الزلزال.. لماذا ضرب الأتراك والسوريين وليس غيرهم؟!

"انقاذ ما يمكن انقاذه"

زلزال فجر الاثنين 6 فبراير/ شباط 2023 ضرب تركيا وسوريا بعنف، ومر على بلدان أخرى في المنطقة، ولم يتسبب في أضرار لها.

أكثر من 12 ألف شهيد، وألوف الجرحى والمشردين في البلدين المنكوبين حتى الآن، وانهيار وتهدم عدد كبير من المباني، وبين الضحايا عائلات كاملة، وهناك أطفال صغار ماتوا، وآخرون نجوا بأعجوبة، وشاهدناهم بين الركام خلال الإنقاذ، وشاهدنا صورًا لبعضهم وهم عالقون تحت كتل خرسانية ضخمة أو حوائط متكسرة، وتألمت لهم، وكان ألمي أشد لطفل سوري ماتت عائلته كلها وآثار الجروح في وجهه وهو يأكل موزة ويتلفت حوله وعيناه زائغتان لا يدري ماذا يحصل له، وربما كان يسأل دون قدرة على النطق: ما هذا الذي أنا فيه، وأين أمي وأبي وإخوتي؟

في الكوارث تظهر قصص إنسانية تمزق نياط القلب، وما لم يكن الإنسان مؤمنًا حقًّا فإن عقله قد ينحرف في التفكير وطرح الأسئلة الشائكة، كأن نقول مثلًا: ما ذنب أطفال يختارهم اليُتم مبكرًا، ويتعرضون لرعب مهول، ويبقون تحت الركام ساعات طوال حتى ينتبه المنقذون لوجودهم؟

كما تذهب الأسئلة إلى من يُتوفون من الفزع، أو السقوط على الأرض، أو الاصطدام بشيء ما، أو تهدم أسقف وجدران البيوت عليهم، وقد تنشب حرائق في المباني خلال الزلازل فتحترق الأجساد بعد موتها، وعمومًا فالموت في الزلازل لن يكون رحيمًا أبدًا، وإنما هو شنيع دائمًا.

السؤال أيضا، لماذا تحدث الزلازل القاتلة للإنسان، والبراكين التي تشوي هذا الإنسان، وإذا كانت مراكز البراكين معروفة ويمكن تجنبها، فإن الزلازل تحدث فجأة، وقد يتم التنبؤ بها، لكن أين المفر منها؟ وغالبًا لا يمكن التنبؤ الدقيق بأماكن وقوعها ودرجتها والدمار الذي تخلفه وراءها، وصدمة الزلازل والكوارث تربك الدول حتى لو كانت متطورة وتقودها حكومات منتخبة، كما هو وضع تركيا حاليًّا، وكما هو حال أمريكا خلال الأعاصير، وكما هو حال غيرهما أثناء الكوارث الداهمة.

لماذا لم يكن الدمار في إسرائيل؟

لم نكن نتمنى أن يقع الزلزال الحالي، ولا نود تكراره في أي مكان آخر، إذ إن خسائر أي زلزال حتمية ما دام عنيفًا، لكن المكروه وقع وأصاب بلدًا عربيًّا وآخر مسلمًا في منطقة جغرافية تمتد بين البلدين، والخسائر في جنوب تركيا، مركز الزلزال، أكبر منها في المناطق السورية المتضررة.

لماذا هذان البلدان تحديدًا؟، لماذا لم يكن في بلدان أخرى؟ لماذا شعرت بلدان قريبة وبعيدة من مركز الزلزال باهتزازاته لكنها لم تتضرر منه مثل العراق ولبنان والأردن ومصر واليونان ومالطة وقبرص؟ لماذا لم يكن الدمار في إسرائيل مثلًا؟ لماذا ليست روسيا التي سيكمل عدوانها على أوكرانيا عامًا قريبًا؟ لماذا لم يكن في أمريكا المنحازة لإسرائيل والظالمة للفلسطينيين؟ لماذا لم يكن في السويد التي سمحت بحرق القرآن الكريم، أو الدنمارك وهولندا وفرنسا وغيرها من بلدان تمارس تيارات اليمين المتطرف فيها إساءات بالغة للإسلام والقرآن والرسول صل الله عليه وسلم؟ لماذا لم يمر على بلدان تبيح المثلية الجنسية، وتوافق على الإجهاض، ويتفشى فيها الانفلات الأخلاقي والعلاقات المنفتحة؟ هناك عشرات من الأسئلة التي يفجرها زلزال أو كارثة طبيعية أو وباء ساحق أو أزمة مدمرة بشأن لماذا يصيب هذا البلد وشعبه، وليس ذاك؟

الكوارث والقدر

هذه الأسئلة ليس مقصدها أن تتضرر هذه الدولة أو تلك، أو يتأذى هذا الشعب وليس غيره، أو يُقتل هؤلاء الناس وينجو غيرهم، أو تنتقي الكارثة ضحاياها من مجتمعات بعينها، ليس هذا هدفنا فنحن نؤمن بالإنسانية ونقدر الإنسان أينما كان، ولا نريد أذى له أيًّا كان عرقه أو لونه أو لسانه أو دينه أو معتقده أو طيفه السياسي والفكري، ففي التنوع ثراء للبشرية، إنما الغرض أن نؤمن فعلًا بالقدر، قدر الله في أرضه وبين خلقه، فإذا نظرنا إلى الأمر من الجانب غير الإيماني فسنقول إن الكوارث مرجعها الصدفة أو فعل الطبيعة، وإن الصدفة المباغتة والغضب الهادر للطبيعة هو فعل عشوائي بلا عقل، وحدث أن جاءت الضربة العبثية هذه المرة في تركيا وسوريا، وهنا سيعيش البشر مُجبرين تحت رحمة الصدف وخبط عشواء الطبيعة، وهذا ظلم كبير يُضاف إلى ظلم البشر بعضهم بعضًا.

لكن النظر من الجانب الآخر الصحيح يمنح الأمن والطمأنينة والراحة بل السعادة للبشر رغم أنها مصائب، وهو أن هذا قدر الله، وأن الله لا يصيب خلائقه بالمحن والابتلاءات إلا لحِكم هو وحده أعلم بها، وليس بالضرورة أن تتضح أسبابها في الدنيا، فهناك آخرة، والفوز فيها هو الأهمّ والمكافأة فيها هي الأعظم، فهي الحياة الحقيقية الباقية الخالدة.

السوريون البائسون

انظر إلى السوريين في هذا الزلزال، فستُصاب بالذهول والإحباط، فهم أولى بالترتيب المتأخر في أي ضحايا كوارث طبيعية، إذ عندهم ما يكفيهم مئة عام وأكثر من الكوارث البشرية من النظام الذي يحكمهم والقوى المحلية والأجنبية المتحاربة على أجسادهم، وهم ضحايا بالملايين ما بين قتيل وجريح ونازح ومشرد ويائس طوال حرب أهلية مستمرة منذ 12 عاما، فهل بقي لديهم مكان لجرح آخر حتى يداهمهم زلزال مدمر؟

السوريون شعب بائس بدرجة هائلة، أما الأتراك فلديهم دولة قوية ونظام حكم محترم ومستوى راق من العيش والخدمات وعندهم حرية وإرادة وديمقراطية جادة، وهم في خانة مميزة بعيدة تمامًا عن السوريين المقهورين داخل ما تبقى لهم من بلدهم أو في المنافي، وهذا لا يعني أن الأتراك يستحقون الزلزال أكثر من السوريين، أبدًا، وإنما فقط هي مفارقة القدر المخبوء في الزلزال الذي يضع شعبين في مستويين مختلفين تحت سيف حكمته البليغة.

الخلاصة عندي أن الزلزال لا يختار ضحاياه، وكذلك كل كارثة، وإنما الاختيار لله وحده في كونه، لهذا نؤمن بالقدر خيره وشره، يقينًا لا يتزعزع بالله.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان