معركة الصحفيين المصريين.. لماذا فشلت وسائل الإعلام في إنقاذ المرشح المدعوم حكوميا من السقوط؟

كثيرة هي الدلالات والمعاني التي كشفت عنها “نتائج” انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في مصر التي أُعلنت في ساعة مبكرة من صباح السبت الماضي. أسفرت هذه الانتخابات التي جرت لاختيار نقيب للصحفيين وستة أعضاء (نصف أعضاء مجلس النقابة) عن فوز الكاتب الصحفي اليساري خالد البلشي نقيبا للصحفيين على منافسه المرشح المدعوم حكوميا وإعلاميا رئيس تحرير صحيفة الأخبار القاهرية ووكيل أول النقابة ورئيس لجنة القيد بها لدورات عدة “خالد ميري”، بواقع 2450 صوتا لـ”البلشي” مقابل 2211 صوتا لـ”ميري”. فاز بالعضوية أربعة مرشحين من تيار الاستقلال، هم عضوا مجلس النقابة هشام يونس ومحمود كامل، والسكرتير العام السابق للنقابة جمال عبد الرحيم، وثلاثتهم أصحاب مواقف نقابية ثابتة لصالح المهنة. كما فاز بالعضوية لأول مرة محمد الجارحي وعبد الرؤوف خليفة، وتجددت عضوية محمد يحيى، وهو من فريق الموالاة.
أزمة اقتحام النقابة.. وجبهة تصحيح المسار
نركز في هذا المقال على الجانب الإعلامي في المعركة الانتخابية. الفائز بمقعد النقيب “خالد البلشي” سبق له رئاسة تحرير أربعة مواقع صحفية هي: البديل والكاتب والبداية، وحاليا موقع “درب”. من المفارقات أن المواقع الثلاثة الأخيرة محجوبة، فكلما ترأس تحرير موقع يجري حجبه بعد ساعات قليلة من إطلاقه.
“البلشي” كان وكيلا لنقابة الصحفيين، ورئيسا للجنة الحريات بالنقابة، وعاش أزمة اقتحام وزارة الداخلية مقر النقابة عام 2016، تحت ذريعة القبض على مطلوبين. وقتها انتفضت الجمعية العمومية للصحفيين غضبا لعملية الاقتحام، وكان البلشي في الطليعة المدافعة عن حرمات النقابة إلى جانب نقيب الصحفيين وقتها النقابي المحترم وصاحب السجل المشرّف يحيى قلاش، ومعهم جمال عبد الرحيم الفائز في هذه الانتخابات. ثلاثتهم -النقيب والوكيل والسكرتير العام- جرى توقيفهم لساعات، ثم محاكمتهم لاحقا، بتهمة إخفاء مطلوبين بالنقابة، والحكم عليهم بالحبس لمدة عام مع إيقاف التنفيذ.
في المقابل، وأثناء الأزمة، تكونت مجموعة “ناهضت” الجمعية العمومية للصحفيين، وأطلقت على نفسها جبهة تصحيح المسار (انحراف المسار من وجهة نظر أخرى)، وكان من بينها خمسة أعضاء بمجلس النقابة وقتها، وهم خالد ميري (الخاسر أمام البلشي في المعركة على مقعد النقيب) ومحمد شبانة الذي سقط أيضا في هذه الانتخابات، وثالث لا يزال عضوا بالمجلس الحالي، وآخرون خرجوا من المجلس لاحقا.
المرشح الفائز نقيبا ودعايته الفقيرة ماديا.. ومزايا مادية من المنافس الخاسر
“البلشي” لم يأت بأي امتيازات أو وعود مادية على الإطلاق، وبلا أي تغطية إعلامية، واعتمد في دعايته “الفقيرة ماديا” على التواصل المباشر مع الأعضاء، ووسائل التواصل الاجتماعي (تغريدات وفيديوهات) لشرح برنامجه، ومواقفه المعروفة بالدفاع عن كرامة المهنة، وتبني ملف الصحفيين المعتقلين، والحقوق المهنية والمادية للأعضاء، وحرية الصحافة، وغيرها من النقاط الجوهرية، على قاعدة أن إعادة الاعتبار إلى المهنة كفيل بتوفير “الحقوق المادية والأدبية” للصحفيين. على الجانب الآخر، فإن “خالد ميري” المرشح الخاسر للمعركة على مقعد النقيب، أعلن حصوله على زيادة قدرها 600 جنيه (أقل من 20 دولارا) لـ”بدل التدريب والتكنولوجيا” الشهري، و500 جنيه للمعاشات شهريا، مع وعود بتطوير مشروع العلاج، وإقامة مدينة الصحفيين بمدينة 6 أكتوبر، ومزايا أخرى، ودعم غير محدود من رجل الأعمال محمد أبو العينين، صاحب فضائية (صدى البلد) التي يقدّم “ميري” برنامجا مسائيا على شاشتها.
حملة دعائية ضخمة.. ترويجا لميري وتجاهلا للبلشي
من حيث الدعاية، فقد حظي ميري بحملة إعلامية ضخمة، جرى خلالها تسخير وسائل الإعلام من صحف ورقية ومواقعها الإلكترونية والفضائيات، وجميعها (إلا قليلا) وهي حكومية بصيغة أو بأخرى، تجاهلت “البلشي” وكأنه ليس موجودا ولا مرشحا لمقعد النقيب. هذه الوسائل نفسها (صحف وفضائيات ومواقع وصفحات تواصل) وقفت كلها على قلب رجل واحد، وكأنها على خط النار تخوض معركتها الأخيرة، دعاية وترويجا مكثفا لـ”خالد ميري”، وأفردت له تغطيات واسعة، على مساحات فضفاضة بصفحاتها، وأوقات إرسال متميزة بالفضائيات، لبرنامجه وتصريحاته وتحركاته، بتحيز غير مسبوق في انتخابات نقابة الصحفيين، ناهيك عن رئاسته تحرير صحيفة الأخبار التي تابعت معركته الانتخابية بتوسع. من بين الممارسات المستهجَنة إعلاميا، أن “رئيس تحرير روز اليوسف”، رئيس قطاع الأخبار بمجموعة فضائيات مملوكة لشركة واحدة مقربة من الحكومة “أحمد الطاهري” الذي يقدّم برنامجا مسائيا على فضائية “إكسترا نيوز”، استضاف قبيل الانتخابات المرشح الحكومي الخاسر خالد ميري، وأعضاء بمجلس النقابة موالين له، متجاهلا تماما المرشح المنافس خالد البلشي (الفائز لاحقا).
وسائل الإعلام والفشل في إنقاذ المرشح المدعوم حكوميا من السقوط
الطاهري أعلن بجسارة يُحسد عليها، أن ميري هو المرشح الأهم لمقعد نقيب الصحفيين، وأنه حُر في استضافة من يشاء!! بل إنه انهال هجوما على نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش صاحب الشعبية الكبيرة بين الصحفيين، لأنه استبق إذاعة اللقاء، بانتقاد غياب المرشح المنافس خالد البلشي، وهي ملاحظة مهنية بحتة لا تفوت على مبتدئ في الإعلام. السؤال: ماذا يعني فشل كل هذه الوسائل الإعلامية الكبيرة والمعروفة في تسويق مرشحها المدعوم حكوميا (خالد ميري) وتعويمه وإنجاحه، رغم كل هذا الجهد لصالحه، والتعتيم التام على منافسه خالد البلشي “الفقير” ماديا وإعلاميا في دعايته الانتخابية؟! إنها ليست هزيمة لـ”ميري” وحده، بل الهزيمة الأكبر لهذه الفضائيات والصحف ومواقعها، فهي على كثرتها وضخامتها، والملايين التي تنفَق عليها، صارت محدودة التأثير جدا، أما لماذا لم تعد مؤثرة؟ فهو غياب الحرية في التناول للأحداث والمستجدات، وانخفاض كفاءة القائمين عليها.
إن محدودية تأثير “وسائل إعلامنا” على النحو الذي انكشف في معركة الصحفيين الانتخابية، تستوجب دراسة هذه الحالة، وإيجاد الحلول حتى يعود إعلامنا كما كان دوما مؤثرا إيجابيا، وليس عكسيا على نحو ما نتحدث عنه.