من العراق إلى أوكرانيا.. 20 عاما من الفشل والسقوط!

مبنى الأمم المتحدة

 

منذ نشأة النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم صراعات وحروبًا، كانت دليلًا على فشل هذا النظام بمؤسساته المختلفة، فالأمم المتحدة ومجلسها الأمني في حقيقة الأمر مجرد بوابة لتمرير إرادة القوى الكبرى، تسهّل لها تحقيق مصالحها على حساب بقية العالم.

وبعد انتهاء عصر الحرب الباردة وتحوّل العالم من مرحلة ثنائية القطبية –أمريكا والاتحاد السوفيتي- إلى مرحلة أحادية القطبية، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية دوليًا، تلاشت الآمال في عالم أكثر سلامًا، وزاد اليقين بعجز المنظومة الدولية بسائر هيئاتها ومكوناتها، حيث أصبحت الأمم المتحدة أسيرة لهيمنة القطب الأوحد، الولايات المتحدة الأمريكية، وتأكد الشلل التام لوظيفة مجلس الأمن، في ظل تضارب مصالح القوى العظمى -الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن- أصحاب حق النقض “الفيتو”.

نظام دولي مغذٍ للصراعات

في ظل النظام العالمي القائم بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم جرائم حروب وإبادة جماعية راح ضحيتها ملايين البشر في سائر مناطق العالم.

فمنذ نشأة الأمم المتحدة كانت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن -الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا- مغذية للصراعات في العالم وفقًا لمصالحها، وبدلًا من أن يكون مجلس الأمن مساهمًا في تحقيق السلام العالمي أصبح وسيلة لتصدير الصراعات وتمديدها!

فمن غزو أفغانستان في 2001، ثم غزو العراق في 2003، وانتهاءً بالحرب المستعرة في أوكرانيا، كانت الأحداث دليلًا متجددًا على فشل الأمم المتحدة، والسقوط المدوي لأمريكا والغرب المهيمنين على المشهد الدولي.

خلال العقدين الماضيين شهد العالم استغراق المنظومة الدولية في رحلة السقوط التي بدأت منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية.

فالأمم المتحدة لم تنجح في تنفيذ ما أنشئت لأجله؛ حيث فشلت في إنفاذ القانون الدولي، وتحقيق الأمن والسلم الدوليين، والعمل على منع الصراعات، وصنع السلام بين أطراف النزاعات، وتهيئة المناخ الدولي السماح للسلام بالازدهار.

 

شواهد متجددة لفشل النظام الدولي

في المنطقة العربية تجلى فشل المنظومة الدولية وتواطؤها في فلسطين المحتلة، حيث كانت الأمم المتحدة مطية لقوى كبرى لزرع إسرائيل في المنطقة، على حساب دولة فلسطين وشعبها.

كانت الحرب على العراق في 2003، أحد الشواهد الدامغة على فشل النظام الدولي، والموت السريري للأمم المتحدة، ونعيًا جديدًا لمجلس الأمن، وضربة قاضية لفكرة أن مجلس الأمن وحده هو من يفوّض استخدام القوة، حيث عملت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها دون اعتبار لذلك، ما فتح المجال بعد ذلك لتدخلات دون دعم من مجلس الأمن.

وفي سوريا، حيث تضاربت مصالح قوى كبرى، لم تفلح الأمم المتحدة في منع أكبر كارثة إنسانية شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية –أكثر من 400 ألف قتيل، وتشريد أكثر من نصف السكان البالغ عددهم قبل الحرب 22 مليون نسمة-، وباتت سوريا علامة بارزة على عدم فاعلية الأمم المتحدة.

ومرورًا بالأزمة الأوكرانية في 2014، كان مجلس الأمن عالقًا في مأزقه الوجودي “الفيتو”، وكانت الأمم المتحدة منزوعة الفاعلية، وغائبة عن أحد أهم التحديات التي واجهت الأمن والسلم الدوليين في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية.

وانتهاء بالحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة، فشلت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في منع هذه الحرب أو السعي حتى لإنهائها.

بعد 20 عامًا على غزو العراق

رغم مرور عقدين منذ غزو العراق -الجريمة الأمريكية الأكبر في القرن العشرين- إلا أنه من وقت لآخر تتكشف حقائق تؤكد أن هذا الملف يجب ألا يُغلق.

لقد فشلت الأمم المتحدة في منع غزو العراق، والذي انطلق من كذبة كبرى تم هندستها غربيًا لصناعة تلك الحرب المقصودة، التي شهدت جرائم أمريكية بريطانية لم يحاسب عليها فاعلوها حتى اليوم.

في حواره مع “dw بمناسبة الذكرى العشرين للحرب على العراق في 2003، أشار الدبلوماسي الألماني السابق “هانس فون شبونيك” منسق الشئون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، والمشرف على إدارة برنامج “النفط مقابل الغذاء” في الفترة بين عامي 1998 و2000، إلى أن الأزمة التي بدأت عام 1990 بانتهاك صارخ للقانون الدولي، باحتلال صدام حسين الكويت، انتهت بانتهاك آخر للقانون الدولي، مع الغزو الأمريكي للعراق، وكان الضحية الشعب العراقي.

لقد سوقت الولايات المتحدة الأمريكية فكرة تغيير نظام صدام حسين أو العودة إلى عصور ما قبل التاريخ، للتهيئة لانطلاق الحرب ضد العراق.

فقد كان من دوافع غزو العراق الرغبة في تغيير نظام صدام حسين، الذي رآه الأمريكيون زعيمًا يتحداهم ويمثل خطورة على سلطتهم في الشرق الأوسط، إضافة إلى الرغبة في الاحتفاظ بالسيطرة على مصادر النفط، وكان ذلك من أهم محاور سياسة الجمهوريين في ذلك الوقت.

الأمم المتحدة أسيرة أمريكا

وقد لعبت الأكاذيب والتضليل الإعلامي، دورًا بارزًا في صناعة الحرب على العراق، فبحسب ما ذكره المشرف على إدارة برنامج “النفط مقابل الغذاء” في العراق “فون شبونيك”، فقد تعرض فريق الأمم المتحدة لضغوط، إذ كان عليه أن يحارب المعلومات المضللة التي صنعتها أمريكا وبريطانيا، ولكنهم كانوا يُمنعون من توضيح المعلومات، وكان الصراع بين سرد الحقيقة والمعلومات المضللة هو المشكلة الدائمة بين الأمم المتحدة وأمريكا، كما كان الفريق الأممي خاضعًا للرقابة وغير مستقل ماليًا، وبحاجة إلى الأموال الأمريكية، والدعم الأمريكي، وطالما كانت أجندة الأمم المتحدة مطابقة لأجندة أمريكا فإن العلاقات بينهما تكون جيدة.

وتحت سمع الأمم المتحدة وبصرها غزت أمريكا العراق، ومن قبله أفغانستان، بدعاوى مدلسة وكاذبة، ومارست أكبر عمليات قتل ونهب وسرقة وتدمير.

ومع غياب أية سلطة أممية لديها القدرة على إنفاذ قواعد المنظمة وقراراتها، فقد وظفت الدول الكبرى الدائمة العضوية الأمم المتحدة ومجلس الأمن لممارسة انتهاكاتها في مأمن من الرقابة والمحاسبة.

خاتمة

ومن غزو العراق إلى حرب أوكرانيا، وما بينهما من أحداث، كانت الأزمة البنيوية للنظام الدولي حاضرة، وتأكد شلل مجلس الأمن عن اتخاذ قرارات لحفظ السلم الدولي، وبدا واضحًا أنه ليس سوى منصة كلامية، وساحة للدعاية والدعاية المضادة، كما ثبت يقينًا عجز الأمم المتحدة، التي أصبحت أقرب ما تكون إلى وضعية عصبة الأمم في ثلاثينيات القرن العشرين.

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان