مدد صبري فواز.. وسر خالد يوسف الباتع

 

هل هناك علاقة بين الفنان صبري فواز ومسلسل “سره الباتع” الذي يقدمه خالد يوسف في أول عمل تلفزيوني له.

للوهلة الأولى لا يبدو أن هناك علاقة بينهما، ولكن علاقة صبري فواز وآخرين مع نص المبدع يوسف إدريس في مجموعته القصصية “حادثة شرف” علاقة طويلة وممتدة، نحن أمام جيل قرأ يوسف إدريس وتمنى كثير منه أن يحالفه الحظ فيقدم عملا عن أعماله القصصية.

كان صبري فواز واحدا من هؤلاء كما خالد يوسف، وعز الدين سعيد المخرج بقطاع المتخصصة، صاحب العديد من التجارب الدرامية القصيرة، وليوسف إدريس كنوز من القصص التي نراها أرضا خصبة لأعمال سينمائية أو تلفزيونية.

مدد صبري فواز

عندما تحدث خالد يوسف عن حلمه بتحويل قصة “سره الباتع” إلى عمل سينمائي قبل سنوات، كنت ممن يشعرون بالبهجة، ولأنني كنت أحلم بها أيضا تمنيت أن أكون في فريق عمله، ولكن تقطعت السبل، وكنت متوقعا وجود صبري فواز في العمل، ليس فقط لأنه ممثل من الكبار، ولا أنه صاحب تجارب فنية مؤلفا ومخرجا مسرحيا، ولا كونه صديقا لخالد -كما أعرف- لكنه مخرج مسرحي قدّم عملا عن القصة بعنوان “المدد”، العرض الذي قام بإعداده وكتابة أشعاره وتقديمه على مسرح قصر ثقافة شبرا الخيمة بالقاهرة، وإن لم تخني الذاكرة كان ذلك في 1991، إذَن كل التوقعات كانت تشير إلى وجود فواز، المفاجأة لا فواز، وهذا حق مطلق للمخرج كما حقه في رؤية الرواية أو القصة بمنظوره فقط، ولا يسأل عن القصة بعد إنتاجها أحد لا إدريس ولا غيره.

صبري ابن كفر الشيخ، وصديق منذ بداية التسعينيات، التقينا في أكاديمية الفنون المسرحية ذات مساء رمضاني قبل أيام من عرضه مسرحية “المدد”، كانت الأكاديمية كما غيرها من مؤسسات وزارة الثقافة تقدّم عروضا مسرحية وسينمائية وسهرات غنائية وشعبية طوال الشهر، التقيت صبري فصرنا صديقين، وكانت لنا تجارب ومشروعات طوال سنوات، قبل أن تباعدنا الحياة.

دعاني إلى عرضه المسرحي، وهناك في قصر ثقافة شبرا الخيمة بالقاهرة شاهدت عملا فنيا رائعا، أشعار وغناء، حركة مسرحية، إضاءة، تمثيل بشباب مسرحي، وقبل هذا كله، كانت روح العمل حاضرة، وأيضا روح يوسف إدريس.

كانت أحلام الشباب وطموحاته في كسر إيقاع الواقع وتقديم ما يعبّر عن المجتمع، خرجت منتشيا وممسكا بهذا الفتى -حينئذ- الشاعر والممثل والمخرج، كنا نحلم بالمدد أو سره الباتع عملا تلفزيونيا، لم يحدث لكننا التقينا في 1997 بعمل درامي قصير إنتاج التلفزيون المصري بعنوان “حكايات بهية”، كتب نصه فواز ولعب أحد أدواره التمثيلية، أما المشروع الأكبر بيننا فكان محاولة إنتاج عمل عن رواية إبراهيم عبد المجيد المبدعة “المسافات”، لكنه مشروع لم يكتمل.

استطاع العرض المسرحي “المدد” أن يلمس روح نص إدريس في البطولة الشعبية في المقاومة، لا أذكر أنني خرجت من العمل وفي ذهني صورة بطل العمل الشيخ حامد، فقد كان البطل هو الشعب المصري في لحظة تاريخية مهمة، الاحتلال الفرنسي لمصر، ثورتان شعبيتان، دخول نابليون الأزهر، قيادة شعبية، ومن خلال تلك الأحداث كان ميلاد حامد أو السلطان حامد صاحب المقام في رواية إدريس. حامد شاب مصري عاش مطاردا من الفرنسيين لقتله جنودا منهم، فكان أن أخفاه الشعب المصري في وجدانه، هو نفسه من أخفى شاعر الثورة العرابية عبد الله النديم سنوات بعد فشل الثورة.

الشعب هو البطل

رغم أن حامد أو صاحب المقام في رواية إدريس هو بطل ظاهري للرواية، كما على لسان الراوي، فإن الشعب بطلها الخفي أو كما نقول الحاضر الغائب، في حكايات حامد تضحيات شعبية كبرى، فعندما علم الفلاحون أن حامد يختفي بين الزراعات تركوها بدون الحصاد، كان حامد المقاوم أحد أصابعه مقطوع، وعندما نزل الجنود ليقبضوا عليه بهذه العلامة المميزة قام كل أهل القرية المختبئ فيها ببتر الأصبع ذاته، ليصبح الكل في واحد، حامد صاحب وشم، فلتكن القرية كلها موشومة بوشم المقاوم.

إنها القيمة الكبرى في قصة يوسف إدريس القصيرة ضمن مجموعته القصصية “حادثة شرف”، حافظ عليها روحا عرض “المدد” لصبري فواز، فهل يحافظ عليها خالد يوسف في عمله التلفزيوني الأول من إنتاج الشركة المتحدة؟ ربما، مع كامل حقه في ما يرى ويقدّم، ولكن يظل العمل الجديد هو عمله، لا علاقة لإدريس به، كما لا علاقة للواقع بمن يكتبون اختياراتهم من الأول حتى الأخير.

ملاحظات أولية

في الانتقال من العمل الروائي إلى السينمائي أو الدراما التلفزيونية تتم تغييرات كثيرة، فالنص الأصلي قصة قصيرة بطلها فرد هو حامد الشاب المصري الذي قتل أحد قادة الحملة الفرنسية، وعاش فترة متخفيا عن الأنظار، استطاع الشعب المصري أن يحميه بكل شجاعة وحيلة.

قد يكون التفكير الأول لخالد يوسف لتقديمه عملا سينمائيا الأنسب، لكن يبدو أنه فضل تقديمه دراما تلفزيونية في حلقات، فجاءت الملاحظة الأولى في المط والتطويل، وخلق شخصيات تناسب الحلقات المتعددة.

الملاحظة الثانية هي ضعف الحوار الدرامي، فقد تولى يوسف كتابة المعالجة والسيناريو والحوار، فكان ضعف النص واضحا تماما مقارنة بنصوص تاريخية أخرى لكتّاب حاليين أو سابقين، أيضا التماسك الدرامي والحبكة، وبناء الشخصيات.

الملاحظة الثالثة هي الأخطاء التاريخية في بعض الحقائق، وتلك لا تخضع لرؤية الكاتب أو المبدع، وكذلك ما يخص بعض الديكورات أو الأدوات، وما يسميها أهل المهنة إكسسوارات العمل.

ملاحظة عابرة في اختيار فريق العمل الذي شابه مجاملات معتادة في الوسط الفني الآن.

أخيرا، اختيار العامية المصرية في عمل ينتمي إلى نهاية القرن التاسع عشر، وهذه بعض من مدرسة يوسف شاهين في الكتابة، أما رؤية خالد يوسف وتناوله التاريخي والحالي في العمل فسنناقشه عند نهاية المسلسل.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان