في انتخابات الصحفيين المصريين.. ميري ضحية الميري

خالد البلشي بعد اعلان فوزه بلجان فرز الأصوات في النقابة

 

 

كان خالد (ميري) المرشح الرسمي نقيبًا للصحفيين في مصر، ضحية (الميري) أو الحكم العسكري في عملية التصويت التي خسرتها الدولة سواء على منصب النقيب، أو على مستوى عضوية المجلس، ذلك أن مرشحًا واحدًا فقط حالفه الحظ بالنجاح، من بين ستة مرشحين ضمتهم القائمة الرسمية، وهو الأمر الذي يؤكد أن عملية التصويت كانت ضد النظام بالدرجة الأولى وليست ضد المرشحين، وهي الرسالة التي كان يجب أن تصل النظام على الفور للتعامل معها، بفك شفرتها من الزوايا كلها، مع توقعات بانتقال العدوى إلى بقية النقابات، ليس فقط، بل وبقية المؤسسات، إنتاجية، وتعليمية، عامة وخاصة، إلى آخره.

من أهم المؤشرات التي أفرزتها هذه الانتخابات أن المؤسسات الحكومية التقليدية (الأهرام، أخبار اليوم، دار التحرير، وكالة أنباء الشرق الأوسط، دار الهلال، دار المعارف، روز اليوسف) لم تعد لها الهيمنة في العملية التصويتية، أو في عملية التأثير في سير الانتخابات لأسباب عديدة، أهمها تراجع أعداد العاملين فيها، بعد توقف عملية تعيين محررين جدد على مدى عشر سنوات مضت، في مقابل أعداد هائلة من المعينين في مؤسسات وصحف أخرى حديثة، سواء كانت خاصة أو تابعة لجهات سيادية.

الأمر الآخر، هو أن قيادات هذه المؤسسات وتلك، لم تعد لهم السطوة التي كان يتميز بها القادة السابقون للمؤسسات التاريخية، من أمثال، إبراهيم نافع، وإبراهيم سعدة، وسمير رجب، وغيرهم، خصوصًا أن القيادات الحالية يجمع بين معظمها ضعف المهنية، بل والشخصية في أحيان كثيرة، وهو الأمر الذي جعل هناك ضعفًا مبدئيًا في عملية الإقبال على الانتخابات أصلًا، مع فشل عمليات الحشد، ذلك أنه جرت العادة في السابق على اكتمال الجمعيات العمومية في المرة الأولى للدعوة إلى الانعقاد بنصف عدد الأعضاء، على خلاف الوضع الحالي، الذي يجعلها تنعقد بربع العدد في المرة الثانية، وبصعوبة بالغة.

بين جدران السجون

الأهم من كل ذلك، هو أن الانتخابات تأتي هذه المرة، وهناك عشرات الصحفيين بين جدران السجون والمعتقلات، في الوقت الذي يعاني فيه الصحفيون بشكل عام من عمليات التضييق على النشر والتعبير، إضافة إلى الأعباء المعيشية الخانقة، مع توقف المكافآت والحوافز وبدلات السفر وخلافه، نتيجة الخسائر التي تحققها هذه المؤسسات سنويًا، جراء تراجع التوزيع والإعلانات وعملية القراءة عمومًا، بسبب ذلك التضييق الذي جعل من كل الإصدارات الصحفية نشرات رسمية لا تفيد القارئ من قريب أو بعيد.

في الوقت نفسه، كان هناك تذمر في الأوساط الصحفية الرسمية، بمجرد الإعلان عن مرشح الحكومة لمنصب النقيب، الذي لم يلق قبولًا كافيًا، رغم الإعلان عن حافز الـ٦٠٠ جنيه شهريًا لكل صحفي، بل إن الاختيارات الرسمية للعضوية أيضًا لم تكن على المستوى المطلوب، وهو الأمر الذي جعل الخسارة مضاعفة، في عملية تصويتية سلبية بالدرجة الأولى، ذلك أن النقيب الجديد ممثلًا لليسار، لا يتمتع بالشعبية التي تؤهله للفوز من حيث المبدأ، بل أن اليسار عمومًا تراجع بشكل كبير في أوساط الصحفيين المصريين، كما تراجعه في الشارع تمامًا، وأستطيع التأكيد أن الهدف من وجود مرشح لليسار في هذه الانتخابات كان لخلق معركة انتخابية بالدرجة الأولى، وليس الفوز.

ولأن مفاجأة النتيجة كانت مدوية، لم يتقبلها الرسميون بسهولة، مما جعلهم يعملون على تعطيل إعلان المحصلة، بالطعن في نتيجة بعض الصناديق، وطلب إعادة الفرز من جديد، وبالفعل كان لهم ما أرادوا، إلى أن كادت الأوضاع تخرج عن السيطرة بالهتافات والاستنفار وغير ذلك من مظاهر الاعتراض، فكان الخضوع لإرادة الصحفيين أمرًا حتميًا، تم تتويجه في نهاية الأمر بنتيجة العضوية أيضًا، التي لم تكن أقل شأنًا، ذلك أن سقوط عضو المجلس السابق، وعضو مجلس الشيوخ الحالي (بالتعيين)، محمد شبانه، يمثل خسارة للنظام لا تقل عن خسارة ميري لموقع النقيب.

الأيادي الخفية

كل ذلك وغيره، يؤكد أن إدارة ملف الإعلام في مصر، من حيث المبدأ، في حاجة إلى إعادة نظر، سواء تعلق الأمر بالأيادي الخفية، ممثلة في الأجهزة السيادية، وما يطلق عليه السامسونج، والرائد فلان، والعقيد علان، أو فيما يتعلق بالهيئات الصحفية والمجالس الإعلامية، ورئيس هيئة الاستعلامات، النقيب السابق، الذي يتحكم بطريقة أو بأخرى في مقاليد اختيار المعينين والمرشحين، بأهواء ثبت فشلها جملة وتفصيلًا.

بموازاة كل ذلك يبقى تأثير العملية الإعلامية من حيث المضمون، أمرًا مهمًا جدًا لاستقرار العمل الإعلامي من جوانبه كافة، مهنيًا وإداريًا وتنظيميًا، وهو الأمر الذي يتطلب صياغة جديدة لهذه القضية، تضع في الاعتبار ذلك التراجع الإعلامي المصري في المنطقة عمومًا، وبالتالي تراجع القوة الناعمة المصرية، عربيًا وأفريقيًا، نتيجة عمليات حجب المواقع، واعتقال الكتاب، والمنع من الكتابة، وغير ذلك من إجراءات عديدة، لا تصب أبدًا في صالح النظام الحاكم على المدى البعيد، أو حتى القريب.

في الأحوال جميعها، كانت ردود أفعال رجل الشارع على نتائج هذه الانتخابات في حد ذاتها رسالة مهمة جدًا إلى من يهمه الأمر، ذلك أن حالة من البهجة سادت الشارع المصري، بمجرد إعلان خسارة المرشح الرسمي لمنصب النقيب، وهو الأمر الذي رآه المواطن العادي بداية لإصلاح أوضاع كثيرة، بل وربما تغيير شامل للأوضاع يبدأ بقطرة أول الغيث، التي تترقبها الجماهير بشغف بالغ، وقد بدا ذلك واضحًا على مواقع التواصل الاجتماعي، التي سهر روادها حتى الصباح يتابعون النتائج أولًا بأول.

يبقى السؤال المهم الذي يطرحه الصحفيون، كما المراقبون، كما رجل الشارع تمامًا، وهو: كيف سيتعامل النظام مع رسالة الصحفيين؟ وهل سيكون ذلك التعامل إيجابيًا أم سلبيًا؟ وهل استوعب النظام الرسالة بإمكانية الحد من هيمنة الميري على الشأن الإعلامي بشكل خاص أم لا؟ هذا ما سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان