجأة للغرب الذي لم يتوقع أو ينتظر ردا بمثل هذه القوة، فقد اعتاد هؤلاء دوما من العرب والمسلمين في مثل هذه المواقف الشجب والتنديد والإدانة فقط لا غير، دون القيام بفعل حقيقي يردع هذه العبثية، ويضع حدا لهذ التطرف غير المبرر الذي يستهدف أمة بكاملها، ويسعى للنيل من معتقداتها ومقدساتها من خلال أفعال أقل ما توصف به أنها صبيانية.

الرد التركي وصفعة قوية على وجه الغرب

لكن الرد التركي جاء هذه المرة ليمثل صفعة قوية على وجه مدعي الحرية والديمقراطية، حيث تم استدعاء السفير السويدي إلى الخارجية التركية أكثر من مرة وإبلاغه بلهجة شديدة رفض تركيا للعنصرية التي يتم التعامل بها مع القرآن الكريم والمسلمين في السويد، وأن ذلك من شأنه زيادة حدة ظاهرة العنصرية والكراهية في مجتمع تتعدد طوائفه، وقد وصف وزير الخارجية التركي السماح بحرق نسخة القرآن الكريم بأنه هراء وعنصرية مقيتة، وليس حرية تعبير، منتقدا موقف الحكومة السويدية التي لم تقتصر على السماح لمتطرف بحرق نسخة من القرآن الكريم، بل وفرت له الحماية الأمنية.

كما أعلن وزير الدفاع التركي إلغاء زيارة كانت مقررة من نظيره السويدي لأنقرة، ردا على سماح السلطات السويدية لمتطرف بحرق نسخة من القرآن الكريم، مؤكدا أن الزيارة أصبحت لا معنى لها، في حين أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية أن الهجوم على القيم المقدسة ليس حرية تعبير وإنما هو همجية وعنصرية مقيتة تشجع على الكراهية والإسلاموفوبيا.

أردوغان يكشف السبب الحقيقي وراء الهجمة الجديدة على الإسلام

الرئيس التركي لم يتخلف عن الركب، وإن كان تصريحه قد أزال الكثير من اللبس، وكشف الحقائق التي ربما لم يلتفت إليها الكثيرون ممن يتساءلون عن السبب الحقيقي وراء هذه الهجمة العنصرية ضد الإسلام، والقيام بحرق نسخ من القرآن الكريم أمام السفارات التركية خصوصا في السويد والدنمارك وهولندا.

إذ أعلن أردوغان بكل وضوح وصراحة أن “على السويد ألا تنتظر دعمنا لقبول عضويتها بحلف الناتو، وعليها أن تلجأ من الآن فصاعدا إلى العناصر المسلحة، والمتطرفين الذين تدعمهم ليتولوا حمايتها والدفاع عنها”.

تصريح ربما لخص حقيقة الموقف، ووضع الأمور في نصابها، وكشف عن الجهات التي تقف وراء هذه الأحداث وتغذيها إلى أبعد مدى، بعد أن وضعت تركيا شروطا ومطالب محددة تريدها من كل من السويد وفنلندا حتى يمكنها فتح صفحة جديدة معهما، والموافقة على قبول عضويتهما في حلف الناتو.

وكان من ضمن تلك الشروط تسليم تركيا عددا من قيادات وعناصر حزب العمال الكردستاني وتحديدا مئة وعشرين شخصا منهم، متهمين من جانب القضاء التركي بالقيام بقتل عدد من المواطنين الأتراك، وتنفيذ أعمال إرهابية وتخريبية، واستهداف مصالح تركية داخل الدولة وخارجها، هؤلاء الذين تم احتضانهم من جانب الدولتين، ومنحهم جوازات سفر ليتمكنوا من التحرك بكل حرية في دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، يروجون الشائعات ويخططون للتآمر على أمن وسلامة تركيا.

هذا إلى جانب عدد آخر من الأشخاص المنتمين لتنظيم فتح الله غولان، المتهمين من جانب القضاء التركي أيضا بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت عام 2016، والتي راح ضحيتها عدد من المواطنين الأتراك الذين خرجوا للدفاع عن الديمقراطية والشرعية الدستورية لبلادهم.

عناصر حزب العمال الكردستاني تنتفض في السويد

وهو الطلب الذي واجه ردودا غاضبة من جانب التنظيمات الكردية المسلحة، التي أعلنت رفضها إقدام أيّ من الدولتين على تسليم المطلوبين للقضاء التركي، خصوصا أولئك المقيمين في السويد، الذين نظموا عددا من التظاهرات المعادية لتركيا، استهدفوا خلالها شخصية الرئيس التركي الذي شبهوه بالدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني الذي تم إعدامه أواخر الحرب العالمية الثانية عام 1945.

ونددوا بطلب السويد الانضمام إلى الناتو، وهم يرفعون أعلام حزب العمال الكردستاني، ويهتفون ضد تركيا ورئيسها تحت سمع وبصر الشرطة السويدية التي أحاطت بالتظاهرة، وعملت على حماية المتظاهرين فيها، مثلما حدث تماما مع المتطرف الذي قام بحرق نسخ من القرآن الكريم أمام سفارة تركيا وأحد المساجد الكبرى التابعة لجاليتها في السويد، وهو ما شجع آخرين على القيام بنفس هذا الفعل القبيح في كل من هولندا والدنمارك.

خطة شيطانية تفتقر إلى الأخلاق والقيم الدينية

وكأن من يقفون خلف هذه الأحداث المؤسفة يسعون بكل قوتهم لتأجيج نار الفتنة، وإشعال الكراهية، وبث العنصرية المقيتة، وذلك لضرب عصفوين بحجر واحد، أولهما إفشال دخول السويد وفنلندا حلف الناتو بعد رفض تركيا في إطار تصديها للحرب على الإسلام، وهو ما سيدفع الدولتين إلى الامتناع عن تسليم العناصر المطلوبة لتركيا.

خطة شيطانية لم تراع أي قيم دينية أو أخلاقية، فالمهم تحقيق الهدف من ورائها، وهو ما بدا واضحا من تصريحات مولود شاووش أوغلو وزير الخارجية التركي مؤخرا، التي أعلن فيها أن من يقفون خلف هذه الأفعال غير الأخلاقية يسعون إلى عرقلة انضمام السويد إلى حلف الناتو، لإدراكهم أنه في حال قبول عضوية السويد في الحلف ستزيد الضغوط عليهم، وسيصبحون مطاردين في دول العالم بعد أن يتفرق جمعهم، ويتشتت شملهم، محددا في تصريحه أنصار كل من حزب العمال الكردستاني وجماعة غولن، الذين وصفهم بأنهم إرهابيون.

الوزير التركي لم ينف تفهم بلاده للمخاوف الأمنية للبلدين الأوربيين، لكنه في الوقت نفسه طالب الدول الأوربية بتفهم مخاوف بلاده الأمنية، والاعتراف بحقها المشروع في حماية أمنها القومي.

مخاوف أوربية وأمريكية من رد الشارع التركي

موقف تركيا الحازم اتجاه هذه الأحداث، وفضح من يقفون وراءها، وتشددها في مواجهة الحرب النفسية التي تواجهها وضع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في موقف صعب، إذ انتابتهم جميعا مخاوف من رد الأتراك على المؤامرة التي تحاك ضد بلادهم، التي تشارك فيها تلك الدول جميعا بهدف إسقاط الدولة التركية، والحد من قدراتها، ووقف مسيرتها؛ لذا سارعت كل من ألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا، وبريطانيا إلى تحذير مواطنيها من السفر إلى تركيا إلى لضرورة، وتوخي الحذر والحيطة، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، والحذر عند زيارة أماكن العبادة، خشية تعرضهم لما وصفوه بهجوم إرهابي ردا على حوادث إحراق نسخ من القرآن الكريم، مشيرين في تحذيراتهم إلى أنه “يمكن للإرهابيين أن يهاجموا دون سابق إنذار ويستهدفوا دور عبادة يرتادها الغربيون”!!

ما بالكم كيف تحكمون؟

حالة الخوف والهلع التي تولدت لدى أصحاب الأصوات العالية المطالبين بالتعايش السلمي، وتقبل الآخر -وهم المدافعون عن حرية التعبير، وحاملو لواء الديمقراطية- وصلت إلى حد إغلاق أبواب سفاراتهم في العاصمة التركية أنقرة، والتحصن داخلها خوفا من رد المسلمين دفاعا عن دينهم وقرآنهم، واصفين إياهم بأنهم إرهابيون، ويا لها من وقاحة وبجاحة يتمتع بها القوم في توصيفهم للأمور، فحرق المصحف الشريف حرية تعبير، ورفض هذه الإهانة والسعي للثأر لها إرهاب!! ما بالكم كيف تحكمون.

المصدر : الجزيرة مباشر